حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا أفكر إذن أنا كافر
إهدار دم 150 مفكراً عربياً بينهم 60 مصرياً المبدعون حائرون بين: التحقيق الأدبي والتحقيق الجنائي
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 09 - 2012

القضية أكبر من أنأاخطر من ان تتجاذبها الآراء والرؤي، سعيا الي التقنين والتأطير، فإن أسباب الادانة تتوازي مع أسباب البراءة في هذه القضية، ومن ثم تمضغنا الحيرة النابعة من هذه المفارقة.
معنا في هذا الملف ثلة من المفكرين والأدباء والنقاد وأهل الرأي من ذوي الاختصاص يشاركوننا الحوار.. وصولا الي نقط مضيئة، فالدنيا تتغير .. والعالم كله حوار.. والحوار هو لغة العصر.. وجوهر حواراتنا هنا أكثر من علامة استفهام:
من يملك حق اصدار الحكم علي المبدع والإبداع، أدبا وفكرا وفنا: أهو القاضي» الذي تئول إليه الكثير من الأفكار التي يزعمون أن تحتها خطوطا حمراء بين التحقيق الجنائي والتحقيق الأدبي؟.
أم هو «المتلقي» الذي يعتبر المستهلك الأول لكل حركة فكر، وكل فكرة عقل، وهو الذي من أجله يشتد الصراع، فيدعي البعض حمايته وصيانة فكره وذوقه، والبعض الآخر يعطيه الثقة التي يسحبها منه من يزعم انه في حاجة الي من ينير له الطريق وكأنه قاصر؟.
أم هو «الناقد» الذي يفترض انه ضمير المجتمع وقرن استشعاره، وأنه ميزان العدالة في عالم الابداع والكتابة، وأنه هو الذي يسقط كاتبا او يرفعه من خلال التحقيق النقدي الذي يختصر مسافات ضوئية بدون ان تؤدي الي طريق القضاء والمحاكم؟.
هل مصادرة العمل الأدبي أو الفني هي الحل لنبذ مبدعه؟ وهل تدخل القضاء يمكنه محاصرة العمل واعدام افكاره؟ اذن لماذا يزداد اشتهار وتوزيع كل عمل عقب مصادرته؟ ولماذا يشتهر صاحبه، حتي لو كان مغمورا، اذا ما تدخل التحقيق الجنائي؟
البعض يطالب برفع الوصاية علي المبدعين، والبعض يري ان استغلال الحرية شيء مرفوض، فهناك فرق بين الحرية والفوضي، والبعض الاخر يري انه ليس من حق اية سلطة ان تحاكم المبدع علي تعامله مع الحرية، وان المتلقي هو الذي يحكم ، فالإبداع له قاض واحد ووحيد هو الناقد، وهناك من يري انه لايجوز لمبدع ان يتصدي للأمور الدينية بهواه ونزعاته، لكن ضمير الكاتب هو أهم حكم وأصدق حكم
ميم . عين
في منظور الكاتب وحيد حامد صاحب الأعمال الفنية المثيرة للجدل الإيجابي، أن هذه القضية ليست قضية جديدة، بل هي قديمة في المجتمع المصري، وتعرض لها عشرات المفكرين والكتاب والمبدعين عامة علي رأسهم عميد الأدب العربي د.طه حسين والعقاد وعلي عبدالرازق وغيرهم وبنفس النمط أيضا، هي قضايا كانت بحجم الاستنارة، لابد ان نتفق علي أن مصر طول عمرها مستدفة من القوي الظلامية بحكم موقعها الجغرافي، وبحكم قربها من الحضارة الأوروبية، وكانت دائما هي الموصل القوي للفكر الجديد والمستنير الذي يمثل خطرا علي شعوب تتكلم نفس اللغة التي تتكلمها وتدين بنفس الدين، مصر لم تتخل عن دينها في يوم من الأيام، لكنها لم تعرف التشدد ولا التعصب ولا الجهل بالدين، بل كانت تمارس دورها الإنساني والديني والحضاري بشكل رائع، ولم تهمل دينها ولا حضارتها ولا دورها والمقارنة تأتي من أن شعوبا كثيرة حولنا لا يرضيها ذلك ولا تريده
ويضرب مثلا بأن هناك دولا عربية حتي عهد قريب لم تعرف الحياة النيابية ولا البرلمانية، وان إنشاءها فهو صوري بينما مصر تعد من أولي الدول التي طبقت الديمقراطية تطبيقا جديا وحقيقيا وانظر إلي التاريخ وتذكر الأساتذة الكبار الذين وضعوا دستور 1923 واسماء العمالقة الذين كانوا يوجهون الرأي العام سواء في السياسة أو في الأدب أو في الفكر وفي كل مجالات الحياة هناك الكثيرون الذين لا يريدون لمصر ان تكون قوية، وهذه حقيقة، الكارهون للنور يريدون ان يعيش الكل في ظلام مثلهم، وصنيعهم في ذلك مثل صنيع الناس في المسرحية الفرنسية «لوكريس» حين مر جيش الغزاة علي احدي القري ليغتصبوا كل نساء القرية وبعد حين جاءت فتاة من الحقل فسألها أهل هذه القرية ان كانت اغتصبت أم لا، ولما عرفوا انها لم تغتصب قام النسوة باغتصابها حتي يتساوي الجميع في الاغتصاب
ويضيف وحيد حامد: إذا كنت مستنيرا وعلي قدر من العلم والدعوة الشريفة للاستنارة والتقدم، وأنا لا أريد ذلك، لابد ان اعيدك إلي الوراء وهذا ما حدث لمصر انها تحارب بأشكال مختلفة، إياك ان تعتقد ان المنع والمصادرة وارهاب المفكرين والعلماء والفنانين، ليس من صنع هذه القوي الظلامية هناك أياد خفية تعمل علي ارباك وارتباك المجتمع المصري بالمشاكل لتعطيل نموه في جميع الميادين حتي تظل القوي الواعية مرتبكة مشغولة بآكل العيش وأمور الحياة اليومية
