عينان بريئتان، قدمان حافيتان، تميز الصغير الذى انزوى إلى جوار شقيقه بأحد أركان العشة التى تؤوى عائلته، يتابع من بعيد الأم المهمومة فى رفع ألواح الصفيح الصدئة وضمها لتغطية سقف المأوى الذى لا يسترهم من عوامل الجو المتغيرة أو يحميهم من الشتاء بقدومه القارس وأمطاره الغزيرة التى تفسد حياتهم فى عزبة الكفراوى بحى رملة بولاق. «حمادة جمال» أتم ال4 سنوات بشق الأنفس قبل شهرين، الصغير وُلد برفقة أوجاعه الجسدية، مصاباً بروماتيزم فى القلب، لا يقوى على الحركة أو اللعب مع أقرانه، فالألم يهاجمه بين الحين والآخر، بحسب والدته «أحلام» قائلة: «قدمنا على طلب للحصول على شقق المحافظة، وأرفقت مع الطلب تقريراً طبياً بحالة حمادة من مستشفى بولاق يمكن يرحمونا من الموت البطىء». الأم وثلاثة أبناء آخرين بخلاف الزوج الغائب عن الأسرة منذ عامين -لا تعلم الأسرة أراضيه- يعيشون جميعهم داخل عشة مساحتها لا تعدو 5 أمتار، تقنع السيدة الثلاثينية بحياتها راضية وشاكرة، قبل علمها بمرض «حمادة» الذى يحول دون بقائه فى العراء، فيسلط الموت عليه سهامه كل برهة، بحسبها: «حمادة بينام طول الليل يتوجع وينتفض من البرد، وساعات باضطر أغطيه بالكراتين، لحد الشمس ما تطلع وتدفى العشة». مضيفة: «كل اللى بحلم بيه سقف يسترنى مع عيالى من البرد، مش عايزة حمادة يتعلم، نفسى يتعالج وأشوفه بخير».