أداء متباين بمؤشرات البورصة عند إغلاق تعاملات اليوم    وزير الإسكان يوجه بتكثيف أعمال تنفيذ وحدات سكن لكل المصريين    صحة غزة: 1500 طفل ينتظرون الإجلاء الطبي و42% من الحوامل يعانين من فقر الدم    إحدى ضحايا جيفرى إبستين: جعلنى أتحدث لسياسيين وأمراء وشخصيات مهمة    عاجل مدرب زيمبابوي: لدينا حظوظ قوية أمام المنتخب المصري وأتوقع نتيجة إيجابية    كشف ملابسات تضرر شخص من قائد دراجة نارية وآخر حولا سرقة هاتفه المحمول وسيارته بالقاهرة    مصرع ممرضة صدمها قطار خلال عبورها شريط السكة الحديد بالقليوبية    وزارة السياحة والآثار تنفي تحرير محاضر ضد الصحفيين    جولة مفاجئة لوزير الثقافة ومحافظ القاهرة بقصر ثقافة عين حلوان    «التخطيط» تترأس اجتماعًا تحضيريًا للجنة المصرية – الأرمينية المشتركة للتعاون الاقتصادي    رئيس جامعة بني سويف: 76 ألف طالبًا يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الأول    «الشيوخ» يوافق على مشروع تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء من حيث المبدأ    القاهرة الإخبارية: تخوف إسرائيلي من اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب نهاية الشهر الحالي    اقتصادي: انعقاد منتدى الشراكة الروسية الإفريقية بالقاهرة يؤكد الدور المصري في دعم التنمية الاقتصادية للقارة السمراء    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    تردد القنوات المجانية الناقلة لبطولة كأس أمم أفريقيا 2025 .. اعرف التفاصيل    سبورتنج يعلن قائمة مواجهة الأهلي اليوم فى كأس السوبر المصري لسيدات السلة    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية    محافظ القاهرة: تصدر العاصمة مدن أفريقيا الأكثر تأثيرًا يمثل تكليفًا لجهود الدولة    160 مليار جنيه لدعم التموين في 2025.. «كاري أون» أكبر سلسلة تجارية حكومية تنطلق لتطوير الأسواق وتأمين الغذاء    البحيرة.. ضبط 3 محطات وقود بالدلنجات لتجميعها وتصرفها في 47 ألف لتر مواد بترولية    مصرع شخصين وإصابة ثالث إثر انقلاب سيارة أعلى كوبري أكتوبر بالشرابية    حبس عاطل 4 أيام بعد ضبطه بحوزته 20 فرش حشيش بالجيزة    نائب وزير الإسكان يستقبل مسئولي إحدى الشركات التركية لبحث فرص التعاون في مشروعات المياه والصرف الصحي    تصاريح الحفر لمد الغاز بقرى «حياة كريمة» وخطة لتوصيل الخدمة ل6 مناطق سكنية في 2025    الأقصر تتلألأ في يوم الانقلاب الشتوي.. الشمس تتعامد على مقصورة قدس الأقداس بمعابد الكرنك في مشهد فلكي ومعماري مدهش    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. حفلات ليالي الفن تضيء العام الجديد    9 آلاف حالة حرجة في عام واحد.. مستشفيات جامعة بني سويف تسجل طفرة غير مسبوقة في الرعايات المركزة خلال 2025    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    حيماد عبدلي: منتخب الجزائر يسعى للذهاب بعيدًا ببطولة أمم أفريقيا    تاريخ من الذهب.. كاف يستعرض إنجازات منتخب مصر فى أمم أفريقيا    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة قلقيلية ‫ويداهم بناية    الصحة: إغلاق 11 مركزًا خاصًا للنساء والتوليد ب5 محافظات لمخالفتها شروط الترخيص    أبرز المسلسلات المؤجلة بعد رمضان 2026.. غادة عبد الرازق ونور النبوي في الصدارة    ليلة استثنائية في مهرجان القاهرة للفيلم القصير: تكريم عبير عواد واحتفاء بمسيرة عباس صابر    «الرعاية الصحية» تطلق حملة للمتابعة المنزلية مجانا لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن    من مصر منارةً للقرآن إلى العالم... «دولة التلاوة» مشروع وعي يحيي الهوية ويواجه التطرف    د.