سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    المقاولون العرب تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ سكان أوغندا من الفيضانات    أسعار الذهب صباح اليوم السبت 27 أبريل 2024    بمشاركة 3 آلاف فرع ومنفذ، استمرار فعاليات مبادرة "كلنا واحد" لتوفير السلع بأسعار مخفضة    الكهرباء تحدد 3 أسباب لرفض كارت العدادات مسبقة الدفع الشحن من ماكينات الدفع الإلكتروني    أوكرانيا تعلن تصديها لصواريخ روسية، وموسكو: أسقطنا 66 مسيرة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن 25 غارة جوية على غزة خلال اليوم الماضي    10 معلومات عن أهمية الزيارة التاريخية المرتقبة للرئيس السيسي إلى تركيا    مواصلة الاحتجاجات في جامعة كولومبيا للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة|شاهد    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    مسئول أمريكي كبير يزور لبنان.. تفاصيل    موعد مباراة بلدية المحلة وزد في الدوري المصري والقناة الناقلة    موقف محمد صلاح، تشكيل ليفربول المتوقع أمام وست هام في الدوري الإنجليزي    خروج جميع مصابي حادث حريق سوء الأحوال الجوية في الأقصر    تجديد حبس تشكيل عصابى تخصص في سرقة أجزاء من السيارات بالعجوزة    الإنترنت المظلم| كارثة اسمها "دارك ويب" بعد جريمة شبرا الخيمة البشعة.. ماذا حدث؟    تنطلق الليلة.. تفاصيل الدورة 39 من مهرجان المسرح العالمي    «شيخ أزهري اتهمها بالزنا».. انهيار ميار الببلاوي في بث مباشر    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    هتنام بسرعة| 4 آيات حل رباني لمن لا يستطيع النوم ليلاً.. داوم عليها    انخفاض أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل    بعد قليل.. الحكم في اتهام مرتضى منصور بسب عمرو أديب    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    اليوم.. الجنايات تنظر محاكمة متهمي "خليه المرج"    بورصة الذهب تنهي تعاملاتها الأسبوعية بخسائر تتجاوز 50 دولارًا | تقرير    تشكيل ليفربول المتوقع أمام وست هام.. صلاح ونونيز يقودان الهجوم    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. السبت 27 أبريل    إسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت ومركبات مدرعة ودبابات "ليوبارد" إلى كييف    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    دينا فؤاد: مسلسل "الإختيار" الأقرب إلى قلبي.. وتكريم الرئيس السيسي "أجمل لحظات حياتي"    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. السبت 27 أبريل 2024    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    تحرير 17 ألف مخالفة مرورية متنوعة على الطرق السريعة خلال 24 ساعة    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب الكبير جمال الغيطانى وصفحات من «كتاب الألم» .. الأزرق والأبيض [5]
نشر في الوطن يوم 04 - 10 - 2012

منذ عامين، مر الأديب جمال الغيطانى بأخطر لحظات واجهته فى حياته، رغم أنه عرف الأخطار كثيراً زمن الحرب، وفى ظروف أخرى، غير أن الفرق كبير بين خطر يأتى من الخارج، ومداهمة من الداخل، بدأت الأزمة على الهواء مباشرة فى برنامج تليفزيونى، وانتهت فى مستشفى كليفلاند. ذلك الوقوف قرب نقطة العبور إلى الأبدية، وعندما يكون الإنسان أديباً، مبدعاً، مهموماً بالمصير، بالمبدأ والمعاد، فإن الموقف يكون أدق، كان الغيطانى محظوظاً، عبر إلى هناك وعاد ليقص علينا عبر هذه النصوص الفريدة دراما المصير، نصوص جديدة، ليست يوميات، أو سجلات مباشرة؛ لكنها تبدع اللحظات النادرة والحافلة بالرؤى لتضيف صفحات جديدة إلى كتاب الألم الإنسانى.
