بعد أن رحب إبليس بصديقه الشيطان، اعتدل فى جلسته وقال: ماذا عندك؟ الشيطان: نحن نتقدم بخطى ثابتة نحو أهدافنا.. صدقنى يا عزيزى.. أحياناً أقول لنفسى إن بعضاً من هؤلاء البشر أكثر شيطنة منا، وإننا نفتقر إلى أسلوبهم المميز فى الخسة، والخداع، والمراوغة، بخلافنا نحن معشر الشياطين فعلاقتنا قائمة على أساس الصدق والشفافية وتغليب الصالح العام.. استطرد قائلاً: بالطبع ليس ذلك لرغبة منا، ولكن لاستحالة أن يخدع بعضنا بعضاً.. كما أنهم يختلفون عنا فى الفساد الضارب أطنابه فى كل شىء، ثم لا يجدون من يردعهم أو يقلم أظافرهم. إبليس: أنا معك فى هذا.. فرغم الإبليسية والصفات الخسيسة التى نتمتع بها، فإننا لسنا فاسدين.. إن أمورنا كلها مكشوفة لرؤسائنا، ونحن متابعون بدقة متناهية من قبلهم، ولا يستطيع واحد منا أن يستغل موقعه لمصلحته الخاصة، أو يوظف أحداً من أولاده أو أقربائه فى وظيفة مرموقة أو حتى متواضعة، أو يحصل على شىء لا يستحقه، وإلا تمت محاكمته، وربما صدر حكم بإعدامه.. الشيطان: بالطبع يا مولانا، فعالمنا لا ينفع معه الفساد أو التسيب أو الإهمال أو الهزل أو التردد.. ثم إن مؤسساتنا الديمقراطية تحمينا من الوقوع فى مستنقع هذه القاذورات. إبليس: هذا صحيح.. وإلا خسرنا الدنيا كما خسرنا الآخرة.. الشيطان: لكن، من الملاحظ أن القطاع الأكبر من البشر أغبياء أو مغفلون، وهو ما يجعلنا نحقق أفضل النتائج بأقل جهد ممكن. إبليس: نحن نتفق معكم فى هذا الرأى، فقد أوصاهم ربهم بوصايا حادة وقاطعة، ووضع لهم أطراً واضحة لا يتجاوزونها، ورسم لهم معالم لا لبس فيها ولا غموض. مع ذلك، هم لا يلتزمون بها ولا يلتفتون إليها.. من الواضح أنهم لا يقرأون قرآنهم ولا يقتدون بسنة نبيهم.. وحتى الذين يقرأون لا يفهمون، ومن يفهم منهم لا يوجد لديه استعداد للامتثال.. لأجل ذلك، يقعون فى الفخاخ التى ننصبها لهم. الشيطان: بينى وبينك، لو أنهم انصاعوا بحق إلى تعليمات ربهم، ما وجدنا لأنفسنا عملاً معهم، إلا قليلاً.. إبليس: وما رأيكم معشر الشياطين فى الإخوان المسلمين؟ الشيطان (مقهقهاً): أناس رائعون.. طوال تاريخهم، وهم منكوبون، لا ينهضون من مصيبة إلا ليقعوا فى كارثة، ولا يخرجون من أزمة إلا ليدخلوا فى أزمة أخرى، ربما أشد وأنكى.. السبب أنهم لا يتعلمون من أخطائهم، رغم التجارب المريرة التى يمرون بها.. لا يحسنون الاختيار، ولا يستطيعون تقويم المواقف.. وقد عرف عنهم خصومهم ذلك، لذا يضعون لهم الشرك فيقفزون إليه.. أصبحت المصائب من تراثهم وأدبياتهم ولوازم حياتهم.. ومن غفلتهم وبلاهتهم، أقنعوا أنفسهم بأن المصائب لازمة وضرورية لمسيرتهم وأطلقوا عليها «محناً» وانتقوا من التاريخ أحداثاً ووقائع وحكايات بعينها لتأييد فكرتهم.. فى كل مرة يخسرون، ويتراجعون.. لذلك، هم يستحقون الشفقة والرثاء. إبليس (مستغرباً): عجيبة.. حتى أنتم تشفقون عليهم؟! الشيطان: ألا يقال أحياناً إن حال فلان يصعب على الكافر؟ إبليس: لكن، ما الذى سوف تفعلونه معهم خلال الأيام القليلة المقبلة؟! الشيطان: هم مهتمون هذه الأيام بأن يجدوا متنفساً لنشاطهم، فرجال مبارك يلاحقونهم ويطاردونهم.. يكفى الضربات الانتقائية التى يوجهونها للعناصر المفصلية داخل التنظيم، وهو ما أدى إلى إرباكهم.. من ناحية أخرى، رجال مبارك مشغولون بموضوع مهم هذه الأيام هو موضوع «التوريث»، ويريدون أن يمضى دون قلق أو إزعاج من أى قوة سياسية.. لذا، سوف يتصلون بالإخوان للتفاهم معهم حول هذا الموضوع. إبليس: وما توقعاتكم؟ الشيطان: سوف نوعز إلى قيادات الإخوان بأن يقبلوا الصفقة، خاصة أنها سوف تكون مقترنة بتسهيل حصولهم على عدد من مقاعد مجلس الشعب.. إبليس: لكنى أعلم أن منهم من يرفض «التوريث»، فماذا يصنعون معه؟ الشيطان: هم يدبرون الأمر بليل للإطاحة به والتخلص منه، فهو يريد أن تكون هناك شورى حقيقية داخل التنظيم، فضلاً عن أنه يسعى للانفتاح على الأحزاب، وهو ما ترفضه القيادات الأخرى.. وسوف يساعدهم فى ذلك رجال مبارك.. ومن ثم سوف تلتقى الرغبتان. إبليس: لكنى أعلم أن الجيش أيضاً ضد التوريث. الشيطان: هذا صحيح، وسوف يتحين الفرصة لمنعه أو عرقلته بأى ثمن.. فقياداته لا تتصور مطلقاً أن تؤدى التحية للوريث، فضلاً عن أنه سوف يكون -من وجهة نظرهم- خراباً على البلد، خاصة من خلال هذه الطغمة التى تلتف حوله.. يكفى الزواج الكاثوليكى بين السلطة والثروة.. وهو لا يفتأ -أى الوريث- يتقرب من شياطين أمريكا ويحاول بكل الوسائل إرضاءهم. إبليس: ما لدينا من معلومات يؤكد أنه رتب أوضاعه تماماً، وبقى أن يرفع الستار. الشيطان: لكن شياطين أمريكا لهم رأى آخر فى الوريث، فهو ليس مقنعاً حتى لأهله وناسه.. هى تعلم أنه لن يحقق مشروعها على النحو الذى تريد.. هى تسعى لإيجاد ضمان دائم لأمن وأمان إسرائيل فى المنطقة أو ما تطلق عليه «عملية السلام».. ولن يحقق ذلك إلا الإخوان.. لذلك هى تتصل بهم من حين لآخر.. وبالمناسبة، هذه القيادة الرافضة لعملية «التوريث»، هى نفسها رافضة للتواصل مع شياطين أمريكا على اعتبار أنه لا يوثق بهم ولا يطمأن إليهم، فضلاً عن أنهم لا يبحثون إلا عن مصالحهم ولو على جثث الآخرين.. ثم إنه ليس لديها استعجال للخطى أو الشبق نحو السلطة، وهو ما لا يتفق مع خطة شياطين أمريكا.. لذا، فقد رتب هؤلاء الشياطين أمورهم مع هذه القيادات، وهى باختصار: أن تكون «عملية السلام» فى مقابل إيصالهم إلى السلطة. إبليس: نعلم ذلك.. وأرى أن الأيام المقبلة حبالى بما ليس فى التصور أو الحسبان، وبما لا يخطر على البال.. ثم نهض واقفاً وقال: دعنا نلتقِ غداً، فإن لدينا اليوم مهام ثقيلة علينا أن ننجزها استعداداً لما هو آت. الشيطان: إلى لقاء.