حماد عبدالله يكتب: "اَلَسَلاَم عَلَي سَيِدِ اَلَخْلقُ "!!    تكريم لمسيرة نضالية ملهمة.. دورة عربية لتأهيل الشباب في حقوق الإنسان تحمل اسم محمد فايق    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    رئيس جامعة الازهر يوضح بلاغة التعريف والتنكير في الدعاء القرآني والنبوي    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 3 ملايين جنيه    انطلاق الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تعديلات قانون الكهرباء    "مركز المعلومات": حاجز التجارة العالمية سيتجاوز 35 تريليون دولار للمرة الأولى فى 2025    وزارة التموين تطلق قافلة مساعدات جديدة بحمولة 1766 طنًا لدعم غزة    الري تتابع إيراد النيل.. تشغيل السد العالي وإدارة مرنة للمياه استعدادًا للسيول    المقاولون العرب يعلن تعيين علي خليل مستشارًا فنيًا لقطاع الناشئين    إصابة 14 عاملا فى حادث انقلاب أتوبيس بالشرقية    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمي للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    مواعيد مباريات اليوم الأحد 21-12- 2025 والقنوات الناقلة لها | افتتاح أمم إفريقيا    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام 2025    وزير الخارجية يؤكد مجددا التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي    الصحة: فحص 8 ملايين طالب ابتدائى ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    الإسكان الاجتماعي لصاحبة فيديو عرض أولادها للبيع: سنوفر الحلول الملائمة.. والحاضنة لها حق التمكين من شقة الإيجار القديم    عضو بالأرصاد: أجواء مستقرة ودرجات حرارة طبيعية خلال الأسبوع الجاري    علاء نبيل: حذرت أبو ريدة من الصدام بين طولان وحسام حسن قبل كأس العرب    ندوة بمعرض جدة للكتاب تكشف «أسرار السرد»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد صلاح البدري يكتب: حصة الرسم
"حين تختلف نظرتنا للأشياء!"
نشر في الوطن يوم 29 - 11 - 2014


1
- بس يا ولد انت وهو.. كفاية كلام صدعتوني..
هتفت بها أبلة "ناهد" في غضب مصطنع.. ثم عادت إلى المجلة التي تحملها في يديها.. إنها تقرأ حوارًا عن تلك الممثلة الشابة التي تزوجت حديثًا.. المزيج من نظرات الحسرة والإعجاب يرتسمان على وجهها..
ترفع عينيها ثانية من داخل تلك المجلة.. و تتأمل تلك الحجرة الممتلئة بالأخشاب المكسورة.. وتزين جدارها أعمالًا فنية بسيطة.. قامت أبلة ناهد وزملاؤها من مدرسي التربية الفنية بتلك المدرسة الابتدائية بصنعها على أنها من صنع التلاميذ.. حتى يستطيعوا أن يحفظوا ماء وجههم حين يأتي السيد مفتش المادة للمرور على مدرستهم..
تمسك بحقيبتها لتخرج منها علكة لترميها في فمها بسرعة.. قبل أن تبدأ في مضغها بعصبية.. وتمد يدها ثانية لتخرج علبة لأدوات التجميل الرخيصة.. فتفتحها لتنظر إلى المرآة التي بداخلها على وجهها من زوايا متعددة..
تتأمل وجهها البيضاوي الأسمر.. وشفتاها المكتنزتين الذي يغطيهما ذلك الطلاء الأحمر.. وأنفها المدبب.. ثم تحاول أن تعدل من ذلك الحجاب الأبيض الذي يحيط بوجهها.. والذي تصر أن تربطه بطريقة معينة.. ليظهر معه الجزء العلوي من شعرها الأسود.. ويظهر معه الجزء السفلي من أذنيها.. لتستطيع أن ترتدي ذلك القرط الكبير الذي تحبه..
"والنبي قمر.. بس الحظ"
لم تكن ترى أن تلك الممثلة الشابة تختلف عنها كثيرًا.. إنها فقط الظروف التي جعلت منها ممثلة.. وجعلت من "ناهد" مجرد مدرسة للتربية الفنية في إحدى المدارس الابتدائية!