تلقين
الخطوة الأخيرة السابقة على الرحيل، لحسن الحظ التقى الطبيب لبنانى الأصل فى الوقت المحدد تماماً، جرى تعديل لبعض الأدوية، زوده بعنوان طبيبة متخصصة فى نيويورك ليتم عندها المتابعة، ليلجأ إليها إذا دعت الضرورة، بدا الرجل ودوداً متفهماً، من الجنوب اللبنانى، يُكِن الذكر الجميل للقاهرة والإسكندرية، زادهما منذ عشرين عاماً، طلب منه أن يقابل مساعدته الخاصة، ستخبره بالأعراض التى ستمر به خلال الفترة القادمة، تطلع إلى الساعة، المتبقى على مغادرة الفندق إلى المطار ساعتان، ثلاث ساعات بالنسبة للإقلاع، رغم كثرة أسفاره لم يطرأ أى تغيير على قلقه المصاحب، دخل بصحبة زوجته والمرافق له منذ أن بدأ رحلته فى المستشفى، قبل وبعد الجراحة، غرفة مضيئة، غالب عليها الأبيض، مقعد للمريض، فى مواجهة ما يشبه شاشة التليفزيون، غير أن الإطار مغاير، مفاتيح وأزرار متعددة.
دخلت السيدة ناطقة بتحية الصباح، وجهها طفولى، ممتلئة قليلاً، ترتدى معطفاً أبيض، تضع يدها اليمنى باستمرار فى جيب أيمن، تشير باليسرى، تكتب بها مثل كل اللقاءات بدأت بالاستفسار عن تاريخ الميلاد، ثم وقفت أمام الجهاز الذى لم يعرف اسمه حتى الآن، ما تنطق به يظهر مكتوباً باللغة الإنجليزية، أحياناً بعض البيانات والرسومات التوضيحية، بدت مرحة، مبتسمة، راغبة فى إثارة البهجة، قالت إن الأعراض المترتبة ستظهر خلال الستة شهور التالية، لن تتبع الترتيب الذى ستنطق به، لا بد أن بعضها بدأ يظهر بالفعل، المهم ألا ينزعج وألا يهرع إلى طبيبه الخاص إلا عند الضرورة.
قالت إنه سيرى بقعاً من الضوء، تتوالى ثم تختفى، سيخيل إليه أنه فقد الرؤية عند ظهورها، عليه أن يغمض عينيه دقيقة أو اثنتين حتى يتأكد من زوال العرض، لا شىء يخيف، لا شىء مزعج إلا إذا استمرت طويلاً، عليه الاتصال بالطبيب.
تساءل: ما المقصود بالطول؟
رفعت يدها اليسرى راسمة حركة دائرية، بدت كأنها ستشرع فى أداء رقصة ما، قالت إن هذه البقع ستتراقص وتزول، لكن إذا اتخذت وضع الثبات عندئذ يبدأ الاحتراز.
أومأ مبدياً المجاوبة، قال إنه مولود بالصداع النصفى، علامته التى تسبق الألم بقع بيضاء، تتصاعد حتى يعجز عن الرؤية، أشارت بأصبعها.
تماماً.. تماماً، ، هذا بالضبط، لكن التى أتحدث عنها ستكون أكثف وأوسع.
قالت إن النبض سيعتريه اضطراب، هل يعرف الطيران:
ابتسم متسائلاً: وكيف جئت؟
قالت إنها تتساءل عن إحساسه به، ألا تبدو الطائرة وكأنها مستقرة فى الفراغ، لكن فجأة تحدث بعض المطبات، هكذا سيبدو النبض، يمكن لثانية واحدة أو بضع ثوان، إذا طال الأمر لدقيقتين أو ثلاث عليه مراجعة الطبيب.
استدارت برشاقة بادية، واجهته، انحنت قليلاً، قالت إن المشى ضرورى يومياً، لكن قد يحدث دوارا إلى حد ما عندئذ عليه التوقف فوراً، أحياناً.. أحياناً وهذا نادر، سيجد نفسه مستمراً فى السير رغم توقفه.
لأول مرة تنتابه الدهشة، يتطلع إليها مستفسراً، غير أنها لم تجبه، استمرت مبدية بعض الأوضاع بجسدها، وفى هذه اللحظة تخرج يدها اليمنى لأول مرة لتشترك مع اليسرى فى إبداء بعض العلامات والتعبيرات، قالت إنها تعرف غرابة العرض، لكن هذا يحدث، الاستمرار فى المشى مع وقوفه عن الحركة، بل إنه سيمر بلحظة فى حالة وقوع العرض، فليتذكر جيداً، فى حالة وقوعه لن يعرف عندها، هل يمضى قدماً أم أنه لم يفارق موضعه، عندئذ عليه ألا يقلق ولكن بمجرد انتهاء هذا الحال عليه مراجعة الطبيب.