لماذا نحن ضد العقل .. هكذا يتساءل وحيد حامد، ليجيب لأنه أخطر قوة خلقها الله تعالي العقل الإنساني، الاعجاز الرباني العقل الذي يفكر ويخترع، الله هو صاحب هذا العقل الذي وصل بالعالم وسيصل إلي مراحل عظيمة من التقدم والرقي، هذا العقل هناك من يعمل علي تخريبه، من أجل ذلك يخافون من الثقافة والكتابة والفكر ومن بيت الشعر والكتاب العلمي، لذلك لو نظرت في مقررات وزارة التربية والتعليم ستجد انه جري تسطيحها حتي يبقي العقل المصري صامدا في مكانه لا يتحرك إلا في أضيق الحدود وسار النظام التعليمي بالشباب في الطريق الخاطئ فأقام سورا جديدا بينهم وبين الابداع والخيال وأخضعه للحفظ وكأنه جهاز تسجيل، إنما الابداع لا وجود له وهو ليس مقصورا علي الآداب والفنون بل في كل مجالات الحياة ان القرآن الكريم يقول «علم الإنسان مالم يعلم» ورسولنا الكريم قال «اطلبوا العلم ولو في الصين» لكن قوي الظلام لا تريد ذلك وهذه مخالفة صريحة للنص الديني والشريعة الاسلامية.. لماذا؟ لأن من يريد الجهل في مصر لن نستطيع أن يحكم إلا إذا كانت شعوبا جاهلة ومطحونة وحدة إيدها دايما، إنما الإنسان إذا تحرك عقله نجح، والثورة قامت عندنا لأن العقول تحركت، صحيح العقول تحركت ثم للأسف نامت مرة أخري ولكن حدث شئ، جري عملية خرق متعمدة للثورة المصرية عن طريق أكثر من عنصر.
ويري وحيد حامد أن الاغتيال ليس قتلا فقط، إرهاب الكاتب و التكفير يهدف إلي تعجيزه عن أداء عمله، ما قيمة الإنسان إذا كان عاجزا عن التعبير عن رأيه، وأنا والحمد لله عندما أري مظاهرة أمام مجلس الشعب أقول أنا أول من عمل مظاهرة امام هذا المجلس في فيلم «النوم في العسل» وصرخة آه التي كانت تتردد، عندما أقول من واجه الارهاب في عز عنفوانه أقول أنا صاحب «العائلة» من واجه الفساد أنا صاحب «الغول» من واجه ظلم الشرطة في« البرئ» و«ملف في الآداب»، و«الارهاب والكباب» و«طيور الظلام» و«معالي الوزير» و« الراقصة والسياسي» و«عمارة يعقوبيان» أقول الحمد لله بقدر استطاعتي استطعت ان أعبر عن هموم الناس ورفعت عليّ قضايا كثيرة جدا في كثير من هذه الاعمال مثل طيور الظلام، وقضية في النوم في العسل، ومسلسل الجماعة، وبصراحة شديدة جدا لم أهتم بهذه القضايا بسبب ان ثقتي في القضاء المصري حتي لو جار علي في بعض الأحيان لا تهتز هذه الثقة لاني أعلم ان هناك قاضيا آخر قد يستطيع ان يصحح الحكم وهناك من يقول ان بعض القضاة ظلاميون ولكن ان اقول قد يكون هذا صحيحا ولكن عدد المستنيرين في القضاء أكثر وإلا كنا قد تعرضنا لحرج شامل. دم د.نوال السعداوي .. حلال!
عندما سألت الكاتبة د. نوال السعداوي عن رد فعلها إزاء مسألة اهدار دمها، قالت «أنا لا أعبأ بذلك» وهي التي عانت من جبهات الردة، ودعاوي الحسبة التي حاولت التفريق بينها وبين زوجها د. شريف حتاتة، لكنها كانت تنتصر في كل مرة، خصوصاً وان المحكمة لم تفرقها عن زوجها ، بل هي التي كسبت الدعوي التي نادت بسحب الجنسية المصرية منها «وأضّحت إنتصاراتها توازي الاختلاف معها» كما يجمع النقاد.
وعدم اهتمامها بهذه النوعية من الهجوم عليها مارسته عيانا حين رفضت أكثر من مرة عبر الشاشة أن تري أو تسمع هذه الأقوال حتي علي شريط مسجل مثلما حدث مع الشيخ يوسف البدري الذي اتهمها بالردة، وحين أصرت المذيعة وفاء الكيلاني علي عرض الشريط أدارت وجهها عن الشاشات المنصوبة داخل الاستديو، معللة ذلك بأن هؤلاء الذين «يريدون الشهرة علي إسمي لا يستحقون الرد» وإن كانت تري أن «شيوخ الدين المتنورين لهم دور مهم في عملية التنوير الديني وإزالة الغشاوة عن عيون الناس التي تسبب بها التخلف والخطاب الفكري والسياسي والديني المشوه لجمهرة كبيرة منهم إن لهم دورا كبيرا في هذا، ولغيرهم أيضا، كلهم مسئولون عن إزالة الغشاوة عن العيون».
وتقول: « أحاول لكي تفكر الناس بعقلها ولا تخاف ولا تتاجر بالدين وتبقي عندها حرية فكر وحرية عقيدة، وتعيش بحرية حتي لا تبقي مثل القطيع ليتفرد كل إنسان بعقله وتفكيره، لننهض ببلادنا لان بلادنا مستعمرة بفضل عملية التجهيل المطبقة علينا ، ومن ثم فهي تتساءل دائما« لماذا نحن في آخر الامم»
ومع أنها من دعاة التحرر لكنها تحتاط بقولها« هذا يتوقف أي تحرر؟ هناك نساء متحررات فاسدات، أنا ضد الفساد الأخلاقي، ومع المسؤولية ومع الحرية المسئولة لأن الحرية والمسئولية وجهان لشيء واحد، وهدفي مجتمع عادل وحر، و الذي يؤرقني أن الظلم يزداد في العالم...أنا لا أخاف من قول رأيي , والناس تخاف أن تقول رأيها , الكثير منهم يقول نحن معك ولكن لا نستطيع أن نعلن هذا بسبب الخوف، الإبداع هو الأسئلة المفتوحة ويقوم الإبداع علي أمرين : العقل النقدي وحرية التفكير اللا نهائية التي ليس لها سقف تقف عنده».
