الإخوان يصلون إلى حكم مصر جلس إبليس يرقب صديقه الشيطان وهو مقبل عليه.. وعندما اقترب منه قام إليه مرحباً وابتدره قائلاً: أراك متهللاً، منفرج الأسارير. الشيطان: لقد صدقت توقعاتكم.. حقاً، إنكم أبالسة.. إن نجاح الإخوان فى الوصول إلى حكم مصر أصابهم بنوع من الخبال.. هم لا يصدقون أنفسهم.. تماماً كالعارى الذى يسير فى صحراء قاحلة، لا بيت يؤيه، ولا طعام يسد جوعه، ولا شىء يحميه من السباع والهوام، إذا به فجأة يجد نفسه فى قصر منيف، يرتدى الحلل الثمينة، وعليه تاج مرصع بالدرر واللآلئ، وحوله العشرات من الخدم والحشم، وحشد من الجند والأتباع يأتمرون بأمره، ويسير فى مواكب لا أول لها ولا آخر، وتوضع أمامه وضيوفه الأوانى الممتلئة بالأرز المعمر تعلوه الخراف المشوية، فيلتهمونها بشغف ونهم.. لقد فقد الإخوان صوابهم.. صحيح أنى لعبت برؤوسهم مرات عدة، لكنى ما كنت أعلم أن الهوس سيصيبهم إلى هذه الدرجة. إبليس: وهل هذا الهوس أصاب رئيسهم أو مكتب إرشادهم فقط؟ الشيطان: كلا.. كلا.. لقد أصاب الجميع.. من أكبر رأس إلى أصغر رأس فيهم.. صمت قليلاً ثم قال: لكنهم، منذ اليوم الأول دخلوا فى صراع مع المجلس العسكرى والمحكمة الدستورية العليا.. ولا أخفى عليك أن المجلس يريد أن يحكم قبضته من خلال الإعلان الدستورى المكمل، وأنه فى حال صدور حكم من القضاء الإدارى ببطلان الجمعية التأسيسية، فإن المجلس العسكرى سيتحرك على الفور لتشكيل جمعية تأسيسية جديدة دون انتظار لما تسفر عنه إجراءات الطعن على الحكم، طبقاً لما خوله له الإعلان الدستورى المكمل.. إبليس: وما الذى يمكن أن يسفر عنه الصراع فى نظركم. الشيطان: أظن أن مرسى وجماعته لن يكملوا المدة الأولى لحكمهم، ولا نصفها، ولا حتى ربعها. إبليس: أعتقد أن خطتنا تسير فى الاتجاه الصحيح.. المشكلة السورية: إبليس: يبدو أنكم معشر الشياطين لم تبذلوا جهداً إزاء المشكلة السورية بما يحقق أهدافنا.. فنحن كما تعلم نريد أن تشتعل سوريا بالقتلى من النظام والثوار فى آن واحد، والمقترح الذى قدمه «مرسى» فى الرياض بحل المشكلة سلمياً ودون أى تدخل عسكرى من خلال لجنة رباعية تضم ممثلين عن مصر، والسعودية، وإيران، وتركيا، هو اقتراح يحرمنا من مشاهدة برك الدم فى سوريا. الشيطان: اطمئن يا صديقى العزيز، فقد أوعزنا إلى مرسى خلال زيارته السريعة إلى طهران أن ينزلق إلى إغضاب الشيعة منه، وبذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد؛ إفشال المقترح، والعزف على أوتار الخلاف بين السنة والشيعة. إبليس: وكيف ذلك؟ الشيطان: أوحينا إلى مرسى أن يستهل خطابه، بعد الصلاة والسلام على محمد، أن يترضى على أبى بكر وعمر وعثمان وعلىّ، على اعتبار أن ذلك سوف يرضى أهل السنة والجماعة ويبنى له شعبية داخل مصر وخارجها، لكنه لن يدرك ساعتها أنه يغضب بذلك الشيعة فى إيران، وبالتالى يفشل المقترح. إبليس: رائع، رائع.. هذه فكرة «شيطانية».. بوركتم، بوركتم. الخطاب الفضيحة: الشيطان: لقد اكتشف الناس الخطاب الذى أرسله محمد مرسى إلى صديقنا الحميم السيد «شيمون بيريز» والذى يقول له فيه «صديقى الوفى».. ونتمنى «الرغد لبلادكم». إبليس: رائع.. رائع، وماذا أيضاً؟ الشيطان: الناس يتعجبون، ويتساءلون: أهؤلاء الذين كانوا ينعتون «بيريز» بالسفاح، ويدعون أن الصهاينة محتلون لأرض فلسطين، أرض العروبة والإسلام؟! هل نسوا أم تناسوا ذلك؟! لقد كانت قضية فلسطين والجهاد على ثراها، والقدس، والمسجد الأقصى؛ كل ذلك كان عدتهم وطريقهم إلى قلوب المسلمين، وكانوا يعتبرون إمامهم حسن البنا هو شهيد قضية فلسطين.. فماذا دهاهم؟ إبليس: هم الآن ملتزمون بسياسة ولدنا الحبيب «ميكيافيللى».. وفى سبيل المحافظة على السلطة هم مستعدون لعمل أى شىء.. عموماً، انتظر يا صديقى العزيز.. سوف ترى عجباً، فهؤلاء لا بد أن ينفذوا ما تعهدوا به لأعزائنا الأمريكان.. ألم أقل لك إن ضمان أمن وأمان إسرائيل بشكل دائم هو الثمن المقابل ليس فقط لوصول الإخوان إلى السلطة، بل المحافظة عليها أيضاً؟ استطرد قائلاً: لقد حسب هؤلاء الأغبياء أن هذا هو نهاية المطاف.. هم لا يعلمون أن هناك أهدافاً أخرى خادمة لضمان أمن وأمان إسرائيل الدائم، ألا وهى إثارة النزاعات الحدودية والعرقية والمذهبية والطائفية بين دول العرب والمسلمين، فلا يبقى شىء متماسك فى المنطقة إلا دولة إسرائيل.. وفى الوقت ذاته، يستطيع أعزاؤنا الأمريكان أن يسيطروا على منابع النفط، وإقامة قواعد عسكرية هنا وهناك، ناهيك عن الرواج الذى سوف يحدث لسوق السلاح.. الشيطان: وما التبرير الذى سوف تسوقه قيادات الإخوان لأفرادهم؟ إبليس: هذه أمور سهلة.. هل نسيت ثقافة السمع والطاعة والثقة فى القيادة التى يدين بها هؤلاء؟ سوف يقولون لهم نحن الآن نلعب سياسة، والأمريكان هم أسياد العالم اليوم، ونحن نريد أن نحمى ظهورنا، والأمريكان يمدون لنا يد العون فيما نحتاجه من المؤسسات الدولية، والاتحاد الأوروبى.. ناهينا عن الدول الأخرى التى تدور فى فلكها.. إن المستقبل واعد بالنسبة لنا.. الإعلان الدستورى: الشيطان: أخبرنا بعض أولادنا الشياطين ممن يتابعون أعضاء مكتب الإرشاد أن هناك تحضيراً لإعلان دستورى تنتوى قيادات الإخوان إصداره لتحصين قرارات «مرسى» والمحافظة على الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور. إبليس: لقد علمنا نحن بذلك أيضاً.. لكن، قل لى: ما توقعاتكم إزاء هذا الإعلان؟! الشيطان، وقد اتسعت حدقتا عينيه: أظن أنه سوف يكون كارثياً على الإخوان. إبليس: نحن نشارككم هذا الرأى.. صحيح أنهم سوف يحاولون اللعب على عواطف الجماهير بتغيير النائب العام وتعيين آخر، وإصدار ما يسمى بقانون «حماية الثورة»، لكن الأمر لن ينطلى على أحد. الشيطان: فى تصورنا أن هذا الإعلان سوف يكون بمثابة القشة التى تقصم ظهر البعير.. فسوف يتجمع الأضداد فى خندق واحد ضد الإخوان.. إبليس: أنا متخوف من أن يعرقل إصداره بعض العقلاء من هذه القيادات. الشيطان: اطمئن.. من حسن الحظ أنه لا يوجد بينهم عقلاء، حتى وإن وجدوا فأصواتهم خافتة وضعيفة وغير مؤثرة.. إبليس: وماذا عن مستشارى مرسى؟ الشيطان: هم لا يعلمون عن الإعلان شيئاً، وسوف يسقط بالبراشوت على مرسى فى قصر الاتحادية، وسوف يفاجأ الجميع به. إبليس: عظيم، عظيم.. هكذا تسير الأمور فى مسارها السليم، وأستطيع أن أقول إننا بذلك نقترب من خط النهاية. الشيطان: لن نتركهم حتى تتحقق أهدافنا بالكامل. نهض إبليس واقفاً، ثم قال: وهو كذلك.. سوف أتصل بك لتحديد اللقاء المقبل، زماناً ومكاناً لتقييم ما وصلنا إليه.. إلى لقاء.