على غير طبيعتى المعهودة، والتى ترفض الصراخ والصوت العالى وتعلى من شأن الهدوء وإعمال صوت العقل، يتملكنى على مدار الشهور والأسابيع الماضية شعور قوى يدفعنى إلى الصراخ فى وجه الكثير ممن يلعبون أدواراً مختلفة على الخريطة السياسية المصرية وعلى مختلف الأصعدة وخاصة على صعيد الأحزاب السياسية والتى تمثل حالة لا أقول فريدة بل الأحرى أنها غريبة، حيث لا سابقة ولا مثيل لها على مستوى العالم، أن تشهد الساحة السياسية وجود ما يزيد على ال90 حزباً سياسياً منها ما هو تاريخى ويشكل امتداداً طبيعياً لأحزاب عريقة فى تاريخ الحياة السياسية المصرية، ومنها ما هو حديث النشأة، حيث انطلق عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو ويجمع بينها جميعاً قاسم مشترك يتمثل فى الإخفاق الكامل فى الوصول للشارع المصرى الحقيقى والذى يرجع له الفضل الحقيقى فى تهيئة المناخ الملائم لخروج معظم تلك الأحزاب إلى الحياة. تلك الرغبة فى الصراخ فى وجه الجميع تولدت وتعاظمت بداخلى من خلال قراءة واقع نعيشه جميعاً يعكس وبوضوح شديد أننا أمام دولة تعيش حالة من الحرب الحقيقية فى مواجهة إرهاب أسود يهدف إلى إسقاط الدولة.. «إرهاب» تخطط له وتموله دول وقوى خارجية وأجهزة وتنفذه وبكل أسف أيد داخلية فقدت البوصلة والهوية وارتضت لنفسها السير فى طريق الخيانة والضلال على حساب أمة ووطن وشعب!!! والمؤسف أنه وسط تلك الأجواء المشحونة والمشبعة برائحة وطعم الحرب التى تخوضها الدولة والتى ضحّت وما زالت تضحى، وعلى مدار الساعة، بالدماء الزكية للمئات والمئات من شباب وذخيرة الأمة، فضلاً عن الاستنزاف المادى والاقتصادى لدولة يعانى اقتصادها حالة من الإنهاك ليست بخافية على كل ذى بصر وبصيرة.. نجدنا أمام حالة من الغياب الكامل والحقيقى لدور كان من المفترض أن يلعبه من يطلق عليهم النخبة، خاصة من الأحزاب والقوى السياسية ولا أقول الوقوف خلف الدولة فى مواجهتها لذلك الإرهاب الأسود، بل أقول للوقوف إلى جوارها كتفاً بكتف!! حتى تنزاح تلك الغمة.. حيث اقتصر دور تلك النخبة بكل أسف على بيانات الشجب والتنديد ونضال الحناجر عبر الفضائيات ووسائل الإعلام!! وليتها توقفت عند ذلك الحد، بل المثير للمرارة أنها تناست دورها الحقيقى وتفرغت لصراعات ما أنزل الله بها من سلطان سعياً وراء محاولة الفوز بنصيب من كعكة البرلمان! فنراها، وبمجرد انتهاء الاستحقاق الثانى من خارطة المستقبل والمتمثل فى الانتخابات الرئاسية، قد تعالى صوتها مطالبة بزيادة مساحة القوائم الانتخابية أملاً فى الحصول على نسبة أعلى فى مقاعد البرلمان!! وهو ما يعكس أنها تدرك جيداً افتقادها إلى أى وجود شعبى وجماهيرى يكفل لها تحقيق ما هو مأمول لها من مقاعد!! فضلاً عن أنها تتناسى وتتجاهل أجواء الحرب الحقيقية التى تخوضها الدولة فى مواجهة الإرهاب وتملأ الدنيا صراخاً مطالبة بسرعة إنجاز الاستحقاق الثالث والأخير فى خارطة المستقبل والمتمثل فى انتخابات مجلس النواب!!! ويطلقون فى سبيل ذلك كثيراً من المزاعم والأسباب، أهمها ضرورة الانتهاء من انتخابات البرلمان قبيل انعقاد المؤتمر الاقتصادى الدولى المقرر انعقاده بالقاهرة فى منتصف مارس المقبل حتى يتوافر مناخ أكبر وأرحب حسب زعمهم لجذب المزيد من فرص الاستثمار العربى والعالمى فى مصر!! ممارسين ما يمكن أن نطلق عليه محاولة «إرهاب الرئيس» زاعمين تلاشى فرص الاستثمار فى مصر فى حالة انعقاد المؤتمر دون وجود برلمان!! والمضحك المبكى أن الواقع الحقيقى يعكس فشل القوى السياسية والأحزاب ومعهم كثير من الدائرين فى فلك ما يسمى «النخبة» فى قراءة كثير من الملامح والخطوط الرئيسية والتى تمثل فى