وبغض النظر عن الأسماء، تري أن المثقف أو الرائد ينبئ ويكون ضد القوانين الظالمة، والناس يجب أن تحاربه لأنهم تعودوا علي الأشياء القديمة، ومصر لا تتوقف عن إنجاب الرواد، و أنا منهم، ولكن الفرق أنني لست في السلطة و لا أتزلف لها ، لذلك فإن هذه الفئة المبدعة تعاني من التعتيم و الحظر، و هذه للأسف الشديد سنة ابتدعتها ثورة يوليو1952 لذا نلحظ ، أن (نجوم) العهود المختلفة بعد الثورة يختلفون من عهد لآخر لا وفق العطاء الفكري و الثقافي للأمة بل برضا السلطة عنهم، وهذا التعتيم و الحظر لمصلحة النظام الذي يحكم ، أيا كان هذا النظام ، و لهذا يضطهد المفكرون و يعذبون و يهددون بالاغتيال وينفون ، و أغلب المفكرين و المفكرات تعرض لهذا و بالتالي هم موجودون و يقاومون.
و تظل العلاقة بين المثقف والسلطة علاقة تنافر في رؤية د.نوال السعداوي لأنه «في ظل حكم ديكتاتوري يحارب الشعب لا بد أن تعارض و تنتمي إلي الشعب و الناس و تقف في صفهم ضد الاستبداد ، و هذا ينطبق علي كل العالم ، أنا ألقي محاضرات و أدرس في جامعات أمريكية و بريطانية ، و أقولها عن تجربة ليست هناك ديمقراطية لا في أمريكا و لا في بريطانيا ، هم يتفوقون علينا برلمانيا ، و من الخطأ الاعتقاد أن الديمقراطية انتخابات و برلمان ، الديمقراطية الحقيقية هي أن يتاح لكل فئات الشعب بمختلف شرائحه و توجهاته، القدرة علي التنظيم السياسي و المشاركة في الحكم«
إطفاء المشاعل .. هيهات
علي امتداد العقود الماضية, كان ولا يزال مدافعا عن حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي. ولذلك دافع عن حرية الفكر والمفكرين، ولا يزال, وسيظل مدافعا عن حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي, ولن يكف إلي أن يأتي يوم تتحقق فيه الحرية بكل معانيها وجوانبها السياسية والاجتماعية والفكرية والإبداعية في كل مكان, ويحلم بأن يتحقق هذا الحلم في حياته, وألا ينجح أعداء الحرية في التضييق عليها, مهما كان شعارهم وأيا كانت مواقعهم.. ذلكم هو المفكر والناقد الدكتور جابر عصفور، الذي حين جلست إليه محاورا كان يتحدث وفي الغرفة أصداء أصوات طه حسين وابن الراوندي والإمام محمد عبده وعلي عبد الرازق ومحمد خلف الله وسيد القمني ونصر أبو زيد وفرج فودة ونجيب محفوظ وغيرهم من أهل الاستنارة الذي حاول البعض اطفاء مشاعلهم التنويرية، ولكن هيهات، إذ يقول: المصادرة شيء غريب نراه في مجتمعنا الآن، ولو اننا نظرنا الي تاريخ الفكر الاسلامي لوجدنا ان عالم الاسلام كان اقل العوالم تعقبا للفكر والكتابة علي حين انه كان في العصور الوسطي رقابة من قبل الكنيسة تحظر الكثير من الكتب وتصدر قائمة سنوية من الكتب المحظورة وتحرق الكتب بل تحرق مؤلفي الكتب في بعض الأحيان. في حين اننا نجد ان عالم الاسلام كان يخلو من هذه الظواهر فكانت دائما محاربة الفكر بالفكر نفسه وبالحوار بل اننا نجد انه في العصر العباسي مؤلفا مثل (ابن الراوندي) الملحد يكتب كتابا يهاجم فيه الاسلام ويهاجم فيه كل المقدسات الاسلامية ومع ذلك فان كتابه لم يصادر ولم يحرق ومؤلفه لم يحل الي المحاكمة وانما الذي حدث هو ان مفكرا اخر وهو (أبو الحسين الخياط) قام بالرد علي ابن الرواندي وانما وصل الينا كتاب ابي الحسين الخياط ومنه عرف ابن الرواندي وعرفت آراءه لأن أبا الحسين الخياط كان يثبتها بنفسه في كتابه ثم يقوم بمناقشتها والرد عليها.
كان هذا هو دائما عالم الاسلام ولأنه كان عالما يدعو الي الحوار، فمنذ ان ظهر الاسلام كانت حياة النبي محمد (في مكة الطور الأول من الدعوة علي مدي 13 عاما) عبارة عن حوار مع الكفار وكان هذا الحوار يستند الي الحجة ويستند الي التأثير بكل مقوماته ولم يلجأ النبي الي العنف ربما يقول قائل ان المسلمين كانوا مستضعفين في ذلك الوقت فليكن، وحينما هاجر الرسول الي المدينة وبدأت كلمة الاسلام تنشر وبدأ المسلمون يكونون قوة وجماعة وكانت لديهم قوة في ذلك الوقت استمر الحوار الهاديء للرسول مع الكفار والذي كان يتعرض فيه لكثير من تهجم اليهود وغيرهم من اهل الكتاب والوثنيين ولكنه لم يلجأ الي العنف ابدا، ونحن نعرف ان كثيرا من الشعراء هجوا الرسول ولكن ماذا كان موقف الرسول منهم؟ كان موقفه أنه اتخذ لنفسه شعراء مثل حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة كانوا يردون علي مثل هؤلاء الشعراء اسلموا بعد ذلك ومنهم كعب بن زهير فماذا كان موقف الرسول؟ هل انتقم منهم؟ علي العكس من ذلك حدث فنحن نعرف ان كعب بن زهير حينما اعتذر للرسول اهدي اليه (البردة المشهورة).
