يثير توسع الإرهاب فى العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر تساؤلات جادة حول كيفية عمل شبكات الإرهاب وسر توسعها وانتشارها بل واستدامتها منذ 1928 حتى الآن، وكذلك انتشارها عبر الحدود وفى مجتمعات ديمقراطية مستقرة، وتستخدم شبكات الإرهاب عدة استراتيجيات تستهدف إسقاط الدولة والسيطرة على المجتمع وإقامة سلطة ثيوقراطية/ دينية استبدادية إقصائية؛ فهناك التجنيد والتدريب، والتفعيل، ويربط بينها جميعاً شبكات اتصال عنقودية يصعب الكشف عنها إلا بالاختراق، وهو ما لم تنجح الدول اليوم فى التوصل إليه، وتقوم استراتيجية التجنيد على البحث عن العناصر الشابة التى تعانى من الحرمان العاطفى والاقتصادى، كالأيتام والفقراء والمحتاجين، وذلك برعايتهم رعاية تامة اجتماعياً ونفسياً ومادياً، ولذلك تتسم شبكات الإرهاب بالتواصل بالقواعد الشعبية فى مختلف الدول التى تشكل قواعد محتملة لها، إلى الحد الذى دعا ولفنسون، الرئيس الأسبق للبنك الدولى، إلى الإقرار فى إفطار عمل بمعهد البنك الدولى فى واشنطن 2004، بأن أى نجاح لمشروعات التنمية المستدامة التى يقوم بها البنك الدولى ينبغى أن يوظف المؤسسات الدينية، وهى منظمات متجذرة Grassroots فى تلك الدول، وتمتد عمليات التجنيد إلى الطلاب خصوصاً المتعثرين منهم وبصورة أخص فى الكليات ذات التكلفة المرتفعة نسبياً مثل الطب والهندسة والصيدلة وطب الأسنان، وتكتمل عمليات التجنيد بالزواج المغلق بين أبناء الأسر الإخوانية ضماناً لولادة أجيال من الإخوان والسلفيين والجهاديين والتكفيريين وما شابههم من الملتزمين. وتقوم الاستراتيجية الثانية على التدريب والتثقيف؛ فالواضح للجميع أن كافة المنظمات الإرهابية تقوم بمرحلتين فى التدريب، الأولى غسيل المخ والتربية الدينية على أسس مناهجية محددة سلفاً قوامها تكفير الدولة ومؤسساتها وتكفير المجتمع باعتبارهما خارجين عن الأطر الشرعية كما تحددها تلك المناهج، وتشكل المعاهد الأزهرية فى مصر والمقررات الدينية بجامعة الأزهر مادة مهمة فى عمليات غسيل المخ تلك، كما تشكل المطبوعات الهائمة فى شوارع الدول العربية والإسلامية مادة خصبة كذلك فى مواجهة أى فكر تنويرى أو حتى دينى حقيقى، ويضاف إلى ذلك أن العديد من خطباء المساجد فى خطبهم ودروسهم وفتاواهم يشكلون سنداً مهماً فى تكريس عمليات غسيل المخ لدى الشباب بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الزوايا والمساجد «الشرعية» التى لا يراقبها أحد، ويرتبط بعمليات غسيل المخ الفكرى التدريب الجسدى على القتال من ناحية، وعلى العمليات الانتحارية من ناحية أخرى؛ فقد أقامت تلك المنظمات معسكرات تدريب لها فى الصحراء البعيدة أو خلف الحدائق فى أماكن مهجورة أو فى مراكز تدريب متخصصة فى اللياقة البدنية، ويمكن أن يتم التدريب فى معسكرات دولية، فى تركيا مثلاً، وتستخدم الحجج الدينية فى الدفع بالشباب إلى العمليات الانتحارية كالانتصار للكتاب والسنة ضد