حقيقتها ثوابت الصورة والتى يأتى فى مقدمتها على سبيل المثال لا الحصر: أولاً: أننا أمام رئيس قد جاء إلى سدة الحكم بإرادة شعبية جارفة ولم يأتِ فقط من خلال صندوق الانتخابات الرئاسية بل استبقتها بكثير حين خرجت الملايين من الجماهير المصرية الحقيقية فى نجوع وقرى ومدن ومحافظات مصر على امتدادها، وبصورة غير مسبوقة، شكلت علامة بارزة أذهلت العالم أجمع لتفويض «المشير» لقيادة الأمة فى مواجهة الإرهاب فى 26 يوليو 2013، ثم تجلت ملحمة الشعب المصرى فى الخروج الثانى واختيار قائده وزعيمه فى الانتخابات الرئاسية فى مايو الماضى. وهو ما يعنى لكل ذى عقل أننا أمام رئيس قد جاء بإرادة شعبية كاملة، وبالتالى فهو غير مدين بالولاء إلا لتلك الجماهير التى فوّضته واختارته لقيادة سفينة الوطن، وهو ما عكسه بل وأعلنه الرئيس فى كثير من المواقف صراحة أنه يقف وسط المصريين جميعاً.. وأنه لم ولن يُحسب يوماً على فصيل دون غيره. ثانياً: أننا أمام رئيس تربى طيلة حياته فى مؤسسة قوامها الانضباط والالتزام ودقة تحديد الأهداف والأولويات والحسابات الدقيقة لكيفية وتوقيت اتخاذ القرارات.. وأعتقد أننا جميعاً قد شاهدنا ترجمة عملية لتلك الرؤية من خلال ما اتخذه الرئيس من قرارات خلال المرحلة السابقة والتى أشرنا إلى جانب منها فى مقالات سابقة. ثالثاً: أن المناخ الطبيعى الجاذب للاستثمار العربى والأجنبى يستلزم كثيراً من العناصر والمقومات الضرورية التى يأتى فى مقدمتها توفير المناخ الآمن واجتثاث الإرهاب الأسود من جذوره، كما يستلزم أيضاً بيئة تشريعية متكاملة توفر لرؤوس الأموال المأمول جذبها مناخاً كاملاً من الأمن والثبات والغياب التام للريبة والخوف من التقلبات والتغيرات السياسية، يتطلب أيضاً أداء حكومياً وتنفيذياً يخلو تماماً من البيروقراطية العقيمة والدوران فى فلك إجراءات روتينية تجاوزها الزمن بمراحل طويلة والتى كانت دوماً سبباً مباشراً لهروب الكثير من رؤوس الأموال من الاستثمار فى مصر.. يفرض أيضاً علينا أهمية وضرورة التمتع بثقافة الاستثمار وثقافة ومهارة تهيئة البيئة الملائمة للمستثمر من خلال منظومة تعليمية حقيقية ومتطورة نستطيع من خلالها توفير الكوادر والأيدى العاملة المؤهلة والمدربة علمياً وعملياً للدخول إلى عالم الاستثمار.. وغيرها وغيرها الكثير من العوامل والمقومات الضرورية بل والأساسية التى تدعم توفير البيئة الملائمة لجذب الاستثمارات العربية والغربية إلى مصر والتى نرى أنها من الأهمية بمكان بما يفرض على الجميع الوقوف وبقوة خلف وإلى جانب الرئيس والدولة لسرعة إنجاز تلك العوامل الجاذبة للاستثمار قبيل المؤتمر الاقتصادى فى مارس المقبل، خاصة إذا ما قورنت مجتمعة بالانتهاء من الانتخابات البرلمانية وتشكيل البرلمان والذى لا نراه مؤثراً بشكل كبير على اتجاهات ونتائج ذلك المؤتمر. أيها السادة.. يا عقلاء الأمة ونخبتها.. إنها دعوة من القلب.. لنتق الله أولاً فى أنفسنا ولنتق الله فى وطن أثخنته الجراح وتكالبت عليه قوى الشر والظلام من كل صوب وحدب بغية تريكعه وإسقاطه.. فلنتق الله جميعاً ولنكن على مستوى الحدث والظرف التاريخى الذى يمر به الوطن.. ولنتق الله فى رئيس شاء قدره أن يرث تركة مثقلة ينوء بها العصبة أولو القوة من الرجال، ورغم هذا نراه يبرهن ومن اللحظة الأولى لتوليه المسئولية أنه قد جاء بقلب مقاتل جسور يملأه الإصرار على الاقتحام والمواجهة لمشكلات عضال طال أمدها واستفحلت عبر عقود طويلة للقضاء عليها وعلاجها والانطلاق بالوطن لآفاق أرحب من النهضة والنمو واستعادة المكانة. اتقوا الله وادعموه ولا تفكروا أن تُرهبوه. وللحديث بقية ما كان فى العمر بقية.