وكانت حياة الاسلام منذ البداية هي حياة التحرر حيث كان الاسلام تحريرا للفكر بمعني الكلمة ولذلك فحينما نري الظواهر الحالية مثل مصادرة الكتب ومحاولة تحريم البعض الاّخر وقد رأينا مثل ذلك منذ سنوت حينما أرادوا ان يحرموا علي سبيل المثال كتاب (الفتوحات الملكية) لابن عربي او حينما ارادوا ان يحرموا عملا مثل (الف ليلة وليلة) أو عملا أدبيا معاصرا مثل اولاد حارتنا كل هذا شيء غريب جدا علي الاسلام. فالاسلام يتميز علي غيره من الثقافات ونحن نتحدث عن الاسلام كثقافة بأنه لم يحارب الفكر الا بالفكر والقاعدة في الاسلام تقول: «ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن» وحينما ارسل الله موسي وهارون الي فرعون قال لهما «فقولا له قولا لينا» وهذا فيما يتعلق بمجادلة الكفر واني أظن انه ليس هناك من بلغ حدا في الكفر مبلغ فرعون.
التخلف الفكري
وانا اقول بصراحة إن ظاهرة المصادرة تعد من ظواهر التخلف الفكري، فحينما نجد قصاصا او كاتبا قد حرف في كتابه شيئا ما فان ابتعاد القراء عن هذا الكاتب هو اعدام بالنسبة له علي العكس من ان نصادر الكتاب او نحكم علي مؤلفه بالسجن، ولنفرض ان كاتبا ما، أخطأ فان هذا الخطأ لايرد عليه بالسجن او المصادرة فكل هذا ليس الا مظهرا من مظاهر التخلف نرجو ان نبرأ منه ولو اننا نظرنا الي ثلاثين سنة الماضية لوجدنا ان الفكر علي ايام الامام محمد عبده ومناقشته ل(ارنست رينا) الذي هاجم الاسلام كانت مناقشة موضوعية وهذا المناقشة هي التي يمكن ان تفيد ويمكن ان تستمر ولو ان محمد عبده في ذلك الوقت قد تشنج وأمر بمحاكمة هذا الكاتب لازداد هذا من التشويه للاسلام وللمسلمين في كل أنحاء العالم.
والأدب لايمكن ان يزدهر الا في ظل الحرية فمن الممكن ان نقول ان الأديب الكبير يستطيع ان يسخر من كل اجهزة الرقابة ويكتب مايريد (بأسلوب الرمزية) علي سبيل المثال ولكن هذا لايتاح الا لكاتب كبير جدا، لقامة عالية جدا في الأدب وبالنسبة للمستوي العام للأدب فانه في ظل المصادرة والمراقبة لابد ان يتدهور ولابد ان ينحل اما الجو الذي يمكن ان يزدهر فيه الادب عامة فهو جو الحرية والديمقراطية الحقيقية سواء كان ادبا تهذيبيا او ادبا ابداعيا أو لكل انواع الأدب ولكل انواع الفكر. لذلك فان فكرنا العربي الاسلامي ازدهر من اجل هذه الحرية.
انا اقول انه خصوصا اذا كنت متمكنا واثقا من نفسك فانه لا بأس ان تخوض أية معركة حوارية مهما كانت، وعلي الرغم من ان دور المفكر حتي الآن في العالم العربي لا يزال مقصورا الا ان كل هذه المسائل مرتبط كلها ببعض وهذا
مرتبط بقضية الحرية فطالما انه ليس هناك ديمقراطية وحرية حقيقية فان المثقف لن يكون له الا دورها، وكلما ازداد قدر الأمة من الحرية والديمقراطية ازداد قدر الأديب من القيمة وكلما استطاع ان يبدي رأيه في تسيير امور بلده وان يشارك مشاركة فعلية.
قطوف متوهجة
و..يطول الحوار مع د.جابر عصفور، الذي استقطرت منه هذه الرؤية، لكني لم استطع التخلص من أصداء كلمات مكثفة، يعز علي القلم الا أن يقتطفها من قبيل:
- «علمتنا ثورة25 يناير فوق ما تعلمناه من أجيال ثورة 1919.أن نزداد حذرا من الملتحي الذي يريد أن يغتال الحرية باسم الدين, والدين منه براء, ومن العسكري الذي يريد أن يغتال الحرية باسم النظام والأمن والأمان, فلا نظام ولا أمن ولا أمان ولا حتي مستقبل لشعب يحرمه أحد من حريته التي هي منحتنا من الذي خلقنا أحرارا منذ أن ولدتنا أمهاتنا, قبل أن نعرف الاستبداد, أو تشويه الدين بتأويل نصوصه لصالح هذا الفصيل السياسي أو ذاك, وقبل أن يبتلينا الله بإسلام النفط, فتهب علينا رياح السموم, تروجها أموال النفط في الوطن الذي احتضن الشافعي ودفعه بسماحة أحواله وأوضاعه إلي تعديل مذهبه, والبدء في صياغة كتابه العظيم الأم في حضن هذا الوطن الذي حباه الله بإسلام سمح, لا يزال ممثلا في أزهره, ناطقا باسم شريعة معتدلة عادلة, متدفقة بالتجدد كماء النيل«.
- لولا أصوات العقلاء من المؤمنين بوسطية الإسلام وتحضر مراميه لدخلنا في ظلمات ما بعدها ظلمات. ولولا تقاليد القضاء التي أرساها ليبراليون عظماء من أمثال عبد العزيز فهمي ومحمد نور والخازندار الشهيد, لفقدنا حصن الأمان وحراس العدالة الذين هم مرجعها حين تشتبه الأمور الدنيوية.
