مصطفى النحاس، الزعيم الوفدي الأشهر والذى تحول لقبه إلى أسم لأحد الشوارع المطلة على البوابة الرئيسية لمدينة طلبة جامعة الأزهر، لم يكن ليدرك أن لقبه سيتورط في مشاهد وأحداث عنف في القرن الحادي والعشرين، فالرجل الذى يحسبه التاريخ أحد زعماء الحركة الوطنية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي كان منهجه ''السياسة'' لا ''العنف''. المشهد مدرعات أمام مدينة الطلبة، قطع من الطوب الملقى على الأرض، سيارات تسير في اتجاه واحد، تجمع من عدد من المواطنين الفضوليين، بين آن وآخر يدوي في فضاء الصمت صوت مكتوم يصحب عُلبة معدنية تخرج من فوهة بندقية يصحبها ذيل طويل من غاز يلهب الأعصاب والحواس، تندفع ''القنبلة'' إلى داخل مدينة الأزهر، تسود لحظات من الصمت يعقبها تهليل من داخل ''المدينة المحاصرة''، تمر دقيقة ويكرر المُحاصِرون فعلتهم، قنبلة تلو الأخرى تحول الهواء إلى سم يتسبب في تشنج الأنوف وإسالة الدموع.. هنا المدينة الجامعية. ''اللي بره مش عارف يدخل واللي جوه مش عارف يخرج''، يقول أحد الطلبة الواقفين لمتابعة الأمر من خارج أسوار المدينة الجامعية، الطالب القادم من صعيد مصر والذي يدرس بكلية الهندسة يؤكد أن ما يحدث ''خاطئ تماماً''، فالأمن يتعامل مع الطلبة ''زي العبيد'' وكأنهم ''بلا حقوق''. ''مهندس المستقبل'' يؤكد أن الغاز لن يرهب الطلبة فالحل في ''التفاوض والاستجابة إلى مطالبهم''، على حد قوله. حائط يمتد لمئات الأمتار يحيط المدينة كما يحيط السوار بالمعصم، بارتفاع يزيد عن ثلاثة أمتار وعرض يقل عن نصف متر، أصبحت مهمة الدخول إلى المدينة عسيرة، إلا أن مجموعة من الطلبة فضلوا الدخول بمغامرة غير مأمونة العواقب، تسلقوا الجدران، على يدين وقدمين، زحفوا للوصول إلى مكان سُلم معدني يمتد على السور الداخلي للمدينة لمساعدة ''النازحين والهاربين والداخلين والخارجين''، على حد قول أحد الطلبة، والذي يؤكد أنهم وضعوا السلم المعدني على السور لمساعدتهم على ''الهروب لو الأمن دخل، أحنا مش مع دول ولا مع دول، بس العساكر مش بتفرق''. داخل المدينة تبدو الأجواء مختلفة، فأمام مطعم خاص داخل المدينة الجامعية، تجمع عدد كبير من الطلاب، تتصاعد رائحة ''الطعمية'' من داخل ''طاسة'' يغلي داخلها الزيت، ينتظر الطلبة لحين اكتمال نضوج الأقراص، يتناولونها ساخنة، يتبادلون النكات، يضحكون، تنهال قنابل الغاز، يتفرقون ثم يتجمعون ''اتعودنا على كده'' يقول محمود كامل، بلكنة صعيدية ثقيلة. يتابع الحديث ''بقالنا يومين على دا الحال''، يصف الشاب الذى يدرس بكلية الطب ما حدث ''من يومين بدأت العملية نسر بتاعت جامعة الأزهر، اقتحموا الجامعة وسحلوا الطلبة وكله تحت إشراف رئيس الجامعة''. يؤكد الشاب أن ما يحدث في جامعة الأزهر ''شيء مخزي ومؤسف''؛ فكيف يكون للأمن صلاحية الدخول إلى ''الحرم اللي زيه زي الجامع أو الكنيسة؟'' ''أحنا مش إرهابين ولا كلنا إخوان'' يقول أحد الطلبة أثناء قطعه لفرع شجرة لإشعال النيران فيه مستطردا ''أحنا بنولع في فروع الشجر عشان الغازات''، الطالب في كلية العلوم، والذي رفض ذكر أسمه، يؤكد أن الانتهاكات التي تحدث لطلبة جامعة الأزهر ''لا يجب السكوت عنها'' متهماً الإعلام ب''الإجرام'' وعدم الحيادية في نقل الحقيقة ''بنسمع في القنوات أن