تعاون يجمع وزارة الأوقاف والأكاديمية الوطنية للتدريب    محافظ القاهرة يتابع استعدادات العاصمة لانتخابات مجلس الشيوخ    وزير التعليم: إنهاء الفترة المسائية بالمدارس العام الدراسي المقبل    نقيب المحامين يعقد اجتماعًا مع إحدى شركات التحول الرقمي    أسعار الأسمنت بالأسواق اليوم الأحد 20 يوليو 2025    تتجاوز 900 ألف جنيه.. أسعار وأماكن ومميزات شقق الإسكان الأخضر    «الموت جوعًا في غزة».. «الهلال الأحمر الفلسطيني» يطلق نداء استغاثة للعالم    الكرملين: الموقف السائد في أوروبا بشأن توريد الأسلحة إلى أوكرانيا «خطير»    أحداث السويداء تسلط الضوء على تحالفات "قسد" والعشائر    تيدي اوكو يخضع للكشف الطبي تمهيداً للانضمام للزمالك    تقرير: الأهلي يبدأ مفاوضاته للتعاقد مع الأردني يزن النعيمات    ليفربول يحدد سعر بيع كوناتية لريال مدريد    ليفربول يهزم ستوك سيتي بخماسية وديا    غداً .. جنايات دمنهور تستأنف محاكمة المتهم بهتك عرض الطفل ياسين بإحدى المدارس الخاصة    خططت لاستهداف منشآت حيوية.. تفاصيل إحباط الداخلية لمخطط إرهابي لحركة "حسم" الإخوانية | فيديو    تشييع جثمان 3 فتيات شقيقات من كفر الشيخ تعرضن للغرق أثناء الاستحمام في حوض مزرعة بالبحيرة    بوسي في حوار خاص ل«بوابة أخبار اليوم»: نفسي أعمل فوازير وأكشن    ريهام إبراهيم تقدم حفل افتتاح الدورة 18 من المهرجان القومي للمسرح    أبراج لا تستطيع العيش بدون حيوانات أليفة ..هل أنت منهم؟    وزير الصحة يترأس اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي    ضمن حملة «100 يوم صحة».. تقديم 5.47 مليون خدمة طبية مجانية في 4 أيام    مصر ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس    شوبير يوضح الفارق بين إمام عاشور وأحمد فتوح في أزمة حفل راغب علامة    مايا دياب بإطلالة جريئة وتوجه رسالة لجمهورها    "رجع بظهره".. قطار يتخطى محطة بالخطأ في المنيا    لوسيد تطلق سيارتها Air Grand Touring الجديدة ب5.4 مليون جنيه.. صور    ما يجب تناوله قبل التمرين لتعزيز الطاقة والأداء    رغم عدم إعلانها رسميًا.. الفلسطيني آدم كايد يظهر داخل الزمالك (صورة)    المفتي: الذكاء الاصطناعي امتداد للعقل الإنساني.. ويجب ضبط استخدامه بميثاق أخلاقي عالمي    مكتب نتنياهو: رئيس الوزراء يعاني من التهاب في الأمعاء    بلدة تايوانية تشهد أسوأ أضرار جراء الأمطار منذ 50 عاما    صراع إنجليزي على كولو مواني بعد تألقه مع يوفنتوس    شعبة الأدوية: الشركات الأجنبية تقلص حجم إنتاجها في السوق المحلية.. وبعضها تستعد للتخارج    برلمانيون: الأجهزة الأمنية تواجه بكل حزم كافة المخططات الإرهابية    وداعا "للأمير النائم".. 20 عاما من الغيبوبة تنتهي بقصة خالدة في الصبر والإيمان    «المالية» تُخصص 5 مليارات جنيه لجهاز تنمية المشروعات    وزير الصناعة والنقل يتفقد 3 مصانع كبرى في مدينة العبور بمحافظة القليوبية    محمد حمدي يعلق على فترة تواجده بالزمالك واعتزال شيكابالا وانتقال زيزو للأهلي    مجلس الوزراء: "حياة كريمة" تُغير وجه القرى المصرية.. شرايين التنمية تنبض في محافظة الشرقية    توفى بعدها بدقائق.. تشييع جثامين أم ونجلها من كنيسة الأزهرى ببنى سويف.. صور    قناة "مصر قرآن كريم" تحيى ذكرى رحيل الشيخ محمود علي البنا    ندوة لمناقشة كتاب "ثورة عبد الناصر" ووثائق ثورة يوليو للمؤرخ جمال شقرة.. الأربعاء 23 يوليو    شيحة: لدينا هيئة وطنية مستقلة تشرف على الانتخابات وتحقق نوعا من التوازن    عاجل- السيسي يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية بحضور وزير الدفاع المصري    نيويورك تايمز: روسيا حققت مكاسب كبيرة على الأرض فى أوكرانيا خلال يونيو    مصرع سيدة سقطت من الطابق الثامن في الإسكندرية.. ونجليها: ألقت بنفسها    الشيخ أحمد خليل: البركة في السعي لا في التواكل    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    غلق 143 محلًا لمخالفة قرار ترشيد استهلاك الكهرباء    قرار وزاري برد الجنسية المصرية ل21 مواطنًا    ضم تخصصات جديدة، كل ما تريد معرفته عن تعديل قانون أعضاء المهن الطبية    زكى القاضى: إسرائيل لا تريد رؤية الفلسطينيين وتسعى لتفنيذ مخطط التهجير    نتيجة الثانوية العامة 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام عبر موقع الوزارة (فور اعتمادها)    البلطي بين 90 و100 جنيه.. أسعار الأسماك في مطروح اليوم الأحد 20 يوليو 2025    حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم استخدام شبكات الواى فاى بدون علم أصحابها.. دار الإفتاء تجيب    وزير الإسكان يتابع تطوير منظومة الصرف الصناعي بالعاشر من رمضان    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعظم إنجازات عبدالناصر.. وأكبر خطايا مبارك صعود وهبوط الطبقة الوسطى

بين كل إنجازات عبدالناصر الكثيرة يبقى انحيازه للطبقة الوسطى أعظم ما قدم لمصر ، ولعلى لا أبالغ عندما أقول إن العدالة الاجتماعية لا يصبح لها معنى إذا لم تتعاظم وتتسع مساحة هذه الطبقة فى المجتمع.