- أثق بالقضاء المصري ثقتي بمدنية الدولة المصرية بحكم دساتيرها وقوانينها التي لا رجعة فيها. وأفخر بتاريخ القضاء المصري وعدد غير قليل من أحكامه التي أصبحت بعض مكونات الوعي المصري الحديث بتاريخه الديموقراطي العريق، وإيماني بالقضاء المصري ومتابعتي لأحكامه في مجالات حرية التفكير والإبداع والبحث العلمي هي نفسها التي تجعلني أقف متحمسا في صف هذا القضاء إذا ناله ما يسيء إليه من السلطة التشريعية التي ما جاءت إلا به.
إن ثقتي بالقضاء المصري الشامخ بقدر ما جعلتني أستنكر الحكم الابتدائي بحبس عادل إمام الفنان العظيم هي نفسها التي جعلتني أشعر بالفرح وأتأكد من أني علي حق في هذه الثقة التي تحولت إلي فخر عارم عندما قرأت النص الكامل للحكم في القضية رقم 629 لسنة 2012 جنح جزئي العجوزة في الدعوي التي تقدم بها عسران منصور محمد ضد عادل إمام, ومحمد نادر جلال, ولينين الرملي, وشريف عرفة, ووحيد حامد, ومحمد فاضل. والحكم في نصه الكامل وثيقة رائعة من وثائق القضاء المصري العظيم. وهو وثيقة تجعل المواطن المصري يفخر بالقاضي الذي كتب حيثيات مدققة مفصلة لحكمه, وأعلن ما انتهي إليه في حكمه بالبراءة. وهذا القاضي الذي لا أتردد في إعلان فخري به بوصفي مواطنا مصريا هو الأستاذ أحمد سميح الريحاني رئيس المحكمة. لقد قرأت حيثيات الحكم كلمة كلمة, وفقرة فقرة. وذهلت من ثقافة هذا القاضي, ومن جمعه بين المعقول والمنقول, والعربي والأجنبي من المصادر, وذلك بما وصل بين علوم الشريعة المستنيرة والميثاق العالمي لحقوق الإنسان. وأشهد كناقد أدبي أنني أعجبت بإحالته إلي بعض الأعمال الأدبية العالمية, مثل رواية الكاتب الإفريقي شينوا أتشيبي الأشياء تتداعي».
تدمير الثقافة المصرية
للناقد الفني سمير فريد أطروحته المكثفة والملخصة لكثير من الأوجاع والأوضاع المختلة في الأرضية الثقافية، يجملها بقوله:كما نطالب بعدم محاكمة المدنيين امام المحاكم العسكرية وانما امام قاضيهم الطبيعي، أي المحاكم المدنية، يجب أن نطالب أيضا بعدم محاكمة الكتاب والشعراء والفنانين عن أعمالهم الأدبية والفنية إلا أمام قاضيهم الطبيعي، وهم نقاد الفنون والاداب، وكما يختلف القضاء العسكري عن القضاء المدني، يختلف القضاء النقدي عن القضاء القانوني، فالناقد ليس قاضيا يحكم علي العمل الادبي او العمل الفني، وانما هو مجرد متلق محترف يتوجه بعمله الي المتلقي العادي ليساعده علي تلقي العمل «إذا» كان يحتاج الي المساعدة، والقاضي الحقيقي للفنان أو الكاتب هو الزمن الذي يبقي علي هذا العمل حيا في الوجدان أو ميتا في الارشيفات. وأقصد بهذا - وانا ناقد محترف للافلام السينمائية - ان الاعمال الفنية اكبر من اي تحاكم علي اي نحو، فما بالك عندما يحكم عليها شخص ما من الجمهور، ويرفع دعوي قضائية ويحكم فيها بالحبس، كما حدث مع الفنان عادل امام، والادهي في هذه القضية ان رافع الدعوي يقيس الفن بمعايير يري أنها دينية من وجهة نظره، بينما لايقاس أي عمل فني إلا بالمعايير الخاصة للفن الذي يمارسه الفنان، وفي هذا اساءة الي الدين والفن معا، كما أنه إساءة الي القضاء الذي يحاكم أي مواطن يخالف القانون والمؤكد أنه لايوجد قانون خالفه عادل امام وكل ما هناك ان رافع الدعوي من الجمهور الذي لاتعجبه بعض افلام الممثل.
وقضية عادل امام نتيجة من نتائج استغلال الاسلام السياسي للدعوة الي الحرية بعد ثورة يناير، ورغم انه لم يشارك فيها الا بعد نجاحها وكان شريكا للنظام الذي قامت الثورة ضده، وكذلك استغلاله تدين اغلبية الشعب المصري، ورغم انه مجرد تيار سياسي يسعي الي السلطة مثل غيره من القيادات ولكن بقناع ديني.
وهذا التيار يظلم الاسلام لانه دين من دون كنيسة، بل ومن دون رجال دين، وانما علماء في الدين والفرق كبير ولايعرف الاسلام «الدولة الدينية» وكذلك الدين اليهودي والدين المسيحي فالاديان للافراد وليست للدول، ويظلم الاسلام السياسي مصر كما ظلمت الكنيسة اوربا في العصور الوسطي بسعيه لاقامة دولة دينية كما حدث في ايران بعد ثورتها ضد الشاه، والتي شاركت فيه كل التيارات السياسية قبل ان ينفرد بها التيار الديني وحده.
انهم يريدون العودة بمصر الي مرحلة انحطاط الدولة العثمانية، وليس حتي الي مرحلة ازدهارها، ويسعون الي تدمير الثقافة المصرية واستبدالها بثقافة مجتمعات اخري لا علاقة لها بالمجتمع المصري وتاريخه الطويل الذي استوعب كل الحضارات القديمة والحديثة وكل الاديان السماوية اليهودية والمسيحية والاسلام، وخدمها وخدم الاسلام بوجه خاص من خلال الازهر الجامع والجامعة منذ اكثر من الف سنة.