تساءل وثمة مسحة من سخرية، أى طبيب، النفسى أم المعالج لقلبى؟
قالت بجدية، إنها لم تذكر قط الحاجة إلى طبيب نفسى، تابعت على الفور إن العرض التالى ليس أقل غرابة، إذ ربما يمر بلحظة يشعر خلالها بأنه ينزل على مهل إلى اللاقرار أو العكس، الصعود إلى أعلى ويصاحب هذا وذاك دوار، عندئذ يجب عليه ألا يقوم بأى شىء، فقط ينتظر حتى زوال الحال مهما طال الوقت، المهم أن يتنفس بشكل طبيعى، ألا يحبس أنفاسه مهما بلغت دهشته.
يتطلع إليها، لم تعد تبدى ما بدأت به من مرح أو بهجة، بل إن ما يشبه القسوة لاحت فى نطقها الجمل الأخيرة، ينتبه إلى نظراتها التى بدأت تأخذ اتجاهاً واحداً يتجاوزه إلى ما بعده، إلى ما يلى حضوره أمامها، إلى حيث يصعب الرصد، تقول إن لحظة حتما سيبلغها، ليس بالضرورة فى الشهور الستة الأولى، إنما فى أى وقت يلى ذلك، إنه العرض الوحيد الذى سيحل بعد سنة، بعد ثلاث، بعد عشر، ليس مهماً قصر المدة أو طولها.
يلتزم الصمت، لم يعد قادراً على إبداء أى رد فعل، بل إن قلقه على موعد اللقاء توارى، كف عن التفكير فيه، ينسى حتى وجود زوجته، والمرافق الذى لم يعد يقوم بالترجمة رغم مهارته، وقدرته على اللحاق بالمعانى، ما تقوله يصله واضحاً، مدققاً، يكاد يوقن أن يسمعها بمفرده، تماماً كلحظة إعداده وتجهيزه للجراحة، وتمدده على السرير النقال قبل دخوله الهِوْ، تقول إن هذه اللحظة مهمة جداً، يجب ألا ينسى ما يسمعه الآن، ما تنطق به، كثيرون يصغون ويستوعبون لكن النسيان يدركهم، لهذا لا يتحملون المفاجأة، ويعانون كثيراً مع أنه مجرد عرض، تابع من التوابع، قد يجىء أثناء النوم، أو اليقظة، أو أثناء الجلوس بين الصحب أو المشى منفرداً أو عند السفر أو الإقامة، لم يتم رصد ظرف محدد، أو علامات دالة، يحدث أن يخرج من وجوده من يشبهه، ليس واحداً بالضرورة، ربما أكثر، يتجه كل منهم صوب جهة، صوب نقطة ما يصعب تعيينها، يتفرق صوب ما لا ندركه أثناء اكتمال الوعى والصحة، عند وقوع هذا الحال، عليه أن يمتثل وأن يلزم.
وصول
قال خالد إنه عاين العنوان الجديد، تعرف عليه قبل أن يطلع المطار، قال إنه تسبب فى تعبه، قال خالد إنه ينتظر قدومه بسرور، كذلك ابنه رفع من صوته المتعب متسائلاً: كيف حال مصطفى الآن؟، قال إنه فى مصر آن الوقت يشوف جده وجدته وأخواله وأعمامه.
يلمح المسجد الشيعى، قائم الآن إلى يمين الطريق السريع، القبة مكسوة بخزف أزرق، الأسلوب الإيرانى فى تكسية الجدران والقباب، الآيات القرآنية منسوخة بخط جميل، ظهوره إلى يمينه يعنى بدء المعالم النيويوركية المألوفة له عندما يراه إلى يساره فى رحلة العودة، يعنى هذا اقتراب المطار، إنه موقن الآن برؤيته مرة أخرى، ما زال فى بداية الطريق، أما الجراحة التى طلبها طبيبه فى القاهرة فمحفوفة بمخاطر لا يعرف مداها، تغيير صمامين أمر ليس بالسهل، منهما الأورطى رغم تساوى الأهمية لجميع أجزاء القلب، شرايين أوردته صماماته، إلا أن الأورطى يثير خشيته ربما مصدر ذلك الروع اسمه أو وفاة صاحبه الحميم محمود منذ عامين أثناء إجراء جراحة لاستبدال هذا الصمام فقط، فما البال إذا كان المطلوب تغيير الصمام الميترالى أيضاً وثلاثة شرايين بدلاً من أولئك الذين تم تركيبهم فى الجراحة الأولى.
