«التردد هو العدو بداخلك».. طالما تصورت أن هذه الجملة تلخص بشكل ما المشكلة الكبرى لكل شخص منا فى حياته. أنا أيضاً كان علىّ دائماً أن أستجمع قوتى أمامه وأواجهه مع كل علامة استفهام تمر أمام عقلى أو تقف رافعة راية التحدى أمام قلبى. أختصر غالباً الطريق على نفسى حتى لا أطيل المواجهة. أنحى مشاعرى جانباً، ألجأ إلى ركنى المفضل وأدخل فى ضيافة الصمت لأفكر ملياً، ثم أتخذ قرارى. أياً كان هذا القرار أنفذه، ولأنه -غالباً- قرارى وحدى، فأنا أتحمل نتيجته حتى النهاية راضيةً. أنهى بذلك سريعاً جولتى مع السيد «تردد»، فما أثقل زيارته على قلبى! وما أسعدنى حينما أخرج له رافعة قرارى مصحوباً بشارة: «ارحل.. انتهت الجولة». هكذا أعيش، وأواجه المواقف حولى من وقت إلى آخر. لكننى اكتشفت مؤخراً معادلة أخرى لا نستطيع فيها تنحية مشاعرنا جانباً، لأن مشاعرنا -ببساطة- تكون طرفاً رئيسياً فى هذه المعركة الداخلية الموازية لمعركة التردد فى حياتنا، ففى كثير من المواقف المصيرية التى تمر علينا نقف فى صراع متصاعد القوة مع الذات. ما أصعب أن تقف ضد ذاتك فى موقف ما! غالباً ما يكون الضدان متمثلين فى العقل والقلب.. لا تعرف حقًا لمن ستكون الغلبة، ولكنك تحبس أنفاسك مع كل خطوة يتقدم فيها طرف على الآخر. فعقلك هنا بالمنطق يريد شيئاً ما، وقلبك فى المواجهة وبكل مشاعره يرفض الشىء نفسه، أو العكس. هذان الضدان يفترشان الساحة دائماً وهما فى كامل العتاد، وعندما تبدأ المعركة لن يكون لك سوى دور المتفرج. هل مررت بموقف من هذا النوع قريباً؟ هل أردت شيئاً بشدة ورفضته بقوة فى الوقت نفسه؟ لا تصدق من سيقولون لك حينها إنك شخص غير طبيعى وإنك تمر بمرحلة اهتزاز نفسى، هذه ليست حقيقة يا صديقى.. فهذه كلها مراحل إنسانية طبيعية. حالة الصراع الداخلى هذه تصاحب غالباً فترات انتقالية فى حياتنا تستلزم قرارات مصيرية ستشكل حياتنا المستقبلية فى كل الأحوال، من اختيار تخصص الدراسة، إلى قرار الزواج أو الانفصال، الاستمرار فى الحب، أم التضحية به من أجل شىء آخر، قرارات السفر والهجرة، الاستقالة من العمل أو تغييره. كل هذه القرارات المصيرية ساحة خصبة تدخلك دون أن تدرى فى دوامات الصراع الذاتى هذه، وعندما تدخل إليها لن تدرى صدقاً بأى أرض تحتمى حتى تخرج منها سالماً. سأخبرك أمراً: كل ما فى الكون يهون أمام صراعك مع مشاعرك، فهذا الصراع قلما تخرج منه دون ندوب لا تبرأ مع الزمن. يا صديقى المتعب، نحن دائماً نواجه هذا الصراع فى حياتنا، فلِمَ لا نكون واقعيين فى هذه المواجهة إذن؟ على الأقل لِم لا نتفق معها على أن نخرج بأقل الخسائر؟ لا أقصد خسائر حالية فقط، بل ومستقبلية أيضاً، فنتيجة هذه المواجهات مع الذات يجب أن تتوافق مع ميولك ورغباتك النفسية، وإلا فقد حكمت على نفسك بالموت البطىء، فمهما كان جبروتك وقوتك فلن تستطيع أن تجبر عواطفك على شىء ما لفترة طويلة، وغالباً ستعلن تمردها عليك عاجلاً أو آجلاً، حينها يا صديقى هل ستستطيع حقاً أن تتحمل النتيجة؟ إذن كيف يكون المخرج الآمن لنا من هذه الأزمات المزعجة؟ سأقول لك ما أومن به جداً، فى مثل هذه المواقف. حين تأتى لحظة الاختيار، عليك أن تسأل نفسك فقط، وأن تستمع إليها جيداً، فأنت وحدك ستتحمل نتيجة اختياراتك. لا تسأل أحداً يا عزيزى عن رغباتك، فلا أحد أدرى بها منك. لا تجعل لكلام الناس وتعليقاتهم كل هذا القدر من الأهمية، فهم فى كل حال لن يسكتوا عنك، وهم لن يعيشوا حياتك، أو حتى يتقاسموا معك نتيجة قراراتك. لذلك فعليك أولاً أن تتصالح مع نفسك، وأن تواجه الضدين معاً، قلبك وعقلك، حتى يصلا إلى نقطة تفاهم. اجعل الخلاف بينهما حواراً، واجعل الحوار منطقياً مسموعاً لك. لا تهرب أبداً من المواجهة، ولا تؤجلها أرجوك، فكل ما ستكسبه إذا فعلت ذلك حفنة من المسكنات وتأجيل مؤقت لظهور أعراض المشكلة، ولكنها حتماً ستظهر وتتفشى يوماً ما، وحينها سيصعب عليك العلاج. دع كلاً منهما يخبرك برغباته وأسبابه وأهدافه، وتصوره أيضاً لشكل مستقبلك مع هذا القرار. بعدها قرر يا صديقى. حينها ستنتهى معركتك الداخلية بسلام، وسترضى حتماً عن نفسك، أما الآخرون يا صديقى فمع الزمن سيتأقلمون على كل حال. كن جريئاً، فهذا حقك. تصالح مع ذاتك فهى الأبقى، ولا تنس أبداً أن تتخيل مع كل قرار تتخذه أنك ستعيش إلى الأبد مع نتيجة هذا القرار، أو أنك ستموت الآن وينبغى أن تكون راضياً عنه تمام الرضا. حريتك ملك لك، فلا تعط أي شخص أياً كان حق انتزاعها منك.