شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    مشاركة فعالة لجامعة قناة السويس في مؤتمر تفعيل القيادات الطلابية باللجان الرياضية    «التنظيم والإدارة» يعلن توقف الامتحانات بمركز تقييم القدرات.. لهذا السبب    وزير الشؤون النيابية: الحكومة تقدم أجندة تشريعية مرنة كل دورة برلمانية    سعر الحديد مساء الجمعة 22 أغسطس 2025    محمود فوزي: الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم وحماية الفئات الضعيفة    وقفة للجالية المصرية بفرنسا دعماً لمصر ورفضاً لأي اعتداء على بعثاتها الدبلوماسية    حماس: تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي اعتراف بجرم يرقى للتطهير العرقي    المجاعة تهدد نصف مليون في غزة.. كيف يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل؟    حماس: تصريحات كاتس «اعتراف بجرم يرقى للتطهير العرقي»    زيلينسكي: لا يوجد أي اتصال مع روسيا بشأن محادثات السلام    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يدينون خطة إسرائيل الاستيطانية الجديدة    لا يخسر في بريميرليج و18 مساهمة.. هل يواصل صلاح إسقاط ضحيته "نيوكاسل"؟    فانتازي يلا كورة.. ارتفاع سعر ريتشارليسون.. وانخفاض عدة لاعبين    بروكسي يتعادل مع مالية كفر الزيات في افتتاح مباريات دوري المحترفين    «حماة الوطن» ينظم حلقة نقاشية حول تعديل قانون الرياضة    حبس متهم لإدارته ورشة لتصنيع الأسلحة البيضاء بالشرابية    «تسريب غاز».. مصدر أمني يكشف سبب صوت الانفجار بموقف سيارات ملحق بمطار القاهرة    ضبط سائق لاستيلائه على سيارة ومبلغ مالي من شركة بالسلام    بعد مداهمة وكر التسول.. حملات مكثفة لغلق فتحات الكباري بالجيزة| صور    6 مصابين من أسرة واحدة في حادث انقلاب سيارة ملاكي في بني سويف    "أحرج معجبة حاولت مصافحته".. علي الحجار يثير الجدل:"مينفعش يعني"    بادشاه لسعد القرش.. قصص فلسفية شاعرية تشتبك مع القضايا الكبرى    الوادي الجديد تبحث إنشاء منصة إلكترونية للمواقع السياحية والأثرية    "قالتلي إلحقني".. محامي شيرين عبد الوهاب يصدر بيان بشأن عودتها ل حسام حبيب    التفاؤل ماليهم.. ما هي الأبراج التي لها نظرة إيجابية ؟    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة في ماليزيا.. أحمد كريمة يكشف الحكم الشرعي    نجاح عملية دقيقة لاستئصال ورم بالمخ وقاع الجمجمة بمستشفى العامرية العام بالإسكندرية    الكروم ومرض السكر.. مكمل غذائي مساعد لا يغني عن العلاج الدوائي    عميد طب القصر العيني يتابع جاهزية البنية التحتية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    ضبط لص حاول سرقة حقيبة من شخص فى العمرانية    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    فورين بوليسي: منطقة "دونباس" مفتاح الحرب والسلام في أوكرانيا    مصر تحصد فضية الريشة الطائرة بالبطولة العربية المدرسية بالأردن    حقيقة حرمان خريجي البكالوريا من الالتحاق بعدد من الكليات    مرموش: لم تفاجئني بداية إيكيتيكي مع ليفربول.. وصلاح الأفضل    ضبط 400 قضية مخدرات وتنفيذ 83 ألف حكم قضائي خلال يوم    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    العين مرآة العقل.. وهذه العلامة قد تكشف مرضًا عقليًا أو اضطراب نفسي    محافظ مطروح يستقبل رئيس جامعة الازهر لافتتاح مقر لكلية البنات الأزهرية    الاقتصاد المصرى يتعافى    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    «التسامح والرضا».. وصفة للسعادة تدوم مدى الحياة    دعمًا للأجيال الواعدة.. حماة الوطن يكرم أبطال «UC Math» في دمياط    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    صحيفة عبرية: نتنياهو يشجع بن جفير وسموتريتش على تقويض فرص التوصل إلى اتفاق    ناقد رياضي: بن رمضان اللاعب الأكثر ثباتًا في الأهلي.. ومواجهة المحلة صعبة    ثائرٌ يكتُب    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعفة وباقة زهور
نشر في الوطن يوم 04 - 10 - 2012

استيقظتُ لأجدها كالعادة قد انفلتت؛ ولكن صوتها ظل يتردد فى أذنى، وأنا بين اليقظة والإغفاء، صوتها العفى النضر: «قم يا كسول؛ لتُخرِج الأبقار للمرعى، قم، فالشمس ملأت الدنيا نوراً».