ونحن لانقول إن الثقافة المصرية افضل من غيرها ، فلكل بلد ثقافته الوطنية التي يجب علي كل من يؤمن بالحرية ان يحترمها، ولكن نقول إن لنا ثقافتنا الخاصة مثل أي بلد اخر، وعلينا ان نحافظ عليها حتي نتمكن من صنع حاضر أفضل ومستقبل أفضل.
محاكمة الإبداع وبراءته
أما رؤية د.حسين حمودة فتتمثل في هذا الطرح المحدد ذي النسق الصافي في احتوائه للقضية بدلالتها وبما تومئ إليه من إشارات دالة نسبية ومطلقة إذ يقول«يتجدّد العالم، دائما، بفعل الإبداع، ويتجمّد العالم، أحيانا ولفترة قصيرة، بفعل مصادرة الإبداع، الحديث بهذه الصيغة المطلقة المعممة، التي تشبه القانون، وتكاد تشارف حدود الحقيقة الدامغة، ليس شيئا مستحبا بالطبع. ولكن كثرة الشواهد، في التاريخ الممتد وفي الثقافات المتعددة، تشجع علي مثل هذا الإطلاق والتعميم.لا يقتصر فعل الإبداع علي الآداب والفنون المتنوعة، وإنما يمكن أن يمتد ليشمل كل اكتشاف وكل فعل جديد، غير مسبوق، يتخطي حدود الممارسة المعتادة.ولا يتوقف معني المصادرة عند رفض هذا العمل الإبداعي أو ذاك، ولا عند محاكمة هذا المبدع أو ذاك، أو حتي عند محاولة اغتياله أو اغتياله الفعلي، وإنما يشمل هذا المعني كل موقف متحفظ رافض لكل رأي خلاق يزحزح أو يقلقل التصورات أو الممارسات المتكررة، الراسخة المستتبة.
حتي علي مستوي أقل من الإطلاق أو التعميم، إذا قصرنا حديثنا علي الأدب وحده، سوف نندهش لكثرة الأمثلة علي مصادرات الأعمال الأدبية أو محاكمة أصحابها، وملاحقتهم، واغتيال بعضهم أو محاولة اغتيالهم. حدث هذا في التاريخ القديم والحديث، وحدث عندنا كما حدث في بلدان غربية تزعم أنها تحترم حرية التعبير. وتكفي الإشارة إلي طابور طويل من أسماء الأدباء الذين لاحقتهم خلال القرن الماضي، وحده، المحاكم أو السجون، في البلدان الغربية نفسها التي تدعي أنها ترفع رايات الحرية: ديفيد هربرت لورانس في بريطانيا، جيمس جويس في أيرلندا، هنري ميللر ثم تجربة المكارثية في الولايات المتحدة، جونتر جراس في ألمانيا (وقد كتب يورج ديتركوجل كتابا كاملا عن «أدباء أمام المحاكم» في ألمانيا وحدها!).. إلخ، أما الإشارات إلي بعض تجاربنا، في العصر الحديث فحسب، فأكثر من أن تحصي، وفي هذا السياق هناك حشد من الأسماء تمتد من طه حسين إلي نجيب محفوظ إلي حيدر حيدر.
وحين تسأل د. حسين حمودة: ماذا تعني المصادرة، أو الملاحقة، أو الاغتيال الفعلي أو المعنويِ، أو محاولة القيام به في دائرة الإبداع والمبدعين:؟ يقول لك تعني طبعا، فيما تعني، نوعا من رفض مجرد التلويح ب«الخروج» علي مسلّمات أو تصورات قائمة، مع أن أغلب الأعمال المصادرة، التي تتم ملاحقة أصحابها، لا تمثل بمنطق الإبداع خروجا علي هذه المسلمات والتصورات.تدافع جماعة ما، بتعصب وأحيانا بضيق أفق، عن هذه المسلّمات والتصورات، ويدافع عنها أحيانا فرد ما. لكنها غالبا مسلمات وتصورات تكتسب قوتها وسطوتها من فهم مغلوط يجعلها تلوح وكأنها تمتلك مصداقا يرفعها إلي مصاف الحق الذي لا يعلي عليه،
في غير حالة، لا يكون الاتفاق علي محاكمة هذا العمل الإبداعي أو ذاك اتفاقا مجتمعيا واسعا، وإنما ينحصر في دائرة جماعة محدودة تزعم أنها تنطق باسم الجميع، أو تتحدث بلسان جماعي عن الفضيلة أو الدين أو الأخلاق أو الأعراف التي تخص الجميع، وفي غير حالة أيضا، فيما يتعلق باغتيال بعض المبدعين أو محاولة اغتيالهم، يتحول معني «المحاكمة» إلي صيغة بدائية، أقرب إلي صيغة «الثأر» حيث تنتفي الأدوار المتعددة التي تمثلها أطراف: الدفاع، والمرافعة، والاتهام، والتفنيد، والشهود، والحكم، ويتم اختصار هذه الأدوار في دور وحيد، وفي فعل واحد يقوم به فرد يجعل من نفسه، بعبارة ديورانت، قاضيا وشرطيا وجلادا معا، في آن واحد. وفي بعض الأحيان يشارف هذا الفعل حدود العمي المطبق.. ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ مثال صارخ علي هذا المعني؛ فمن حاول القيام بقتل هذا المبدع العظيم، أي من وضع نفسه موضع قاضيه وشرطيّه وجلاده، لم يقرأ عبارة واحدة من أي عمل من أعماله!