الاحتجاجات عشان مرسي والشرعية والحقيقة غير كده خالص''. ''الإفراج عن المعتقلين من الطلبة، وإعادة الكرامة للطالب الأزهري وعزل رئيس الجامعة''، هي مطالب الطلبة، على حد قول حازم السيد، الطالب بكلية علوم جامعة الأزهر ف''اللي حصل صعب يعدى بالساهل''. قبل يوم، كان حازم يتابع محاضرة داخل أحد المدرجات ''فجأة لقينا هجوم من الأمن''، حاول أستاذهم التحدث مع الأمن ''فضربوه بالقلم''، على حد قول الشاب، الذى يؤكد أن الداخلية قامت باعتقال عدد كبير من الطلاب من داخل المدرجات. حسب شهادات الطلاب، فإن الداخلية تحاول السيطرة على الطلبة داخل الحرم الجامعي، ويؤكد العديد منهم أن اقتحام المدرجات ''أصبح منهج للأمن''، مشيرين أنهم غير أمنين داخل محراب العلم ''متوقع الموت في أي لحظة وأنا داخل الجامعة'' يقول إبراهيم الطالب بكلية الصيدلة. ويؤكد طالب الصيدلة أن القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية قامت باقتحام المدرج والتعدي على أستاذ جامعي ب''الشلاليت''.. وبحسب الطالب فإن تصريحات شيخ الأزهر ورئيس الجامعة أعطت الداخلية الضوء الأخضر ل''انتهاك الطلبة وسحلهم وترويعهم''. ''جميع الأنشطة الطلابية تم حظرها''، يقول طالب الصيدلة، معقباً على حل أتحاد طلاب جامعة الأزهر المنتخب، مشيراً إلى أن الوضع في الجامعة أصبح ''مُزري'' وأن الأعلام يصور الطلبة وكأنهم ''شياطين''، مقارناً ما يحدث في جامعته بالاحتجاجات في جامعة القاهرة ''هناك مات طالب واحد ورئيس الجامعة- جابر نصار- أدان مقتله وحمل الداخلية الذنب، هنا مات 4 طلبة ورئيس جامعتنا –أسامة العبد- أعتذر للداخلية على عربيات الأمن المركزي اللي ولعت''. سياسية أم لا سياسة ''السياسة ملهاش مكان جوه الجامعة''، يقول الطالب بكلية التربية معقباً على ما يحدث داخل جامعة الأزهر ''أنا أهلي بعتيني عشان أتعلم مش عشان أتظاهر''، هكذا يرى الطالب الأمر معترضاً على ''المظاهرات اللي بتطلع كل شوية'' مؤكداً أن الأمن يحاول ''لم الموضوع والسيطرة على الطلبة عشان ميحرقوش الجامعة''. ويؤكد طالب التربية أيضا أن عدد كبير من الطلبة ''عايزين الأمور تهدا عشان الامتحانات قربت''، يؤكد الشاب العشريني أن والده قام بالاتصال به وحثه على العودة إلى بلدتهم القابعة في أعماق الصعيد ''قالي ولا تعليم ولا زفت، تعال بدل ما ترجعلي جثة، ده يرضى مين''. على النقيض، يؤكد أحد طلبة كلية الزراعة أن السياسة دخلت الجامعات منذ الاحتلال البريطاني ''بس العساكر الإنجليز عمرهم ما اقتحموا الجامعة''، ويتساءل الطالب عن كيفية إكمال الدراسة ''تحت بنادق العساكر''، مشيراً إلى أن الدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر قرر تقديم موعد الامتحانات ''عشان نخلص قبل 25 يناير، رغم أن الكليات بدأت دراسة متأخر''. داخل المدينة الجامعية، ورغم عنف قصف القنابل المسيلة للدموع تستمر الحياة، ورغم غياب الموظفين والأمن الجامعي إلا أن الطلبة ''عايشين'' على حد وصف طالب كلية اللغة العربية، والذى يؤكد أن الحل يكمن فى ''التفاوض وخروج المعتقلين'' مشيراً إلى أن طلبة الأزهر أصبحوا يد واحدة في مواجهة ما أسماه ''إرهاب النظام الحالي''. لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمةمصراويللرسائل القصيرةللاشتراك...اضغط هنا