خالد يلزم الصمت عند الوصول إلى كوينز يتجه يساراً لا يكمل الطريق المؤدى إلى مانهاتن عبر الجسر الممتد فوق الإيستاريفر، تعرف إلى خالد مصادفة منذ ثلاثة أعوام جاء فى زيارة إلى ابنه. ذات عصر نزل قاصداً مكتبة ستراند التى اعتاد التردد عليها للتزود من طبيعة المكان الذى يجسد من خلاله زمناً منقضياً بعيداً يعيد إليه بشكل ما سور الأزبكية زمن اكتماله عندما كان المشى من قصر الشوق إلى ميدان العتبة نزهة يومية، أما ميدان الأوبرا بأشجاره وتمثال إبراهيم باشا فمحطة للترقق والبهجة، اختفى السور الآن بعد انتقال الكتب وتشردها عبر سنوات فى أكثر من مكان، وعندما أصدر المحافظ قراراً بعودة الكتب لم يعد الحال، لا شىء يعود إلى ما كان عليه لا شىء لكى تستجد أشياء لا بد من اختفاء أخرى، عندما ترجل من الحافلة على ناصية الشارع الثالث عشر المؤدى إلى برودواى حيث المكتبة، فوجئ بمن يناديه، ينطق اسمه، للحظة تعجب ما هذا.. هل يتبعه أحد؟، ما زال هاجس المطاردة يقتفيه باستمرار ثمة توقع لمداهمة ما آثار الستينات ما قبل الاعتقال وما بعده.
سائق العربة مصرى يعرف ملامحه مع التليفزيون، برامج الفضائيات التى يحرص المصريون المقيمون على رؤيتها ومتابعتها، رابط قوى بالأصول هناك، ركوبه إلى جوار خالد ذلك العصر بداية صلة دامت عندما وصل إلى المكتبة تمنى خالد الرؤية وتكرر ذلك كثيراً، أصبح مألوفاً أن ينتظره عند القدوم، أن يصحبه عند الذهاب، إنه قارئ جيد أيضاً من المعتاد أن يأتى له ببعض العناوين، يتصل الصمت بينهما هذه المرة رغم دعوات خالد بتمام كل شىء على خير، يعرف الظروف كلها هذه المرة.
تساءل عن الفرق بين المسافتين من المطار إلى الشارع الخامس والأربعين فى مانهاتن من المطار إلى السكن الجديد فى ويليامزبرج.
يقول خالد إنه الآن أقرب فرق عبور النهر والزحام هناك يتطلع إلى أبراج مانهاتن التى تبدو من هنا متقاربة. كأن بعضها يخرج من بعض. عمارة كرايزلر. الآن بعد اختفاء البرجين تعد الأعلى ارتفاعاً على مسافة محدودة الأمباير ستيت عمارة الثلاثينات ما بعد أو أثناء الأزمة الاقتصادية الكبرى التى طالت آثارها مصر وعرفت بسنوات الكساد.. عاش منذ عام بداية الأزمة الاقتصادية الكبرى لكنها لم تصل إلى حدة الثلاثينات، محاولة الخروج والتأكيد على قدرة النظام وإمكانية التجاوز تتجلى فى العمارة، العاصمتان المتناقضتان فكرياً معظم القرن المولى تتشابهان معمارياً، هكذا أيقن بعد إقامته المتقطعة فى نيويورك وطول تجوله بها وتفحصه لها. إنها عمارة الجبروت الواجهات السامقة المداخل المهيبة، هنا الإمباير وهناك عمارات ستالين السبع، أما مصدر دهشته فالمساكن الخاصة بالعمال والفقراء، هنا يغلب عليها اللون الأحمر، غير أنها فى الصدارة، على حافة النهر، هناك من اللون البنى الفاتح، النوافذ متكررة، متشابهة، هنا فى أماكن بعينها، هناك سائدة، متساوية، لكم تأمل الواجهات فى كل مكان حل به، يحاول النفاذ إلى ما وراءها.
يتجه الطريق محاذياً للنهر، الشمس ساطعة، خالد يرتدى قميصاً بنصف كُم أما هو فجاكت صيفى خفيف عند السفر يحتاج إلى جيوب داخلية ليضع جواز السفر والنقود فيما يتصور أنه مأمن.
