«ارحمونا»، كلمة تعالت بها صرخات الطالبات القادمات من المحافظات للالتحاق بالمدينة الجامعية فى الأزهر. فى اليوم الأول للدراسة، خلت المدينة الجامعية لطالبات الأزهر من ساكناتها اللاتى وفدن إليها من كل حدب وصوب، أمس، حاملات أمتعتهن، بصحبة الأهالى، بينما تكدست مئات الطالبات على البوابة المقابلة لبوابة المدينة حيث المدخل المخصص لدخول الجامعة، حيث أغلق الأمن نصفها بينما فتح النصف الآخر للدخول تحت حراسة 4 من أفراد الأمن وسيدة. يشتد الزحام منذ السابعة والنصف صباحاً، فتتعالى توجيهات أفراد الأمن، وتحذيراتهم للواقفين، ويطالبون أولياء الأمور بالابتعاد، لأن الدخول يقتصر على الطالبات. على بُعد خطوات، وفوق سور الجامعة، يقف مجموعة من العمال، يستكملون تركيب سياج من الحديد أعلى السور، وعلى الرصيف المقابل تفترش مجموعة من الطالبات الأرض بعد أن طال انتظارهن، أمام البوابة وعجزن عن الدخول بسبب الزحام. طالبات كليات الدراسات الإنسانية، والدراسات الإسلامية، والتجارة، والطب، والصيدلة، والعلوم، والأسنان، والهندسة، وقفن فى انتظار دورهن للدخول للجامعة، وافترشت الطالبات وذووهن الأرصفة بين المدينة وسور الجامعة، حيث خلت الطرقات من أفراد الأمن سوى مرور بعض الأفراد على فترات متقطعة بين الحين والآخر. دينا محمد، طالبة بالفرقة الخامسة بكلية الطب جامعة الأزهر، لم تذق طعم النوم منذ أمس الأول استعداداً لرحلة شاقة تبدأها من قريتها فى محافظة الدقهلية وصولاً إلى جامعتها، تقول: «طالعين من بيتنا الفجر عشان نلحق نوصل، وكنا عاملين حسابنا نسكن بعد ما قدمنا، ملفات المدينة منذ أكثر من أسبوعين، كنت متوقعة يكون فى زحمة أول يوم بسبب الطالبات الجدد، وتنظيم عملية دخولهن، لكن متوقعتش يكون المنظر بالشكل ده، أنا عندى محاضرات بدرى ولحد دلوقتى مش عارفة أدخل، ولا أوصل حتى للبوابة، غير إن عندى امتحان باطنة كمان أسبوعين، وبالشكل ده مش هاعرف أدخل الجامعة، ولا أسكن وهارجع تانى بلدنا، ولا هادخل الامتحان لأن لو نسبة غيابى تجاوزت 25% بمعدل 3 أيام خلال الأسبوعين هاتحرم من دخول الامتحان، وبكده مفيش قدامى غير إنى أضحى بالامتحان، لأنى مش هاقدر آجى كل يوم من بلدنا الفجر، وأخلص محاضراتى الساعة 5 وأرجع البلد، هاذاكر إمتى، وأعرف أرجع تانى يوم إزاى؟!». تتابع «دينا»: «حتى لو قدّر أساتذة الجامعة ظروفنا، إننا من الأقاليم، والمدينة مقفولة، ومفيش عندنا سكن إحنا اللى هندفع الثمن لا هنستفيد حاجة ولا هنتعلم جديد». بملامح ريفية بدا عليها آثار التعب، وقفت إيمان عبدالله، طالبة فى كلية طب الأسنان بجامعة الأزهر، على الرصيف المقابل لبوابة الدخول حاملة فى يدها حقيبة سفر كبيرة جاءت بها من بلدتها، وضعت فيها ما يكفى من المأكل والملبس لمدة أسبوع على أمل أن تفتح المدينة أبوابها لاستقبال الطلبة القدامى، وأن تنتهى من إجراءات تسكين الوافدين الجدد، ليصدمها المشهد فقد أبت المدينة فتح أبوابها بينما فتحت الجامعة نصف بوابة الدخول، وخضعت الطالبات لتفتيش ذاتى، وتقول: «المسئولون يحاولون السيطرة على الجامعة عشان مفيش حاجة تحصل، بيقرصوا ودانا عشان يفهمونا قيمة المدينة، والطلاب متعملش مظاهرات، لكن مش ده الحل، ولا دى الطريقة اللى تمرمط وتعاقب أكثر من 6 آلاف طالبة بسبب شغب هما مش جزء منه ولا ليهم ذنب يتحملوا نتائجه». وتقول داليا عبدالرحمن، طالبة بالفرقة الثانية جامعة الأزهر: «حرام يعاقبوا البنات مثل البنين، إحنا مش بنعمل شغب ولا قلق زيهم ليه نتساوى بيهم ويعاقبونا، لما نكون داخلين كليتنا نتعلم، نتعامل كأننا داخلين ثكنات عسكرية، إحنا كل سلاحنا كتاب وقلم، تركنا أهلنا وجينا لكى نتعلم، قالوا هيكون فيه تنظيم، وبوابات إلكترونية، ولم نرَ شيئاً، لا تجديد فى المبانى ولا الصيانة، كل الذى رأيناه، أسوار بتعلى، وتعلى، وعلم مصر على المبانى». على الرصيف المقابل للجامعة وبجوار سور المدينة جلس محمد إسماعيل هاشم، من محافظة البحيرة، مرتدياً جلباباً ريفياً بسيطاً وإلى جواره حزمة من الأمتعة، حقيبة سفر، وحقيبة بلاستيكية وضعت بها بعض الأغطية الخاصة بابنة أخته «إسراء محمد» الطالبة بالفرقة الأولى بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر، يحاول الاتصال بها بين الحين والآخر للاطمئنان عليها بعد أن منعته قوات الأمن من الدخول معها لاستكمال أوراقها داخل الجامعة.