تداعيات وصول الإخوان إلى السلطة: كان الشيطان حريصاً على أن يصل إلى مكان اللقاء فى الموعد الذى حدّده له إبليس.. وكالعادة وجد الأخير فى انتظاره، وبعد أن اتخذ مقعده، سأله إبليس: ما أخبار تداعيات وصول الإخوان إلى السلطة؟ وما تقويمكم لها؟ الشيطان: هى فى المجمل تداعيات عظيمة للغاية وغير متوقعة، وما كنا نتخيل أن تأتى النتائج على هذا النحو. إبليس: وكيف ذلك؟ الشيطان: أول هذه التداعيات تقوية الأمل لدى جميع تنظيمات الإخوان -خاصة فى الدول العربية- فى إمكانية وصولها إلى سدة الحكم، كما حدث فى مصر، بل ربما تصوّرت أن هذا الوضع سوف يساعد فى تذليل العقبات أمامها.. وهذا بالطبع يمثل أمراً مقلقاً لأنظمة الحكم فى هذه الدول، ومن المحتمل أن تلجأ إلى ممارسة التضييق أو الملاحقة أو المطاردة لتنظيمات الإخوان الموجودة لديها، وهو ما سيُؤثر سلباً على العلاقات مع مصر، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.. وفى تصوّرنا أنه إذا لم تقف هذه الأنظمة موقف العداء بالنسبة إلى مصر، فلا أقل من أن تمتنع عن مساعدتها.. ثانى هذه التداعيات هو خروج جماعات التكفير من جحورها ومحاولة فرض وإثبات وجودها؛ فى البداية سوف يهادنها الإخوان، لكنهم فى مرحلة ما لن يستطيعوا مواجهتها أو السيطرة عليها، وسوف تصبح ورماً سرطانياً، ربما يمتد تأثيره المدمر إلى مؤسسات الدولة ذاتها.. ثالث هذه التداعيات هو اصطفاف كل القوى المدنية ضدهم، وفى مواجهة ذلك سوف يحاول الإخوان الاستعانة بمناصريهم من السلفيين من ناحية والتكفيريين من ناحية أخرى، وهو ما سوف يزيد الوضع العام تعقيداً.. تذكر جيداً ما أحدثته «التعديلات الدستورية» وما سُمى «غزوة الصناديق»، من انقسام مجتمعى حاد.. لقد كنا نحن الشياطين متصورين أن الإخوان قادرون على احتواء الجميع، وأنهم سوف يراعون التنوّع الموجود فى المجتمع، لكن إذا بهم يحاولون الاستحواذ على كل شىء، حتى الفتات لم يتركوه.. إبليس: ألم أقل لك إن وصول الإخوان إلى حكم مصر سوف يحقق أهدافاً كبرى؛ داخلياً وخارجياً؟ الشيطان: نعم.. نعم.. لكننا لم نكن مقدّرين حجم المزايا.. صمت قليلاً ثم قال: ألا يساعد أعزاؤنا الأمريكان الإخوان فى مصر، على الأقل حتى يستطيعوا إتمام مهامهم فى الأهداف التى حدثتمونا عنها؟! إبليس: سوف يساعدون، لكن بالقدر الذى يعمل على مزيد من تورّطهم فى العلاقة مع أمريكا، وأعتقد أن أعزاءنا الأمريكان لن يتركوهم ليسقطوا.. سوف يضعونهم فى مقام بين بين. الشيطان: بمعنى؟ إبليس: تماماً كالمريض فى غرفة الإنعاش، لا هو مات، ولا هو قادر على الحركة بمفرده.. الشيطان: ألم يكن الإخوان مدركين خطورة الإقدام على تصدُّر المشهد السياسى فى مصر.. لقد كان هناك من ينصح ويحذّر من ذلك؟ إبليس: الانتهازية تُعمى الإنسان عن إدراك الحقائق البسيطة.. لقد تصوّروا أنه طالما كان أعزاؤنا الأمريكان داعمين لهم، فإن الطريق سوف يكون أمامهم معبّداً وسهلاً، وأن أنظمة الحكم العربية سوف ترحب بهم وتقف على أعتابهم، ملبية كل مطالبهم. الشيطان: لكن السياسة أعقد من ذلك بكثير.. صحيح أن الأمريكان لهم دلالهم على العرب، لكن العرب يخشون على عروشهم وأنظمة حكمهم، وأن ينجح الإخوان فى الحكم، خاصة حكم مصر، فهذا تهديد بزوال هذه العروش. إبليس: هذا ما لم يدركه الإخوان.. ألم أقل لك إن الإخوان أغبى مما يتصور الآخرون؟! الشيطان: فما تعليقكم على خروج جماعات التكفير من جحورهم؟ إبليس: نظام «مبارك» كان قمعياً.. لم يترك لهؤلاء فرصة الظهور على السطح.. وأى رأس كان يتطلع للظهور، يتم قطعه، أو تغييبه فى ظلمات السجون.. وجاءت ثورة 25 يناير ليتمكنوا من الخروج والتعبير عن أنفسهم.. ألم تكن أعلامهم السوداء ترفرف فى ميدان التحرير؟ الشيطان: نعم، جميعنا لاحظ ذلك. إبليس: وعندما لاحت الفرصة للإخوان فى الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، عقدوا معهم صفقة، أنهم حال فوزهم سوف يُفرجون عن مسجونيهم، وسوف يتركونهم فى سيناء لمعسكراتهم وتدريباتهم وأسلحتهم، كما أنهم وعدوهم بتطبيق الشريعة، وفى مقابل ذلك لا يصدر منهم ما يُعكّر الصفو داخل سيناء وخارجها، وأن يكونوا عوناً لهم وقت الحاجة.. الشيطان: لكن الصفقة على هذا النحو لها مخاطرها الكثيرة. إبليس: بالطبع.. إنهم كمن يربى أفعى فى بيته، ظناً منه أنه قادر على ترويضها. الشيطان: وماذا عن القوى المدنية؟ إبليس: هى لا تريد أن تهمّش، وأن يكون لها جزء معتبر من الكعكة، وإلا فسوف تكون مصدراً للقلاقل.. هى متخوفة من أن يُسيطر الإخوان على الكعكة كلها، وتجربتها مع الإخوان غير مريحة، فالإخوان -على حد زعمهم- إذا ضاقت بهم السبل استغاثوا بالقوى المدنية وسعوا للاقتراب منها والتلطّف معها، وإن أقبلت عليهم الدنيا أعطوا ظهورهم لها ونسوا كل علاقة تجمعهم بها. الشيطان: وما تصوّركم؟ إبليس: الإخوان -كعادتهم وكما سبق أن ذكرت- يميلون للاستحواذ على كل شىء، ولن يتركوا حتى الفتات.. وهذا كما تعلم مستهجن ومستفز وغير مقبول من القوى المدنية.. ومن حسن حظنا أن الإخوان يعتقدون أنهم قادرون على عمل كل شىء، وأن الجميع سوف يقدّمون لهم فروض الطاعة والولاء، من منطلق ما هو شائع أن «المصرى عبد لمن يمتلك الشرعية».. نسوا أن التركة التى خلفها «مبارك»، تركة ثقيلة، لا يستطيع أن يحملها أى تيار بمفرده، مهما كان وزنه أو حجمه، ثم إن المصريين بعد ثورتهم أصبح سقف تطلعاتهم عالياً، وبالتالى لو أن الإخوان حاولوا تجاهل الآخرين فسوف يدخلون فى متاهات لا أول لها ولا آخر.. نحن نظن أنهم سوف يفعلون ذلك، ومن ثم، فالفشل الذريع فى انتظارهم لا محالة.. عموماً، دعنا لا نستبق الأحداث، المهم أرجو ألا يصيبنا تراخٍ أو كسل، فما زال أمامنا الكثير الذى نقوم به، وسوف تكون النتائج فى النهاية رائعة بأكثر مما تتصورون..