يتجه إلى ذلك المشهد الذى ظهر فجأة، شواهد قبور متراصة وسط خضرة متصلة وبعض أشجار عتيقة متناثرة ربما بقايا غابة جرى استئصالها. تمضى السيارة عدة دقائق محاذية لمدينة الموتى تلك، إذن.. الحفاوة بالموت ليست مقصورة على المصريين، ينتابه الإحساس بأنه يمشى على طريق صلاح سالم حيث مقابر الخفير على مدى البصر يميناً ويساراً، ما جعله يطيل التحديق، هنا تَوحُّد المقابر مع الإيست ريفر. إنه جزء من المحيط، خليج يسمى نهراً لقوة الشبه، محفوفية الماء للمثاوى أثارت عنده أموراً تستعصى على التفسير، يزم شفتيه هو من لا يدرى ما ينتظره، ربما يدرك خالد ما يجول عنده، لكنه سائق يعرف أصول المهنة مهما بلغت درجة الحميمية بينه وبين الزبون، ثمة مسافة يجب أن تظل خاصة عند لواح المكامن وانكشاف السرائر.
هذا المدخل إلى ويليامزبرج سيكون أحد الطرق التى يسلكها عندما يقصد مانهاتن أو يعود منها، إضافة إلى المدخل الجنوبى القادم من الجسر الحديدى العتيق القائم منذ سنة ثلاثة وتسعمائة وألف.
خالد يعرف المسالك، طرق الاقتراب، خاصة أن بعضها ذو اتجاه واحد، يتقن المعالم، يعمل ليلاً يقول إن شغل الليل أفضل، يتجه إلى النهر إلى الحد، المكان اسمه الحد، عمارتان حديثتان، واجهات زجاجية فى مواجهة مستطيل أقدم نوافذه مستطيلة يوحى بالإدارات الحكومية أو السجن، المبانى حديثة تبدو منفردة بعيدة عن المنطقة التى لاحت من العربة العتيقة. يتوقف أمام البوابة الحديثة هنا سوف يقيم إلى حين سفره إلى المستشفى وما هو متوقع.
حد
لا توجد أسوار، لا أبواب مؤدية، غير أن وعيه المتنامى بدأ يقربه ويرسى الألفة عند الوصول، لا تبدو التفاصيل أو العوامل والأسباب التى تنفر أو توالف. شيئاً فشيئاً تسفر العناصر المكنونة عن ذواتها، وأحياناً يستعصى الأمر كله.
ثمة لحظات منذ أن بدأت أسفاره يخشى استعادتها لشدة ما عاناه من وحشة رغم مرور نصف قرن لا يمكنه الاستكانة إلى لحظة وصوله مدينة المنيا شبه منفى بعد أن صدر قرار نقله خلال أربع وعشرين ساعة تسليم نفسه -هكذا ورد فى المذكرة التفسيرية إلى الجمعية التعاونية بالمقر- إنها المرة الأولى التى يتغرب فيها مضطراً وقسراً بداية عام أمضاه هناك فى هذه المدينة التى كانت هاجعة، خلو فى ذلك الوقت، رغم توالى السنين فإنه ينقبض عندما يتلفت إلى الوراء تجاه لحظاته المندثرة تلك. ياه.. ما أسرع فوات الوقت، تنتابه دهشة كأنه يدرك ذلك أول مرة، يترقرق ما عنده ويقيم ما حوله، لكَم تحمل وشقى كأنه لم يتوقف عن العدو طوال ذلك الزمن يقصى عنه أى ملمح من الإقامة هناك. عرف الوحشة ذاتها فى أماكن نزلها بخياره. منها ذلك الشهر الذى أمضاه فى برلين رغم أنه كان يقيم فى قصر أحتل منه غرفة مريحة لكن لم يقع ذلك التواؤم لماذا قبل الإقامة فى ذلك العام؟ يجب أن يعترف بفقده الكثير من الوقت لرغبته فى الترحال وشدة توقه إلى الانتقال والوقوف على كل غريب عنه، وُفق أحياناً وضل أخرى، كثير من الأمور كان ممكناً أن تكون أفضل يرى وضعه خلال كل ما مضى راكضاً لاهثاً، أما الآن فله وضع الحائر المتلفت إلى كل جهة، بينما تتساوى عنده كافة الأشاير يجىء للمرة الثانية مدفوعاً مضطراً، صحيح أنه فى ظروف أفضل، الأسرة كلها هنا بعد أن قطعت زوجته قدراً طويلاً من العلاج الموجع القاسى ثم يحين الحين بالنسبة له يكتمل الشمل منذ أبريل الماضى لكن الفرق أنه فى المرات السابقة جاء وموعد الإياب واضح مرتب، الآن يقف على هِوْ، لا يعرف ماذا سيجرى ومتى يحين أوان الرجوع طبقاً للترتيب أمامه حوالى ثمانية عشر يوماً فى ويليامزبرج، ثامن أغسطس يطير إلى كليفلاند للمرة الثانية يقصدها بعد أربعة عشر عاماً موعد الجراحة الثامن عشر لكن ماذا سيجرى فيها؟. هذا ما لا يعلمه حتى الآن.
