بمناسبة العام الدراسى الجديد وترقب الوطن كله لما سيجرى، ناديت بأنه لا بد من أوعية طلابية جامعية تستوعب حقوق الشباب وواجباتهم، فيما يخص الشأن الوطنى العام، الذى يتجاوز الجانب السياسى الحزبى وغير الحزبى إلى جوانب أخرى أكثر رحابة وجدوى، وهى قضايا المجتمع بوجه عام، سواء كانت تحتاج جهداً عملياً أو عقلياً أو كليهما معاً، واقترحت صيغة نوادى الفكر والجمعيات التى يشكلها الطلاب، حسب رغباتهم وهواياتهم... إلى آخره. وأظن أن الجامعة ليست طلاباً فقط، وإنما هيئة تدريس وإداريون ومعامل ومكتبات ومبانٍ وحدائق وملاعب ومدن سكنية، ولا بد من الحديث عن المعادلة مكتملة. كنت وما زلت أتمنى أن يسمع المجتمع من الأساتذة والأساتذة المساعدين والمدرسين، والمدرسين المساعدين والمعيدين، كلاماً ورؤى وخططاً عن العملية التعليمية فى الجامعات قبل الليسانس والبكالوريوس، وفى الدراسات العليا، كما سمع منهم صوتهم الجاد فيما يتعلق بالحريات العامة ودور الدولة والأمن فى الجامعة. إن جميع المهتمين بأوضاع التعليم الجامعى فى مصر يعرفون أن أوضاعه الداخلية أو البينية متردية، ولا أريد أن أقول مزرية، رغم أنه الوصف الأكثر دقة. ولو أن هذا الملف فتح ويفتح بالجدية نفسها وبالاهتمام نفسه الذى عرفناه فيما يتصل بالقضايا السياسية لما تردى الوضع إلى الزراية، ولكنهم فيما يبدو يحجمون لأسباب متعددة قد يكون منها ما هو فى إطار المصالح «المذكرات والكتب ومكافآت الإشراف والامتحانات والإعارات والبعثات والإلحاق الثقافى وغيره»، وما هو فى إطار الحرج المتبادل، وما هو فى إطار النقص الذاتى، حيث إن فاقد الشىء لا يعطيه، لأن كثيرين من ذوى الصوت العالى سياسياً فى الجامعة هم من ذوى الكفاءة الناقصة علمياً وتربوياً، وربما فيهم من هو كفء علمياً وتربوياً، ولكن انغماسه فى الحركات السياسية والأحزاب يأتى على حساب مهمته العلمية والتربوية! ثم إن هناك قطاعاً من أساتذة الجامعة ابتلى بحكاية الانتدابات مثلما هو الحال لدى بعض رجال القضاء وعرفنا عشرات من محترفى الانتداب فى وزارة الثقافة وغيرها، ولا بأس عند بعضهم أن يضحى بالبحث العلمى ويبقى فى درجة مدرس أو أستاذ مساعد طالما هو منتدب رئيس هيئة أو مستشار، أو غيره، وليذهب العلم والبحث العلمى والطلاب إلى الجحيم، لأن المكافأة المالية والبرستيج والمنافع الجانبية تغطى على كل ما سبق، وكما يقول المثل الدارج فى أوساط محترفى المهام «أبجنى تجدنى»!، وبقيت حكاية الانتداب من الجامعة مريحة للوزراء، لأن المنتدب يمكن إنهاء مهمته بجرة قلم، ولذلك يبقى مؤدباً طيّعاً مطواعاً خادماً طوال الوقت، ولذلك لم نجد صفوفاً ثانية وثالثة فى وزارات بعينها تملأ الفراغ وتكون من أبناء الوزارة نفسها، الأمر الذى دمر تلك القطاعات وجعل الهم الأول والأخير لموظفيها الأصليين هو الحصول على أكبر حجم من المال والمنفعة، لأن وضعه الأدبى محكوم عليه بالجمود عند درجة معينة، حيث يملأ المنتدبون الدرجات الأعلى.. وباتت الجامعة والثقافة هما الضحية! ثم تأتى مسألة أخرى هى الانتداب أو العمل فى الجامعات الخاصة ونزوح خبرات واسعة من الجامعات الحكومية إلى تلك الجامعات الخاصة التى لا يرقى بعضها، إن لم يكن معظمها، للمستوى الحقيقى المتعارف عليه للجامعة شكلاً ومضموناً.. وللحديث فى هذه الكارثة بقية.