تعيد علبة أدوات التجميل إلى حقيبتها قبل أن تزداد عصبيتها وهي تتأمل النقود القليلة المتناثرة فيها.. إنها تستحق ما هو أفضل من هذا بالتأكيد!
يندفع حازم إلى مقدمة الحجرة جريًا حتى يصل إليها
- أبلة ناهد.. عاوز أروح الحمام
يلهث حازم وهو يهتف بصوت مرتفع حتى تسمعه الأبلة، على الرغم من أنه يقف أمامها مباشرة، إلا أن الضجيج الذي يحدثه التلاميذ يجعل ذلك الأمر صعبًا بالفعل..
- روح بس متتأخرش..
ينطلق حازم خارج الحجرة سريعًا.. فتنظر هي إلى باقي التلاميذ قبل أن تصيح بعصبية
- كفاية زيطة بقى يا جزم!
لم تكن حصص التربية الفنية مفيدة أكثر من أنها كانت فرصة للثرثرة التي يفتقدها التلاميذ في باقي الحصص.. حتى أبلة ناهد تعرف ذلك جيدًا.. فلم تكن حتى تهتم بأن تحدد موضوعًا للرسم.. وإنما كانت تترك الأطفال يتحدثون بحريتهم.. فقط كانت تكتفي بالصياح كل فترة بأن يصمتوا.. ثم تنهمك في قراءة إحدى المجلات التي كانت دومًا تحب ابتياعها..
أبلة ناهد تترك حازم يمارس هوايته في الذهاب للحمام كثيرًا، ولهذا فحازم يحب أبلة ناهد كثيرًا..
2
- تعال يا حازم.. مين أحلى فينا أنا ولا أبلة سعاد؟
إنه السؤال الشهير الذي يسأله الكبار لأي طفل يرونه.. بعضهم يعتمد علي مدى قربه من الطفل لتكون الإجابة لصالحه.. والبعض الآخر يعتمد على قدرته على إرهاب الطفل ليفوز بالإجابة التي يريدها..
- أبلة ناهد حبيبتي.. أنا بحب أبلة ناهد..
يجيب حازم وهو ينظر لأبلة سعاد في توجس.. و ينقل عينيه في استجداء إلى ناهد لتكون حليفته إذا ما قررت أبلة سعاد الفتك به لإجابته التي جعلتها تخسر هذا التحدي..
- شوف الواد... حتى العيال يا ناهد؟!
تجيب سعاد في غضب مكتوم.. ولهجة ذات مغزى
- حبيبي يا حازم.
تهتف بها ناهد في سعادة سوقية.. قبل أن تمتد يدها لتقرب حازم إليها وتطبع على خده الصغير قبلة قوية.. لا تلبث أن تترك آثارًا من أحمر الشفاه الرخيص على وجهه..
- يا اخواتي إيه العسل ده كله؟!
أبلة ناهد طيبة للغاية.. فهي تربت على رأس حازم في حنان كلما رأته يبكي حين يضربه أحد المدرسين الآخرين.. ولأنها تتركه يلعب كما يريد.. ويذهب للحمام كما يريد أيضًا..
ليت المدرسين كلهم كأبلة ناهد... هكذا كان يهمس لنفسه. هكذا كان يتمنى!..
إنه لم يجاملها في شيء حين أجاب.. فهو يراها جميلة بالفعل.. والواقع أن نظرة الطفل للأشياء تعتمد اعتمادًا كليًا على مصالحه الشخصية.. بل وتبدأ وتنتهي عند هذه النقطة.. حتى حب الطفل لأمه ينبع غالبًا من أنها تعتني به كلية في سنوات عمره الأولى..
إنه لا يفهم لماذا يرى نظرات الريبة في أعين المدرسين الآخرين كلما نظروا إلى ناهد.. بل ولا يدرك أيضًا لماذا تتشاجر أبلة أحلام مع زوجها الأستاذ مرتضى كلما وجدته يتحدث إلى ناهد!