فى المرحلة الأخيرة صوب المجهول يدقق المرء فيما يراه ويسمعه، فيما يرد عليه من أفكار وأحاسيس وبواده وهواجم، يتوقف أمام ما كان يعبره من قبل، وعند ما لم يعبأ به يوماً، يتنقل بين يوم وآخر بحدقتين واسعتين إلى الداخل، تجاه الخارج، يتوقف عند تلك الألفة بالمكان، لا يتعلق الأمر بتمام العائلة، اكتمالهم عند المساء، تناولهم العشاء معاً تلك الأوقات التى تشهد نشاطاً حميماً من زوجته.
صحيح أنه لا توجد أسوار، لكن المكان محدد مؤطر باللامرئى، هذا أول ما بدأ يدركه مع تقدم الاستيعاب وتصاعد الإدراك، تحدد المكان يعنى تلاقيه مع القاهرة القديمة التى فتح بصره على الوجود فيها، رغم اتصالها وانطلاق شوارعها وطرقاتها فإن تحديد المخارج والمداخل الرئيسية والثانوية سهل يسير، الأسوار قائمة لكنها لا ترى، هنا.. إلى الجنوب يقوم الجسر الضخم المشيد عام ثلاثة من القرن الماضى، يمر فوقه قطار الأنفاق، به ممران للمشاة المشيد فى الشرق. الطريق السريع الواصل بين بروكلين وكوينز جاء منه أول يوم لكنه لم ينتبه إليه إلا بعد انقضاء مدة، مجرد ظهور العربات المسرعة فى نهايات الشوارع يعنى الحد النهائى، انتهاء ويليامزبرج هناك، يوجد مدخل للقادم عبره يؤدى إلى الطريق السريع، إلى شارع المتروبوليتان، كلاهما على الحافة، يختلف الأمر إلى الشمال، البيوت متصلة، متشابهة ولكن الوعى بالانتقال بين مكانين متباينين موجود، قوى، ربما لانتهاء الملامح المميزة مثل البارات والمطاعم الصغيرة والمسارح الليلية، لكن هذا كله لا يعلن عن طبيعته، بل إن بعضه مموه، لا يدركه إلا إذا وقف أمامه، لا توجد لافتات مضيئة أو حروف ضخمة، إذا وجدت لافتات فمتواضعة صغيرة الحجم، بعد الشارع بيوت فقط، عندها ندخل إلى الجرين بوينت، هنا يجرى اجتياز حدود غير مرئية، ما مصدر الوعى بالاجتياز؟ لا يمكنه التفسير، ثمة لا مرئى ينبع من محصلة تجارب سابقة، يستعصى على الرصد والتحديد، لكن طبقاً لتراث الفرد وطبيعة مسيرته يمكن استنتاج أسباب ربما يصح بعضها أو يضل، كم من أمور سيرحل بدون أن يفك طلاسمها أو يقف على مشارفها، الشوارع مستقيمة، متقاطعة، المرور يمضى فى اتجاه واحد بكل منها، اثنا عشر شارعاً بالأرقام، تتقاطع معها شوارع عرضية لكل منها اسم، أهمها بدفورد ملخص الموضوع كله وجوهر القصة.
أثناء إنزال الحقائب لاحظ أن العمارات الحديثة المشيدة هنا لا صلة لها بمعمار المبانى المطلة على الطرقات، مجملها قديم، عدا تلك العمارات التى يرتفع بعضها إلى ثلاثين طابقاً، يتفحص كل ما يحيط به ما يبصره ولا يستقر عند نقطة بعينها.