وكل أساتذة الاجتماع والسياسة والاقتصاد يؤكدون أن أبناء هذه الطبقة هم عماد المجتمع وعموده الذى يستند إليه، فإذا تصدع انهار المجتمع كله.
وهناك علاقة طردية بين التقدم فى كل المجالات وبين زيادة عدد المنتمين لها، وأيضا توجد علاقة عكسية بين انكماشها وتردى الأخلاق وانتشار الفساد.
فى مقابل الإنجاز الأكبر لناصر، فإن أعظم خطايا مبارك هو تهميشه لهذه الطبقة وانحيازه الكامل للأغنياء ورجال الأعمال، مما أدى إلى انكماش الطبقة الوسطى حتى كادت تتآكل تماما، وأصبحت مثل الفلول التى تقاوم من أجل البقاء.
لقد انتصر عبدالناصر للطبقة الوسطى وهو أحد أبنائها، فأبوه كان موظفا بسيطا فى البريد، هذه الوظيفة منحته درجة أعلى فى السلم الاجتماعى جعلته ضمن الطبقة الوسطى حتى لو كانت فى أدناها، فالوظيفة قبل ثورة يوليو كانت وسيلة لرفع مستوى المعيشة، والارتقاء بالوضع الاجتماعى للأسرة.
انحياز عبدالناصر إلى هذه الطبقة جاء من خلال مجموعة من القرارات والقوانين أبرزها الإصلاح الزراعى، وهو القانون الذى جعل عددا كبيرا من الفلاحين الأجراء ملاكا للأراضى، مما أتاح لهم تعليم أولادهم، والأخيرون بدورهم تقلدوا وظائف مختلفة فأصبح منهم الأطباء والمهندسون والمدرسون والقضاة وضباط الشرطة، حين كانت الوظائف فى هذا العصر متاحة ولم تكن المناصب المهمة بالوساطة والمحسوبية والرشوة، فقط بمجرد أن تنطبق الشروط على طالب الوظيفة، يحصل عليها، كانت أيضا مجانية التعليم فى جميع المراحل سببا فى ارتقاء عدد من الأسر الفقيرة درجة فى السلم الاجتماعى ووصولهم إلى الطبقة الوسطى، ولعل حرص عبدالناصر على مجانية التعليم وتوفير فرص عمل للخريجين بجانب منح الفلاحين الفقراء أراضى الإصلاح الزراعى ومع إنشاء المصانع وسع من هذه الطبقة حتى أصبحت لها الغلبة فى المجتمع المصرى، وبعد أن كان الأغنياء يمثلون عددا قليلا ثم طبقة فقراء كبيرة، ولأن الطبقة الوسطى هى صاحبة الحفاظ على القيم فى المجتمع،
فإن الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات كانت منظومة الأخلاق والقيم فى المجتمع فى ثبات، فلم نجد روح التعصب ونفى الآخر ولم نشاهد حوادث التطرف الدينى إلا قليلا، وكان وضع المرأة فى ارتقاء دائم ولم نسمع عن حوادث الاغتصاب أو التحرش الجنسى، وفى هذا العصر كانت الفتيات يرتدين الملابس القصيرة دون أن يتعرض لهن أحد، وكانت موضة «المينى جيب» هى السائدة وقتئذ، ولم يكن ذلك محل لوم أو سببا فى المعاكسات، كان المجتمع متماسكا، حتى إننا الآن نترحم على العلاقات الودية التى كانت بين الجيران والتى نفتقدها الآن. الطبقة الوسطى حمت مصر من الفساد، فلم يكن الموظفون يجاهرون بالرشوة، وكان من يحاول ذلك منبوذا من زملائه ويحاول إخفاء جريمته، بعد عبدالناصر ومع قرار السادات بالانفتاح الاقتصادى ولأنه كما قال عنه الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين «انفتاح سداح مداح»، بدأت الطبقة الوسطى فى الانحدار، وأصبح هناك «الهليبة» والفهلوية الذين صعدوا إلى مراتب الأغنياء فى حين انخفض دخل الموظفين ومعظم أصحاب المهن الحرة، مما أدى إلى هبوط فى درجتهم الاجتماعية خاصة مع ارتفاع الأسعار، ثم جاء مبارك ليزداد انكماش الطبقة الوسطى حتى كادت تنتهى تماما، خاصة مع السياسة الاقتصادية التى انتهجها نظام الرئيس السابق التى انحاز فيها للأغنياء وتجاهل مطالب واحتياجات الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى الذين زادت معاناتهم مع ارتفاع الأسعار وثبات الدخول وزاد من الأمر توقف التوظيف، مما زاد من البطالة فأصبح الأبناء الذين تعلموا وتخرجوا فى جامعاتهم وأنهوا تعليمهم عبئا على أسرهم بدلا من أن يكونوا عونا لهم.