تعددت وتوالت محاكمات الإبداع بمنطق مغاير لمنطقه، وبمعايير مختلفة عن معاييره. لكن هذه المحاكمات جميعا، هنا وهناك، والآن ومن قبل، في كل المجتمعات وفي كل الثقافات، انتهت كلها إلي حقيقة لم ترض ولا ترضي أحدا من الذين كمنوا ويكمنون وراء هذه المحاكمات. فقد انتهت المحاكمات جميعا وبقي الإبداع، وقد صودرت بعض الأعمال ولكنها بعد مصادرتها انتشرت انتشارا أكبر. من رابع المستحيلات، وأنا لم أفهم علي وجه الدقة الثلاثة الأولي، أن تكتمل حلقات أي محاولة لمصادرة الإبداع أو محاولة اغتياله (وإن نجحت اغتيالات عدد من المبدعين معنويا أو فعليا).وكأننا، بعبارة ختامية تشبه في إطلاقها وتعميمها عبارات البداية، يمكن أن ننتهي إلي قانون أخير: تتم محاكمة بعض الإبداع، وتتم ملاحقة بعض المبدعين، أو حتي يتم اغتيالهم، ومع ذلك فالإبداع الحقيقي خلق دائما ليبقي بريئا دائما!.
إنها ردة جديدة
يتوجس الكاتب الساخر لينين الرملي خيفة من أن تكون الدعاوي القضائية المرفوعة ضد بعض الكتاب والفنانين ردة أو عودة لسياسة تكفير المبدعين كما حدث خلال فترات سابقة من تاريخنا، وبالتالي نصبح مصنفين باعتبارنا كفرة ونستحق القتل كما حدث من قبل مع كاتب مثل «فرج فودة» هذه التهم نوع من الإرهاب الفكري ، ومحاولة لوأد حرية الفكر والإبداع ومحاولة من البعض للتزلف للتيار الإسلامي الذي يجلس علي سدة الحكم حاليا في مصر.
وأكثر ما يجعل لينين الرملي في حالة دهشة ممزوجة بمرارة أن محاسبة المبدعين تتم بأثر رجعي، إذ يقول ان الاعمال التي يحكم عليها عادل إمام من تأليفي أو تأليف زميلي وحيد حامد وغيرنا تم عرضها قبل 35 عاما، وكلها اتخذت القنوات الشرعية والمشروعة لإنتاجها من الجهات الرسمية الرقابية والقانونية والدينية وكل الأجهزة المنوط بها أن تسأل«وما حصلشي أن اعترضت علي حرف واحد».
يستنكر الرملي :كيف المجرم المدان في قضية قتل يسقط عنه الحكم بالتقادم بعد مرور 20 سنة أو 25 سنة.. فما بالك بالفنان الذي لم يرتكب جرما سوي الإبداع.. هل يمكن أن محاسبته بعد كل هذه السنين؟ مشيرا إلي أن كل الأعمال التي استشهد بها المحامي خرجت إلي النور بعد الحصول علي جميع التصاريح الرقابية اللازمة وشاهدها الملايين في مصر والعالم العربي، ولم يشكك أحد في نوايا الكتاب أو الممثلين.. فلماذا الآن نعيش هذه الردة؟ فالأعمال المرفوعة ضدها قضية ازدراء الإسلام، مضي علي بعضها أكثر من عشر سنوات مثل فيلم « الإرهابي» ومضي علي بعضها الآخر أكثر من ثلاثين سنة مثل مسرحية «شاهد ماشفش حاجة» وتذاع الآن علي جميع الفضائيات.
يدعو لينين الرملي إلي «حماية الإبداع من كل القوي الظلامية التي تستهدف القفز علي الضمائر والنية لتحاكم أصحابها بتهمة الإساءة الي الإسلام، لأن القضية التي ينبغي أن نتوقف أمامها هي: هل هذا الفن هادف أم لا؟».
يستذكر ويذكر: د. فرج فودة رفعوا ضده قضية وقتلوه، نجيب محفوظ كسروا عنقه وحاولوا قتله عن طريق شباب صغار السن، حاولوا اغتيال مكرم محمد أحمد، وهناك قوائم تضم ستين اسما عثروا عليها في ملفات وزارة الداخلية أصابت المفكرين بالذعر والرعب، إن كل ديكتاتور يخاف من الرأي الآخر أيا كان، والسائد الآن: قضايا ارهاب ترفع ، يعقبها اغتيالات «موش هزار» فالمتهم عندهم كافر، وهم المحميون؟ أين وزارة الثقافة، وأين اتحاد الكتاب من كل هذا ؟
ويتعجب لينين الرملي من طالبي الشهرة من المحامين الذين يرفعون مثل هذه الدعاوي، ما هي الصفة التي يمثلونها، هل هم أوصياء علي الدين ويتحدثون باسم السماء؟ إذن فماهو موقع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر والمفتي العام للديار المصرية ووزير الأوقاف؟ لو رفع أحد هؤلاء القضية لكان الأمر مقبولا باعتبارهم يمثلون اعلي الهيئات الإسلامية ولكن من أنت أيها المحامي؟ هل تبحث عن الشهرة؟ أم تريد نفاق الإخوان والسلفيين؟.
إنه يقول:«المفترض في رفع قضية ما إن تكون هناك مصلحة لصاحب الدعوي، وأن تكون الدعوي حقيقية، فمثلا هو يقول إنني سخرت من الجلباب واللحية باعتبارهما من أهم رموز الشخصية الإسلامية، كيف علم صاحب الدعوي بذلك، واللحية والجلباب لم يقتصرا علي الشخصية الإسلامية فقط قديما، بل كانا من أهم سمات الشخصية المسيحية واليهودية أيضا».
ويحذر الرملي من الصمت علي مثل هذه الدعاوي التي تستهدف حرية الإبداع والفكر بمحاولة البعض إعادة المجتمع المصري إلي القرون الوسطي، وقال إن فيلم مثل «الإرهابي» يبدو من اسمه.. فبطله شخص إرهابي يلجأ إلي العنف لتحقيق أهدافه، وهي حقيقة عاشها المجتمع المصري خلال فترة من تاريخه ولا يمكن إنكار تلك الحقيقية.. وليس معني ذلك أن كل الملتحين أو الذين يرتدون الجلباب إرهابيون، رافضا ربط الإسلام باللحية والجلباب، فهما لا يخصان المسلمين وحدهم، فكلنا يعلم جيدا أن اليهود والمسيحيين وكذلك الهندوس وغيرهم يطلقون لحاهم ويرتدون الجلباب، فليس معني تقديم شخصية سلبية بلحية وجلباب أنها تخص المسلمين وحدهم.
