من يمد يده إلى هذا البلد؟ ومن يجب أن يمدها ولا يفعل؟ ومن يمد يده بالأذى عمداً أو جهلاً؟ الإعلام قاسم مشترك فى كل هذه الأسئلة، فهو يجب أن يمد يده ولكنه لا يفعل، وإذا فعل مدها بأذى عن جهل أو عن غرض. الإعلام أغلبه ما زال غارقاً فى عشوائيته وارتباكه ومصالحه الضيقة والأهداف الشخصية لكل من يظهر على الشاشة. الإعلام يجب أن يكون مركزاً لقيادة الوعى، الآن لا بد أن يكون للإعلام «فقه أولويات» بإدراك ووعى وعلم واستنارة. الآن يجب أن يطرح القضايا الكبرى بالطريقة التى يجب أن تقدم بها وليس كيفما اتفق أو حسب التساهيل أو الريح أو الجهل. لا بد أن يكون الإعلام فى هذه المرحلة إعلام الحاضر والمستقبل وليس الماضى، كفانا نبشاً فى الماضى البعيد والقريب. الاهتمام الزائد بمحاكمات مبارك والجدل والتعامل مع الموضوع باعتباره متعة وفرجة وإلهاء يؤكد أننا إعلام مشدود طول الوقت للماضى أو للتوافه وترسيخ السطحية وكأننا لا نملك إلا أن نحاكم الماضى ونرفضه. عجز الإعلام عن قيادة المستقبل يجعله يستسهل الخوض فى الماضى وكأن هذا هو كل ما يستطيعه، ويقيناً الإعلام عاجز عن الخوض فى المستقبل الآن وسابقاً فالإعلام فى أفضل حالاته كان يعكس صورة أقرب إلى الصدق للحاضر ويعبر عن الرأى العام ولكنه لم يلعب دور القيادة للمستقبل. الإعلام لا بد أن يمتلك خطة حتى لا يتوه ما يقدمه من تنوير أو ما يجب أن يكون ويضيع هباء منثوراً كل رغبة وإرادة تقدم، لأن التضليل والجهل والعتمة والسطحية غالبة. الإعلام منوط به الآن أكثر من أى وقت مضى، فى ظل نظام التجهيل السائد فى التعليم وغياب الثقافة، أن يقدم فكراً أو يقضى على ضيق الأفق وينهض بالوعى، حتى لا نبقى نحترف الجهل ونحترق به ويتزايد ويتوغل من يلعب بورقة الدين والتوافه والشكليات. الإعلام يجب أن يمد يده ويبحث ويقدم بموضوعية وفهم وتجرد كفاءات لديها من الإبداع والأفكار والمهارات والرغبة والقدرة على العطاء ما يحقق لهذا الوطن فتوحات اقتصادية وتغييرات إيجابية، وإعطاء قدوة تمنح زوايا جديدة للتفكير والأداء والتحضر بدلاً من الاستغراق فى التركيز على أصحاب مطامع فى الشهرة و«الفتى» الدينى والسياسى وتقديم أشباه الموهوبين. إن أغلب ما يتم الاحتفاء به واللجوء إليه شخصيات لا تثمن فكراً ولا تغنى وطناً وإنما هى مجرد ظواهر تلمع ولكن بريقها مغشوش أو شخصيات تبحث عن مجد شخصى وشهرة لحسابات وأجندات وهى لا تدرى أن الوطن إذا استمر فى القاع فلن تبقى قمة أو قامة لأحد. ولا بد أن يكون الإعلام إعلام كبار فى الفكر والرأى والإبداع والعطاء والوطنية لا إعلام كبائر. الأذى يحيط بمصر من كل اتجاه ويجب ألا يكون الأذى من الإعلام «فرض عين» نتبارى جميعاً بتقديمه كل بطريقته. الإعلام إما أن يكون صالحاً بالمعنى العميق للكلمة وقائداً للمستقبل وسراجاً منيراً وإما أن يبقى إعلاماً طالحاً أفضل له أن يغلق شاشاته ويرحل غير مأسوف عليه.