يتذكر الكثيرون ممن عاصروا الرئيس السادات -رحمه الله- أنه كان دائب التكرار لعبارة: «عبدالناصر ترك لى تركة من الحقد» فى خطاباته. أراد «السادات» أن يعبر بعبارة -تبدو قاسية- عن العلاقة المعقدة بين الأغنياء والفقراء التى خلفها عصر الزعيم «عبدالناصر»، فقد اعتبره الأغنياء سبباً فى إفقارهم ونهب ثرواتهم من أجل توزيعها على الفقراء فى صورة أراضٍ، وحقوق عمالية، وتخفيض فى أجور السكن، وحصص تموينية، وغير ذلك من مكتسبات. وفى المقابل كان الفقراء يشعرون بالكراهية التى غرسها إعلام الستينات فى نفوسهم، حين كان يُكثِر الحديث عن الإقطاع الذى استعبد الفلاح، ورأس المال المستغل الذى يمتص عرق ودماء الفقراء. وقد أدى هذا المشهد إلى زرع إحساس بالحقد -بتعبير «السادات»- لدى كل من الأغنياء والفقراء. التاريخ يؤشر إلى أن «السادات» رأى أن حل معضلة الحقد يرتبط بتوفير مساحة للأغنياء كى يعودوا إلى المشاركة فى الاقتصاد من جديد إلى جوار الأنشطة التى كانت تديرها الدولة وورثتها عن عصر «عبدالناصر» (القطاع العام)، لكن «الانفتاح» الذى تحول إلى حالة «سداح مداح» -على حد تعبير الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين- جعل الأغنياء ينتفخون والفقراء يضمرون، ورغم أن «السادات» كان يؤكد فى كل مناسبة أنه «لا مساس بالقطاع العام»، فإن إهماله له أدى إلى تراجع أدواره بصورة محسوسة، ويوم أن أعلن قرارات رفع الدعم فى يناير 1977، ثار الشعب ضده، فاضطر إلى إلغاء قراراته جميعها. وانتهى عصر «السادات» بتعميق «تركة الحقد» التى كان يشتكى من أنه ورثها عن «عبدالناصر». ثم كان «مبارك»، وهو كما كان يصف نفسه: رجل يحب «عيشة الإكسلانسات»، ولأنه كذلك فقد عمّق وزاد التركة أكثر وأكثر، لينتهى عصره المديد بثورة رفعت شعار «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية». تأمَّل المصريون من أبناء الطبقتين الفقيرة والوسطى خيراً بعد لحظة الحب والالتحام الخاطفة التى عاشوها أيام ثورة يناير، لكن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن، وأصبح ما هو مخبوء ظاهراً على كل لسان، وأصبح لسان حال الجميع ناطقاً -وياللأسف- بالحقد، وعندما حاول الرئيس عبدالفتاح السيسى استدعاء الخير من نفوس المصريين وأنشأ صندوق «تحيا مصر»، لم تكن هناك استجابة مجدية له، خصوصاً من جانب أغنيائهم. والكارثة أن الحقد بعد موجة الثورة فى 30 يونيو لم يعد «مالاً» فقط، كما عبرت عنه مطالب يناير، بل أصبح «سياسة» أيضاً، فنحن لم نعد نعانى الاستقطاب الاقتصادى إلى أغنياء وفقراء فقط، بل تجاوزنا ذلك إلى الاستقطاب السياسى، فتمددت تركة الحقد أكثر وأكثر، وهو أمر يجب أن يتنبه إليه المصريون جيداً، سواء على المستوى الشعبى أو الرسمى. ولا يوجد سوى سبيل واحد لحل «معضلة الحقد» تتمثل فى «العدالة».. العدالة هى كلمة السر فى إنقاذ هذا المجتمع من الدخول فى امتحان، نرجو جميعاً ألا تضعنا الأقدار فيه.. العدالة بمعناها الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والقانونى.. فى تقديرى أن عبارة «العدالة تقتل الحقد» هى الحل المتاح.