ورغم أنه فى السنوات الأخيرة زاد معدل النمو فى مصر، إلا أن ذلك كان لصالح الأغنياء فقط ولم ينعكس على البسطاء، فزاد عدد الفقراء وانحدرت أسر الطبقة الوسطى إلى الأسفل، بينما صعد عدد قليل منهم إلى الطبقة العليا، ومع تآكل الطبقة الوسطى انتشر الفساد وتجذر حتى أصبح معتادا ومنظما فى كل المجتمع، ولم يعد غريبا أن يجاهر موظف بطلب الرشوة دون خوف من عقاب قانونى أو تأنيب اجتماعى، وأصبح المال والهدايا هى الوسيلة الأولى لقضاء المصالح حتى لو كانت شرعية!
وبجانب الفساد الاقتصادي والسياسى تم تجريف المجتمع بجميع طوائفه وفى معظم المجالات من الكفاءات وتركزت أعمال وقرارات وقوانين الحكومة من أجل طبقة واحدة فى حين تركت الطبقتين الأخريين لتحلا مشكلتهما بنفسيهما ومن هنا ظهرت العشوائية التى أصبحت مثل الحزام الناسف الذى يحيط بالقاهرة وكل محافظات مصر ويهدد بالانفجار فى أى وقت، وفى كل هذه الظروف كان من الطبيعى أن يظهر التطرف والتعصب، وأن تكثر أحداث الفتنة الطائفية، وأن تصبح حوادث الاغتصاب عادية حين نقرأها يوميا فى الصحف رغم انتشار الحجاب والنقاب، وأن يصبح التحرش الجنسى عادة لا تثير الدهشة، وإدمان المخدرات جريمة لا تزعج أحدا حتى أسر المدمنين أنفسهم!
إننى هنا لا أقارن بين عهد عبدالناصر وفترة حكم مبارك، فالفارق بين الاثنين كبير وواضح ومستحيل، ولكننى أريد أن أنبه إلى ضرورة الاهتمام بالطبقة الوسطى بعد ثورة يناير إذا كنا نريد أن نرتقى ببلدنا.
عبدالناصر عرف أهمية الطبقة الوسطى واستطاع أن يوسعها ويزيد من عددها، فحافظ على قيم المجتمع.
وهذا أعظم إنجازاته، ومبارك جعلها تتآكل فانهارت الأخلاق وهذه أكبر جرائمه!
إننى لا أوجه الاتهام إلى مبارك فقط، ولكن يجب أن ندرس لماذا لم تستطع الطبقة الوسطى الحفاظ على نفسها بعد عبدالناصر، وأعتقد أن السبب هو ناصر نفسه، فهو لم يحول الأمر إلى منظومة مؤسسية تواصل مسيرتها بعد غيابه، لكن الأمر كان مرتبطا به، ولأن قراراته وقوانينه على ميزة معظمها صدرت بطريقة غير ديمقراطية، كان من السهل على من جاء بعده أن يهدمها ويغيرها دون أن تجد من يدافع عنها، ولهذا فإننا بالفعل نحب ناصر الذى أعطانا العدالة الاجتماعية، ولانريده لأنه لم يعطنا الحرية والديمقراطية، إننا نبحث عن زعيم يؤمن بأن الشعب يستطيع الاختيار وليس زعيمها أبويا يختار هو للشعب، لقد كان ناصر كما قال عنه الشاعر العراقى الكبير الراحل الجوهرى عظيم المجد والأخطاء، ونحن نريد زعيما بدرجة رئيس..
له هيبته ووزنه وكرامته مثل ناصر لكنه زاهد فى الحكم مثل مانديلا زعيم جنوب أفريقيا الذى يحترمه كل العالم ويحبه شعبه..ترك الحكم من أجل ترسيخ الديمقراطية الوليدة فى بلده.. ناصر نحبه ونقدره ونحترمه .. إلا أننا لا نريد إعادة إنتاجه بطريقة 1952 فما نحتاجه هو ناصر .2011 مهيبا وشامخا لكنه أيضا ديمقراطى.. علمانى.. مدنى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.