إنه يتذكر هذا اليوم جيدًا.. لقد كانت ناهد تقف مستندة إلى الحائط في نهاية الممر المؤدي إلى مخزن المدرسة القديم.. تلوك تلك العلكة كالمعتاد وتعبث في ذلك العقد الطويل الذي ترتديه، وأستاذ مرتضى كان يقف أمامها.. لقد كانا يبتسمان ويتحدثان بصوت منخفض، إنه كان يجري وقتها ليبحث عن مكان يختبئ فيه من الصبية ليفوز في تلك اللعبة الشهيرة.. فتفتق ذهنه عن هذا المكان.. ولكنه حين وجدهم خشي أن يكمل طريقه.. وهم بالعودة ليبحث عن مكان آخر.. فوجد أبلة أحلام تهرول مسرعة وهي تصيح
- بتعمل إيه عندك يا مرتضى؟!
لم يفهم معظم الحوار الذي دار بين ثلاثتهم وقتها.. ولكنهم كانوا يتشاجرون في الغالب.. فقد كان صوت أبلة أحلام مرتفعًا للغاية.. وتلفظت ببعض الألفاظ التي تنبهه أمه دائمًا ألا يقولها.. لأنها "عيب". لقد انسحب يومها الأستاذ مرتضى في عصبية.. بينما استمر الحوار بين السيدتين يزداد حدة ..
إنه لن ينسى هذا اليوم أبدًا.. كما لن ينسى أن أبلة أحلام سيئة للغاية.. فهي جعلت أبلة ناهد تبكي يومها..
لماذا يكرهون أبلة ناهد؟ لم يستطع الإجابة على هذا السؤال وقتها..
3
إنها تلك الرحلة المعتادة لزيارة مدرستنا القديمة.. من منا لم يفعلها.. كان حازم قد أنهى دراسته الثانوية.. ثم كان الاقتراح من أحد الزملاء أن يزوروا مدارسهم القديمة.. ليسلموا على مدرسيهم القدامى.. احتفالًا بدخولهم إلى المرحلة الجامعية.. كم كان اقتراحًا محببًا للنفس.. أن ترى وجوه مدرسيك القدامى.. بل وترى الفخر الذي يبدو في عيونهم وهم يرونك قد أصبحت أطول من معظمهم.. البعض سوف يتذكرك.. ولكن المؤكد أنك ستذكر الجميع..
يدلف حازم إلى تلك المدرسة الابتدائية الصغيرة.. إنه يعرف هدفه جيدًا.. سوف يصعد إلى الدور الثاني حيث غرفة المدرسات القديمة.. إنه يريد أن يرى أبلة "ناهد".. سوف تتذكره.. إنه يعرف ذلك جيدًا..
يطرق طرقات خفيفة على الباب الخشبي القديم.. تنظر إليه إحدى المدرسات في تساؤل
- أبلة ناهد موجودة؟!
- أبلة ناهد مين؟
أبلة ناهد بتاعة الرسم.. أنا كنت تلميذ هنا من ست سنين..
- قصدك ناهد خيري؟!
لم يكن يعرف اسمها بالكامل بالفعل.. فتردد لحظة ثم هتف - أيوه
نظرت إليه تلك المدرسة الجديدة نظرة طويلة.. وتأملت شاربه الذي مازال ينمو حديثًا ثم قالت
- وانت عاوزها في إيه إن شاء الله !!
لم تكن لهجتها تبعث على الارتياح.. بل إن رائحة التهكم كانت واضحة للغاية ..
- أنا كنت تلميذ هنا وعاوز أسلم عليها..
- يعني أنت متعرفش عنها حاجة من ساعة ما مشيت من المدرسة؟
- لا يا أبلة والله!!
كان يحاول أن ينفي عن نفسه التهمة التي لا يعرفها.. والتي وجد نفسه متهمًا بها !
أدارت تلك الأبلة الجديدة وجهها عنه ثم قالت
- أبلة ناهد سابت المدرسة من مدة و منعرفش عنها حاجة!
- شكرًا !!
ينصرف حازم مسرعًا كما لو أن شياطين الكون تطارده..
إنه يتعجب مما حدث!.. أين ذهبت أبلة ناهد؟! .. و لماذا تنظر إليه تلك الأبلة الجديدة بهذه الريبة؟!