«حصاوي : لا يخاف»
أهداني الكاتب الساخر لينين الرملي هذا النص باعتباره كفيلا بالإجابة علي كل علامة،استفهامية كانت أم استنكارية، في سياق ملفنا هذا، والنص ينضوي تحت عنوان«حصاوي : لا يخاف»
«حصاوي : علي المقهي مع جاره»
الجار:قريت خبر عادل أمام اللي اتحكم عليه بتلات شهور حبس؟
حصاوي :آه .
الجار::بس محكمة تانية حكمت له بالبراءة هو وخمسة مؤلفاتيه علي مخرجاتيه.
حصاوي :آه.
الجار:لكن أنا شايفك مش مبسوط مع أنك بتحب عادل إمام.
حصاوي :عشان خايف عليه.
الجار:خايف عليه من إيه بقي ما دام طلع براءة؟.
حصاوي :وهو اللي رفعوا عليه القضية مش كانوا عارفين كده من الأول؟
الجار: يعرفوا منين ؟
حصاوي :ما هما محامين يعني عارفين القانون.
الجار:تقصد كان عايزين يشهروا نفسهم وخلاص.
حصاوي :ويمكن عايزين يخدموا ناس تانية
الجار:مش فاهم.
حصاوي :هو مش كان فيه عندنا كاتب اسمه فرج فودة؟
الجار:أظن. جايز . لكن ماله؟
حصاوي :أصل أتهموه برضه بتهمة زي ازدراء الإسلام.
الجار:واتحكم عليه ؟
حصاوي :أتحكم عليه بس مش من محكمة.من ناس حاكموه بمقالات في الجرايد وبعدين
سابوا غيرهم يقتلوه.
الجار:يا خبر. أنا ما قريتش حاجة زي كده.
حصاوي :ما هو دا حصل من سنين. بس الصحفيين والكتاب اللي كتبوا علي قضية عادل أمام ما جابوش السيرة دي.
الجار: ليه ؟ برضه مش فاهم.
حصاوي :يظهر خافوا.
الجار:خافوا من اللي رافعين القضية؟
حصاوي :لأ من اللي وراهم.
ومضات
»من حق الناس أن تخطئ وويل لأمة يعاقب الناس فيها علي الخطأ, وويل لأمة لا تعرف الحرية ولا تقدر ولا تقيم أمرها علي القصد والاعتدال, وإنما تقيمه علي الغرور«
د. طه حسين
»يجب أن ينص في الدستور الجديد في باب الحريات علي عدم تقييد الحريات العامة وعدم التفتيش في الضمائر وعقول الناس، وترك حرية الإبداع للجميع، لأن مصر دولة متحضرة والعقل المصري عقل متحرر وغير رجعي يرفض الجمود، بدليل أن أي إنسان يقول حاجات متطرفة يرفضه الشعب المصري ويلفظه ولا يسلم بما يقوله مطلقا«.
جورج إسحق
الذي أعرفه جيداً هو أن الحياة المصرية تنطبق عليها مقولة الشاعر القديم هي »كالبحر مهما تلقي في البحر«ستستوعب الحياة المصرية كل هذه الأصوات المنكرة، ستبتلعها ولن تعبأ بها وسيمضي نسقنا كما هو دون تغيير يذكر،وهذه الدعوات المتطرفة المتعصبة الرافضة لمباديء الحرية والمواطنة والدولة المدنية ودولة القانون، و الرافضة للركائز الاساسية للشخصية المصرية سوف لاتلقي نجاحا ولن يقدر لها ان تصنع وجه المستقبل المصري.
د.صلاح فضل
»إنّ التحول الحضاري لا يتم علي يد بطل، أو حاكم، ولكنه يتم علي يد الحكمة الجماعية وهي من المصلحين وقادة الفكر«
هربرت سبنسر
»محاكمة الإبداع، تعيد إلي الأذهان محاكم التفتيش، وتضع علامة استفهام علي ذلك النوع من القضايا، مما يجعل موضوع الحقوق والحريات العامة في مصر علي المحك،واستنكر مواجهة حرية الإبداع بشكل عام بأحكام قضائية، فذلك من باب التخلف الشديد، ويعود بنا إلي سنوات الظلام«.
حافظ أبو سعده
» ليس من حق أي شخص أن يصدر حكما علي الفنان لتقديمه عملا فنيا، أو علي المبدع لإبداعه، خاصة في ظل وجود الرقابة علي المصنفات الفنية، وهي الجهة الرسمية التابعة للحكومة ، والتي كان بإمكانها أن تمنع هذه الأعمال في حالة إساءتها لأي شيء، وهذه المحاكمات بالمؤشر المدمر للفن المصري الذي يجب التصدي له بكل قوة،لأن الشخصية المصرية بطبيعة الحال ترفض التطرف، ولكنها تميل وتعشق الوسطية«.
يسري الجندي
» من حق الفنان أن يعبر عن رأيه ويرفض إهانته، خاصة بعد محاولة تقييد حرية الفنون والإبداع، لأن الفنان مثل السياسي، وجوده علي الساحة مهم، ومن حقه أن يقدم مايراه دون تقييد حريته، حتي يخرج خبايا المجتمع علي الشاشة«.
حسن يوسف
»الآراء التي ليس لها شعبية والحقائق التي لا يروق للبعض سماعها يتم إسكاتها دون حاجة إلي أي قرار رسمي يحظر التعبير عنها، في كل عصر وحين توجد مجموعة من الآراء التي يُفترض أن أصحاب العقول السليمة سيقبلونها بلا نقاش، وأي إنسان يحاول أن يتحدي هذه الآراء المقبولة سيجد نفسه مخرساً بكفاءة تدعو للدهشة«.
جورج أورويل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.