هل أصبح الإعلام فى مصر فى حالة هيستيرية تثير الصخب وسحابات الدخان فتنعدم الرؤية وتسود العشوائية؟.. يضيف الإعلام جهلاً على جهل. التجارة فى الدين ليست هى التجارة الرائجة المدمرة فى مصر الآن، ففى الإعلام تجار نضال ومدعو بطولة، وكما تجلب التجارة بالدين التطرف والإرهاب تجلب التجارة بالحرية المصائب والكبائر، لتعانى مصر الإرهاب باسم الدين، والإرهاب باسم الحرية. وعلى النقيض يوجد إعلام آخر يعبر عن صوت سيده أياً كان هذا السيد شخصاً أو جهة أو «بيزنس»، وهذه النوعية جاهزة للاستخدام والاستغلال، وهم لا يدرون أن عمر هذا الاستخدام قصير، وأنهم سوف يختفون، أو يختفون بالفعل، أو بفعل الظروف واتجاه الريح. هذا على باطل، وذاك على باطل، وما بينهما مواطن يختلط عليه الوهم والكذب والادعاء، فلم يجد تعليماً أو ثقافة تجعل التنوير والفهم أسلوب حياة، والنتيجة أنهم يمنحون بطولات زائفة لأدعياء وتجار مواقف يحسبونهم أنقياء أو أتقياء فى حب الوطن والحق. وإذا كانت التجارة بالمواقف وادعاء البطولات يقوم بها عدد كبير ممن يظهرون على الشاشات الآن، فبعض أصحاب القنوات إما أنهم يفتحون الباب على مصراعيه للنفاق المجانى بداعٍ وبدون.. أو يتخذون قرارات تحت تأثير مخدر النفاق الهيستيرى والانزعاجى ليسجلوا مواقف لأنفسهم وبطولات شخصية وهم على جهل وعلى باطل أيضاً. المنع ليس هو الحل.. والمزايدة على الحرية باطلة، وإعلام صوت سيده باطل، فهذا إعلام يسىء للحرية، وهذا الإعلام ضرره للحاكم والدولة أكثر من نفعه والاثنان يستويان، من ينافقون ومن يزايدون، فالنفاق فج والمزايدة بطولة مزيفة والوطن ضحية، فهل سيبقى الإعلام على ما هو عليه أم ينفجر من داخله؟ كيف السبيل إلى إصلاحه؟ مؤكد أن الأجوبة غير واضحة وربما لا يمتلكها أحد. فى هذه المساحة كتبت منذ عدة أشهر أن الإعلام أغلبه غارق فى عشوائيته وارتباكه ومصالحه الضيقة والأهداف الشخصية، فى حين أن الإعلام لا بد أن يكون له فقط أولويات بإدراك ووعى وعلم واستنارة، وواجب الإعلام طرح القضايا الكبرى بالطريقة التى يجب أن تقدم بها وليس كيفما اتفق أو على حسب التساهيل أو الريح، فى المجمل فالإعلام لم يلعب دور القيادة للمستقبل ومع نظام التجهيل السائد فى التعليم وغياب الثقافة، بقينا نحترف الجهل ونحترق به، فالإعلام والتعليم والثقافة لم تقدم فكراً يقضى على ضيق الأفق وينهض بالوعى. مرة أخرى الإعلام لا بد أن يمتلك خطة تحقق لهذا الوطن فتوحات اقتصادية وتغييرات إيجابية وعطاء، قدوة تمنح زوايا جديدة للتفكير والأداء والتحضر. أدعياء البطولات فى هذا الوطن يدورون حول أنفسهم، ويبحثون عن مجد شخصى، وهم لا يدركون أن الوطن إذا استمر فى القاع فلن تبقى قمة أو قامة لأحد. هل ستمر الشهور ونحن على ما نحن عليه لا نجد توصيفاً دقيقاً لحال الإعلام سوى التذكير بأنه إعلام كبائر وليس إعلام كبار؟ وإعادة التذكير بأن الأذى يحيط بمصر من كل اتجاه ويجب ألا يكون الأذى من الإعلامى «فرض عين» نتبارى جميعاً بتقديمه كل بطريقته. الإعلام إما أن يكون صالحاً بالمعنى العميق وقائداً للمستقبل وسراجاً منيراً، وإما أن يبقى إعلاماً طالحاً أفضل له أن يغلق شاشته ويرحل غير مأسوف عليه.