الملاحدة والكفار، وعند تمام الإعداد الذهنى والجسدى، يتم الانتقال إلى الاستراتيجية الثالثة، وهى التفعيل، التى تنقسم إلى ثلاثة أبعاد؛ التظاهرات الحاشدة، وهى تقوم بين الأعضاء والمتعاطفين، وكذلك المؤجَّرين باليوم أو بالمظاهرة، ويتم التمييز بين المتظاهر الفرد والمتظاهر القائد والمتظاهر المسلح، ولكل فئة ثمن مالى محدد أغلاها المتظاهر المسلح، ولذلك تتنافس تلك العناصر لكى تصير مسلحة لكى تتلقى ثمناً أعلى، ويستهدف هذا البعد توظيف الإعلام بقصد التعبئة ضد الدولة وتشويه الصورة القومية، والثانى العمليات الإرهابية المحدودة والتى توجه ضد شخص بعينه كضابط أمن وطنى أو عناصر الشرطة أو مؤسسات الدولة التى تتبع الجيش أو الشرطة، وغالباً ما تستخدم فيها الدراجات البخارية أو الأسلحة من السيارات أو التفجيرات عن بعد، وتستهدف الردع والتخويف وإثارة البلبلة وإجهاد الدولة، والثالث العمليات الانتحارية بالسيارات المفخخة ضد تجمعات القوات المسلحة خصوصاً فى سيناء، وفى هذ الصدد تتعاون العناصر المحلية مع العناصر الإقليمية والدولية بهدف زيادة فعالية العمليات ومضاعفة خسائرها. ويثير ما سبق التساؤل حول شبكات الاتصال بين المنظمات الإرهابية؛ فمن ناحية هناك تنسيق دائم بين التنظيم الدولى للإخوان بعناصره من الدول العربية والإسلامية، وقيادات تلك المنظمات فى مصر وغيرها من الدول، كما توجد وسائل اتصال يومية بين القيادات المحلية وعناصرها فى المحافظات والمدن والأحياء والقرى، وبالرغم من توظيفها لوسائل الاتصال الحديثة سواء المحمول أو مواقع التواصل الاجتماعى، والرسائل الرمزية من خلال القنوات الإرهابية، فإنه بالنسبة للعمليات الانتحارية، وبعض العمليات داخل الجامعات، يتم استخدام التواصل الشخصى، وذلك من خلال ضباط الاتصال السياسى، وتكون مسئولية هؤلاء توزيع المستحقات المالية، وتبليغ الأوامر، وفى مسألة التمويل، لا تزال هناك مصادر محلية تتمثل فى سلاسل المحلات الكبرى التابعة لتلك المنظمات، كما أنه يتم تحويل التمويل الخارجى بطريق الحسابات الرسمية لبعض المتعاطفين مع حصولهم على نسبة لا تقل عن 25% من قيمة كل تحويل كعمولة مخاطرة. إن هذه الشبكات الإرهابية العنقودية تتطلب مواجهة مختلفة ومتجددة وأكثر ديناميكية، كما تستلزم مشاركة شعبية واسعة النطاق، من الملاحظ -حتى الآن- أن مؤسسات الدولة فشلت فى اختراق تلك المنظمات والشبكات، كما أنه من الواضح أن القضاء يتعامل مع قيادات تلك المنظمات بذات منطق التعامل مع الجرائم العادية؛ ومن ثم لا راد ولا رادع، وقد تحولت المحاكمات إلى برامج ومسلسلات تليفزيونية. إن تجييش الشعب، خصوصاً فى سيناء، صار أمراً ملحاً حتى يمكن اجتثاث شبكات الإرهاب القاطنة هناك، كما ينبغى حماية المواطنين وضمان سلامتهم التامة حال قيامهم بالتعاون بالتبليغ عن العناصر الإرهابية القابعة بينهم، إن تدمير شبكات الإرهاب العنقودية تستلزم الاختراق والتطويق والانقضاض الشامل والاستئصال.