لقد زار مدرسته القديمة.. و لكنه مازال يحن إلى أبلة ناهد! .. أين هي الآن؟!
4
لم يكن عامًا دراسيًا موفقًا.. لقد التحق بتلك الكلية العملية التي كان يتمناها.. ولكنه لم يكن يتوقع أن تكون بهذه الصعوبة.. لقد وجد مجموعة جديدة من الأصدقاء استبدل بهم أصدقاؤه القدامى.. إنهم يسهرون معا كل ليلة تقريبًا.. لقد تعلم التدخين حديثًا.. و تعلم معه أن "ساعة الحظ لا تعوض".. فأصبح يقضي العديد من ساعات الحظ معهم.. لا يبدو أنه سينجح هذا العام.. والأدهى.. أنه لا يبدو عليه الاهتمام بهذا الامر أصلًا!
إنها الأعوام الأولى في الدراسة الجامعية.. حين تكتشف أن الأمر يختلف كلية عن المدرسة.. وأن تفوقك القديم قد لا يشفع لك بالمرة.. إنه المزيج من الإحباط الذي يعاني منه كل الطلبة في أول عام جامعي لهم.. والإثارة لتجربة كل جديد كان محرمًا في أعوام الدراسة الثانوية..
- النهارده هوديكم مكان جامد جدًا..
هتف بها صديقه في خبث.. ينظر إليه حازم في برود مصطنع
- إيه قهوة جديدة؟!
- قهوة مين يا عم.. النهارده هنعمل اختبار الرجولة
يزداد فضول حازم تدريجيًا وإن لم يتخلى عن تعبيرات وجهه الباردة..
- فين يعني؟
- هنروح عند هويدا يا معلم..
لم يكن يعرف من هي هويدا.. و لكن الفضول قد قتل القط من قبل.. سوف يذهب بالتأكيد.. على الأقل ليعرف من هي هويدا!
5
يصعد درجات ذلك السلم القديم في توجس.. يتأمل ذلك الباب الخشبي العتيق.. ثم يمسك بذراع صديقه
- يابني انت جايبنا فين؟ البيت ده شكله ميطمنش..
- تعالى بس متخافش.. مش هتندم صدقني
إنه يعلم أنه سيندم بالتأكيد.. فلهجة صاحبه و حواره بالكامل يؤكد أنه بصدد الدخول إلى إحدى البيوت التي تمارس الرذيلة.. إنه يعلم هذا.. ولكن الإحباط الذي يعاني منه جعله لا يرفض هذا العرض.. فضلًا عن خوفه أن يبدو خائفًا أمام صديقه.. إنه رجل.. وسيثبت هذا الآن ..
المزيد من التوتر يعتريه.. طرقات خفيفة على الباب الخشبي جعلت صوتًا نسائيًا رفيعًا يجيب من خلفه
- مين؟
- أنا من طرف سيد ..
ينفرج الباب في بطء وتظهر من خلفه امرأة بدينة.. تلطخ وجهها بالأصباغ بصورة مبالغ فيها حتى إنك لا تستطيع تحديد عمرها.. ولكنها لم تنجح في إخفاء التجاعيد التي تظهر تحت عينيها.. إنها تتجاوز الأربعين بكل تأكيد..
- أهلًا وسهلًا اتفضلوا..
يدلف حازم خلف صديقه.. أن التوتر يملأه.. ولكنه يحاول أن يبدو هادئًا غير مهتم.. كأنه معتاد على مثل هذا النوع من البيوت..
- اتفضلوا تشربوا إيه يا بهوات؟!
- مش عاوزين نشرب عشان مستعجلين.. إحنا جايين من طرف عم سيد.. هو قالنا إنك هتظبتينا
- من عينيا.. ده أنا هدلعكم دلع محدش شافه.. بت يا ناهد .. شوفي طلبات البهوات..
هتفت بها تلك المرأة الشمطاء ثم أطلقت ضحكة رقيعة قصيرة.. واهتزت أردافها وهي تحرك أطنان الشحم التي تحملها بعيدًا.. وتختفي داخل حجرة بجوار الباب ..
- أيوه يا أبلة أنا جاية أهو.. أهلًا وسهلًا ..
