حتى لا يصبح العام الجديد رقماً عابراً على جدار التاريخ، يبدأ بتمنيات طيبة، وتفاؤل تفرضه لحظات توقف متوهمة بين يوم ويوم، ثم نستكمل معه مسار أعوام خلت، علينا أن نتوقف عن تعاطى مسكنات ترحيل أزماتنا وإشكالياتنا والرهان على الزمن، فلا يمكن أن يستقيم تكرار نفس المقدمات وانتظار نتائج مختلفة، مقدمات تنكر فى أغلبها وجود أزمة، وبعضها يحيلها إلى مؤامرة كونية، وغيرها يسارع إلى التاريخ يستنطق بعضاً من لحظاته المتوهجة يستقطعها من سياقها، سعياً لترميم جدار يتهاوى، وفيما ننشغل بإطفاء الظاهر من ألسنة النار نغمض عقولنا عن متغيرات تحدث بيننا تتحين لحظة انفجار، تتجاوز إمكانات أدوات الإطفاء البدائية. عن المصريين المسيحيين ووضعيتهم المأزومة أتكلم، فى عالم متغير، وتشابكات أكثر تعقيداً، وشيوع ثقافة التناول المرتبك على أصعدة متعددة، والذى ينتج تكراراً لا يتوقف، فى الاستهداف، والإقصاء، وتطييب الخواطر، ينتهى باحتفالية مواراة الأزمات، ودفنها قبل التيقن من تفكيكها وموتها، فتنبعث مجدداً بعد حين، أكثر حدة، ولا يعدم المشهد بروز بعض أقباط يحرقون البخور ويهللون لما تم إنجازه، وفى كل العهود يخرج علينا من يؤكد أن الأقباط يعيشون أزهى عصورهم. لست بصدد صنع بكائية جديدة، فلم يعد فى القوس منزع، ولا أسعى لمطالبة بحقوق للأقباط خارج السياق الوطنى، أو السير عكس اتجاه التوحد المصرى، إنما المصارحة والمكاشفة، وتحريك العقول القانعة والقابعة، سعياً لتفكيك اللغم العائم فوق مياه الوطن. لعل أولى الملاحظات، أن أجيالاً جديدة شابة بدأت تعلن حضورها بقوة فى المشهد المصرى، عصية على التوجيه الأبوى، تملك أدوات التمرد خارج السياقات التقليدية، تحت غطاء تقنى داعم متجاوزاً التحجيم أو الملاحقة، تجمع داخلها كل المتناقضات، لكنها تفتقد التحقق الآمن والحقيقى، وتنذر بمصادمات عنيفة، شهدتها قبلاً أوروبا فى الستينات من القرن المنصرم، وأقر معها الرئيس الفرنسى «التاريخى» شارل ديجول أنه ليس رجل المرحلة فاستقال وخرج من المشهد فى لحظة فارقة. يجمع الشباب بين التطرف الدينى اليمينى، بقراءات متجاوزة التطرف التقليدى، وبين موجات الإلحاد التى ترفض القيادات الدينية التقليدية الإقرار بها تسفيهاً وتهويناً وربما استعلاء، لا فرق بين شباب مسلم أو مسيحى، ولا فرق فى معالجات المؤسسات الرسمية عندهما، يقف قداسة البابا فى محاولة لرتق المشهد برؤى طوباوية فيواجه بمعارضة عاتية وفجة من الشباب، فى ترجمة لغياب اللغة المشتركة، ولهذا أسبابه، لكن رفض الشباب يجب ألا يواجه بالقمع، فهم كل المستقبل، والكرة تجاوزت ملعب الكنيسة واقتربت من مرمى السلطة الحاكمة، ولم يعد اختزال الأقباط فى الكنيسة مجدياً، وهو ما أدركه البابا، لولا ضغوط تستهدفه من داخل المؤسسة وخارجها. الموقف الوطنى للكنيسة على المحك، وعليها أن تدرك الخطوط الفاصلة، الدقيقة، بين الوطنى والسياسى، وتكبح جماح بعض من أساقفتها الذين استهوتهم نداهة الإعلام والسياسة وربما المصالح، ويبرعون فى التبرير، وعلى الدولة أن تتعامل مع الأقباط بعيداً عن أسوار الكنيسة حتى تتفرغ لدورها رعاية وتعليماً وتقويماً روحياً. هل يعقل وبعد أربع سنوات من ثورة زلزلت المنطقة أن تتكرر جرائم استهداف الأقباط، خطفاً ومنعاً لممارسة حقوق العبادة، خاصة فى محافظات الجنوب، التى يتكرر فيها مشهد الصلاة فوق وبين أطلال كنائس، قرية نجع رزق شنودة بسوهاج نموذجاً صارخاً، واستباحة معتقداتهم على الفضائيات والصحف وسيل الفتاوى، وتديين الفضاء الحقوقى، دون إعمال لقانون أو سيادة له، وصمت حكومى مبهم حتى فى واجب الإدانة والاستنكار. الأقباط لا يتعاطون حقوقهم عبر بوابات وزارتى الشئون الاجتماعية والأوقاف، بل من الدولة على أرضية المواطنة، وللطرح بقية.