إنه عابر مهما طالت الإقامة لن تستمر فما البال والمغادرة محدد لها بعد حوالى أسبوعين، إنه غريب، والمكان للقادم من بعيد وضعه وأحواله، المكان الذى يبلغه الهائم يحوى أماكن أخرى، توجد ولا توجد تخصه هو فقط، لا يعرف من يعيشون قربه ومَن تقع عليهم أبصاره إنه ربما يمضى إلى الأبد، إنه يحوى أمكنة أخرى بعضها يحدد صلته بهذا الموضع، تتداخل عنده ويمضى عبرها إلى اللاشىء، منها ما يغضن ملامحه ويضيق حدقتيه عند مثولها بالخاطر، يهمى عليه ذلك الهيمان، اليوم الأخير قبل سفره، مروره بمواقع الذكريات لعله يمسك بقبس مما كان، جاء شقيقه إلى مقهى الفيشاوى القديم، أمضيا وقتاً قصيراً، بعد مروره بشارع قصر الشوق، ودرب الطبلاوى والدرب الأصفر ومدرسة عبدالرحمن كتخدا وسبيل أوده باشا، ولقائه بزملاء الطفولة فى حارة سيدى معاذ، وجثوه عند ضريح الحسين، لم يعد ثمة ما يفعله، لم يقم بهذا الطواف لرؤية الواجهات التى يعرفها، إنما لعله يأتى بقبس من نهارات أمضاها، وليالٍ قضاها، وموسيقى أصغى إليها.. وطعام تاق إليه، وروائح يعرف أنها لن تتردد، لن تلامس حاسة شمِّه، لكنه لم يقطع.. لعل وعسى.
كان شقيقه يريد أن يبقى معه لكن لا بد من افتراق عند تقاطع شارع الأزهر والخليج جرى ذلك، لمح النظرة التواقة فى عينى إسماعيل كأنه يتطلع إليه من الضفة الأخرى، من أبراج مانهاتن، النظرة قائمة لكن تصدر عن لحظة وموضع ليسا هنا، وهنا أيضاً، فى غور بعيد من ثنايا الروح المحومة، الهائمة الآن هو العابر هو الحائر هو من لا يعرف إلى أين؟ ما ثنايا المرام، ما غاية الكلام والتوق؟ لا يدرى أين سيكون الشهر القادم، فى مثل هذا اليوم، هذه الساعة، تلك اللحظة؟، اليوم سيصبح غداً الأمس، وبعد غد مصيره إلى ما انقضى، كاذبة مضللة مسميات الوقت، وما نتوهم أنه أسماء للأجزاء المتخيلة، اليوم هو الأمس الغد هو اليوم، لا اليوم باق ولا الغد ماكث، والجهة التى يمضى إليها هذا كله مجهولة، أين وجهة هذا كله؟ أين ما كان منه؟ إنه يقف عند الحد فعلاً ومعنى، كاد يعقد حاجبيه دهشة عندما قرأ اسم الطريق، الحد، إنه اسم الموضع الذى قامت فيه العمارات الحديثة تلك، الحد بين ما كان من الموضع وما سيكون، حد الأرض، حد الماء، حد الحد أخيراً يبلغه ليمكت ويقلع معاً، سافر كثيراً وتنقل أكثر، آن له أن يهدأ، أن يقارب الحد، يعرف الآن أنه تعدد القصد، أنه سعى إلى شتى الجهات سافر كثيراً طى سفره هذا، لا يعرف البداية ويجهل النهاية، أليس من الظلم أن يعبر الإنسان هذا كله ويولى، يتفرق، يتذرى بدون أن يدرك من السر ولو قبس، بلوغه الحد هنا مبدأ ومعاد، فاتحة لمقاربة البداية ودنو وشيك من مختتم يخصه، ذلك سعيه وحسبه أيضاً، ومن كان حاله هكذا يصير غريباً موشكاً، من هنا يتخذ داخله وضع الغريب، التحديق إلى كل صوب، الخشية من الهواجم، الخطو المتئد لجهله بالمرافئ والدروب المؤدية ومواطئ الأقدام غير المرئية، ذراعاه ممتدتان، مرفوعتان موشكتان على طلب عون واستجداء مساعدة، لكن.. ممن؟ لا يمكنه التحديد، متطلع أمامه وخلفه، غالب عليه الدهشة لمرور الوقت بهذه السرعة، هذا الطى الشبيه بالمباغتة، بلوغه الحد مع استحالة النكوص، الأسرة كلها عند الحد منذ استيقاظ رفيقة دربه منذ عام لتجد فى صدرها ما يشبه ثمرة بطاطس راقدة، لم يكن ذلك إلا بداية هجاج وآلام نال فيها كل منهم نصيبه المترع.