انبعث هذا الصوت النسائي من خلف الستارة التي تغطي الجزء الأيسر من الصالة.. ثم اهتزت تلك الستارة لتخرج من ورائها صاحبة الصوت..
- اتفضلوا ارتاحوا هنا
تشير إلى مقعدين في ركن الصالة.. فيذهب حازم بعينه إليهم ثم يدير عينه ليرى تلك المرأة صاحبة الصوت..
تتسع عيني حازم في انبهار.. إنه لا ينسى ذلك الوجه البيضاوي الأسمر.. ولا ذلك الأنف المدبب.. حتى ذلك القرط الكبير الذي يتدلى من أذنيها.. إنها هي بالتأكيد.. لن تخدعه بتلك المساحيق الرخيصة التي تغطي وجهها.. والتي لم تنجح في إخفاء تلك الخطوط التي رسمتها السنوات على جبهتها.. !
- واحد واحد مش كده؟ .. يالا مين هيبتدي؟
نطقت بها في ميوعة مصطنعة.. فنظر إليه صديقه في خبث قبل أن يجيبها
- حازم بيه الأول طبعًا.. ده ضيفنا..
تنظر إلى حازم وهي تدير عينها من أعلى إلى أسفل .. ثم تبتسم ابتسامة ذات مغزى قبل أن تجيب في دلال
- و ماله.. عينيا لحازم بيه
ينظر إليها حازم في حنان وهو يسترجع ذكرياته القديمة..
- إزيك يا أبلة؟!
تجيبه بضحكة رقيعة يبدو فيها أنها قد أعجبت بالفعل بهذا اللقب
- أبلة؟؟ .. إيه أبلة دي يا بيه.. أنا لسه صغيرة مكبرتش للدرجة دي
- أنا مش قصدي إنك كبيرة عني.. أنا بقولك أبلة من وأنا صغير!
كان يتخيل أنها تتذكره كما تذكرها..
تتغير ملامح وجهها.. وتختفي تلك الابتسامة من على وجهها ويحل محلها ملامح قلق بالغ..
- وانت صغير؟.. انت تعرفني؟
تهتف بها في توتر.. قبل أن يقف حازم فجأة.. و ينظر إليها نظرة طويلة..
- أيوه يا أبلة ناهد أنا أعرفك من زمان أوي.. أنا تلميذك من زمان..
ثم يدير عينه إلى صديقه الذي يدير وجهه بينهم في حيرة
- مش هينفع اعمل كده مع دي بالذات.. مش هينفع ابقي راجل مع أبلة ناهد يا عمر!
يندفع حازم خارجًا من المنزل .. يهبط الدرجات القديمة سريعًا.. و صديقه يلاحقه هاتفًا
- حازم.. انت يابني استني !!
لم يقف حازم .. بل أسرع في مشيته حتى خرج إلى الشارع الرئيسي.. إنه لا يرى شيئا أمامه.. فقط شريط من الذكريات القديمة يدور أمام عينيه.. ورأسه يمتلئ بالتساؤلات.. لقطات قديمة تبدو واضحة التفسير أمامه الآن.. هل كانت هكذا عندما كان طفلًا؟.. هل كانت الظروف وضيق ذات اليد هو السبب؟! .. أمطارًا من الدموع تملأ عينيه.. إنه لا يجاهد حتى لمنعها.. إنه يبكي كطفل في المدرسة الابتدائية.. و يتمني لو أن تربت على رأسه أبلة "ناهد"
يدلف من باب منزله .. فيجد والدته في انتظاره
- يابني انت مش هترجع البيت بدري أبدًا؟ يعني اعمل فيك إيه؟ انت كده بتضيع مستقبلك .. انت هتموتني أنا و أبوك ناقصين عمر..
تجاهل حازم كلمات أمه التي اعتادها .. و نظر إليها في هدوء وهو يسألها
- فاكرة أبلة ناهد بتاعة الرسم يا ماما؟
تجاهلت هي الأخرى كلماتها وغضبها وهي تجيبه باستغراب
- فاكراها آه .. مالها
يصمت طويلًا.. ثم أدار وجه نحو غرفته وهو يجيب
- ماتت.... الله يرحمها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.