فقد كانت تستيقظ مع نسمة السحر الأولى، تتوضأ وتصلى ما قدَّر الله لها من الليل، وترتل وِرْدها المعتاد حتى يَحِين الفجر فتصلّيه، وتتضرع إلى الله، وتلحّ عليه فى طلب الستر والمغفرة، وتختصنى بدعوات سأظل أجنى خيراتها ما حَيِيت، ثم تحمل الأوانى، وتغدو للحظيرة، تحلب الأبقار، تغلى اللبن، وتصنع الجبن، ثم تعود لتوقظنى بكلماتها الرقيقة التى لا تغادرنى:
«قم يا صغيرى؛ لتصلى الصبح قبل شروق الشمس، قم، لا تجعل الشيطان يغلبك، الشياطين تستيقظ فجراً؛ لتتبول فى آذان الكُسالى الذين تدركهم الشمس نياماً».
هذه الكلمات التى تبثُّها روحك، التى تحوطنى وتحمحم حول رأسى رقيقة، يوقظنى صداها كل صباح، حتى بعد أن اختلف الزمن، وتبدل الناس، وتلوثت القلوب والنفوس، وحتى بعد أن توارى منى منتصف أربعينات العمر.
الكسول الآن أصبح أشهر أطباء مرضك اللعين، وإن ازدادت الأمراض، وتنوعت، وانتشرت لتلتهم الناس فى بلداننا التهاماً.
العالم كله يعرف قدره ويرحب به، بفضلك وفضل ما غرسته: من محبة، ووفاء، وإخلاص، واجتهاد.
ها هو يغلبنى الحنين، وها أنا أعود، فسامحينى يا جدة إن تأخرتُ عليك، كم أنا محتاج ليدِك تُربِّت فوق كتفى، إلى نصائحك تضىء لى الدروب، إلى دعواتك تذلل لى الصعب العسير، إلى صدرك يحتوينى!
ها هى السعفة فوق قبرك، كما طلبتِ وقلتِ قديماً: «كن خشناً يا ولد، الزهور ستموت سريعاً فوق قبر عمك».
عمى الذى أورثك استشهادُه غصَّةً وألماً، يخالطهما الفخر، وكان يحمل بأعماقه: الثورة، والطوفان، والحلم، فلا يرضى بالظلم، ولا الذل، ولا المهانة، شهيد «حرب 67»، راح يحمل قنبلته، ويهاجم بها إحدى دبابات العدو، بعدما أحاطته الهزيمة، وحاصره الاستسلام من كل صَوب، وكيف لرفاقه جاءوك بثيابه العسكرية ملطخة بدمائه، وبفيض من أحلامه؟
كان دوماً مثالاً للبطل فى كل قضية بأفعاله يا جدة.
وها هى الزهور فوق قبرك، زهور أمى النواعم بنت البندر، التى تنشط فى الذاكرة كل حين نظرتك الحادة لها، وهى كما قلتِ: «تلخبط العجين»، ويداعب أذنىَّ صدى كلماتك اللائمة الجافة: «أصلها تربية بندر، عايشين على خبيز الطابونة الممشش»، فتضحك أمى بدلال، وتحتويك وتقبِّل يديك، وتهمس بصوتها الصادق الحنون: «علمينى يا ست الكل»، تنفضين نفسك منها، وتبتسمين من خلف الكلمات الجافة: «شوفوا يا ناس، سهوكة النسوان، امشى يا بنت شوفى الخبيز حيتحرق فى الفرن».
ثم تأتى لأبى توصينه بها: «صون مراتك يا بنى، مراتك أصيلة، ومفيش منها فى الزمن ده».
أما تعلمين يا جدة، أنها أصبحت مثلك، لديها أحفاد، وزوجات أبناء، وأزواج بنات، وما زالت رقيقة، تُحضِر لك سعفة وباقة زهور، تضعها فوق قبرك فى يوم الخميس كل أسبوع، تقرأ لروحك الفاتحة، وتمضى الهُوَينى، ثم ترجع تُهاتفنِى فى بلادى البعيدة، تحثنى على زيارتك، ولمّا أعود، وأصعد النخلة المثمرة بملابسى الرسمية، تضحك، وتهش الأحفاد المغتبطين بعصاها؛ كى لا يشاهدوا عمهم الطبيب الكبير، وهو يجلب السعف من فوق النخلة، تضحك، وتؤكد أننى سأظل طفلاً، حتى لو أصبحت وزيراً.
تنفض عنى غبار النخيل، تربت فوق كتفى بحنوٍّ، وأنا أقبِّل يدها، تسألنى: هل أحضرت الزهور؟ تتغير ملامحها حين أقول: إن جدتى كانت تحب السعف، وكانت تردد: إن الزهور تموت سريعاً، تتأوَّه غير مقتنعة بحججى؛ لأنها تعلم الحقيقة أن الوقت لم يسعفنى، تذهب للداخل -ببطء وسط ارتباكى ونظراتى المستفهمة- وتعود تمهر سائقى النقود، لجلب باقة الزهور، وتقول: إن الزهور تموت سريعاً، ولكنها تحتفظ بالرائحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.