سيظل دخوله إلى مسكن ابنه الجديد ماثلاً، لم ينقضِ على انتقاله بصحبه أمه وشقيقته وزوجها إلا ليلة واحدة، ابنته فى السابع، محمد فى الثامن، هكذا كان حالهما فى المبنى القائم هناك على مقربة من مقر هيئة الأمم، كان يفصل بينهما طابق واحد، السابع عشر، المكان هناك صغير، معتم، هنا يفيض بالضوء، الجدران زجاجية، لم يتم تركيب ستائر بعد، تذكر نطق محبوبة هامت به وهام بها، كان ذلك فى باريس، عندما أشار إلى النافذة المفتوحة، قالت جازمة، منبهة، ملقنة:
«هنا لا يتطلع أحد إلى أحد».
وسط الصالة مستطيل من رخام يذكره بالنصبة فى المقاهى القاهرية، يتوسطه حوض، مثبت فيه بوتاجاز وفرن كهربائى.
تقف رفيقة سعيه باسمة، شعرها الغزير ينبت مرة أخرى بكثافة، لاحظ أنه أقصر، لم يدر، هل تلك طبيعته بعد ظهوره أم أنها أعدته هكذا، تعانقا على استحياء، هكذا هو يضمر أكثر مما يظهر، كثيراً ما يصمت معتمداً على النظر والملامح راجياً أن تنوب عما لم ينطق به.
البيت كأنه معلق فى الفراغ، مفتوح على السماء الدانية، على امتداد البصر ينطلق الشارع، عرف فيما بعد أنه رقم أربعة، ما من بنايات مرتفعة أمامه، فقط مبنى إلى الشرق يبدو غريباً فيه عشوائية بقدر، قال بلا نطق: حتى هنا، يمكنه رؤية الإيست ريفر من الجانب الرئيسى الممتد، فيما بعد سيرى من بيت ابنته المطل على النهر مباشرة مشهداً يحتوى الماء والأرض ومانهاتن كافة، منذ اللحظة الأولى جرى بينه وبين المكان تفاعل، تقبله ومال إليه، الأماكن لها رد فعل أيضاً، هكذا اقترن بالموضع، تشارحا وتبادلا، يأخذ ويعطى كذلك الجدران، كان يرغب فى تحديد الجهات، خاصة المحيط الذى عبره وما زال يذكر مواضع انفراجات الغيوم، تجاعيد الموج تدركه رغم الارتفاع المبين، يستدعى هنا مقبرة الفرعون حور محب، القائد العسكرى الذى اعتلى العرش بعد الفوضى التى أحدثها أخناتون، وضعف توت عنخ آمون، وغدر الكاهن آى، على عمق يتجاوز السبعين متراً، فى غرفة الدفن حفر الكهنة علامات تشير إلى الجهات الأربع الأصلية، تحديد الصلات مع علامات الكون من نجوم ومجرات وسدم، شغل القدماء وانتقل إليه، لو أنه فقد الاتجاه خلال طيرانه ينتابه دوار، لذلك يظل متيقظاً حتى لو طال الإبحار جواً أو براً، حتى المرات القليلة التى أبحر خلالها انشغل بتحديد الاتجاه، سواء فوق السطح أو تحته على عمق غير هين، حيث شمله اللون الأزرق الذى أضاء بأشعة الشمس، لن يختلف الأمر فى ويليامزبرج.
عصر ذلك اليوم رغم إرهاقه نزل مع زوجته وابنته، مشى خطواته الأولى فى المكان الذى كان أحراشاً فى الزمان القديم، ثم أقامت به قبيلة هندية قبل أن يجىء المهاجرون الأوروبيون، وينشئ أحدهم مزرعة فى القرن السابع عشر، جاء إليه بولنديون ومجريون وأمريكان لاتين ويهود بعد صعود النازى إلى الحكم، وغجر رحل، ومن لا مأوى لهم بينهم مصرى سمع عنه ولم يلتقِ به، سيظل يذكر بدهشة انطباعه الأول أن المكان شبه خلو، محو من المعالم والنشاط، لكنه كلما أوغل يتكشف له ما لم يتوقع وجوده، ما لم يتخيله فى البدايات، وما أشبه البدايات بعضها البعض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.