«وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق»، هنا توزَّع الرحمات بلا حساب، وتُغفَر الذنوب والخطايا ولو كانت مثل زبد البحر، على باب الرحمة ينتظر الملايين غفران ربهم، أتوا من كل حدب وصوب، مسلمين ومسلمات تائبين شاكرين حامدين الله على فضله ونعمه عليهم، تهليلات وتكبيرات لا تتوقف على أرض المغفرة، هنا ينتظر الحجيج يومهم الأعظم وعيدهم الأكبر، فى أعظم مناسك الحج حيث الوقوف بعرفة أو كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «الحج عرفة». يقفون على جبل عرفة فى خشوع، تحفهم الملائكة من كل جانب، تنهمر الدموع من هول عظمة الخالق (سبحانه وتعالى)، فى كل خطوة يخطوها الحجاج تحمل إليهم الملائكة رحمات ونور من رب العالمين: «على كل أفق بالحجاز ملائك.. تزف تحايا الله والبركات». تنطلق التكبيرات: «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك». تهز كلمات الحجيج أرض أم القرى وتصل صداها فى كل بقاع الأرض، يراقب الملايين مشهد الحجاج وطوافهم ووقوفهم بيوم عرفة، وتهتز القلوب فرحاً وأملاً فى اللحاق بهم. وعدٌ كتبه الله ل«عرفة» حيث يقف الحجاج فى اليوم التاسع من شهر ذى الحجة تلبية لدعوة الله عز وجل وتنفيذاً لأوامره، فمنذ أن أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم «وأذّن فى الناس بالحج»، قال: يا رب! وما يبلغ صوتى؟ قال: عليك الأذان وعلىّ الإبلاغ؛ فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبى قبيس وصاح: «يا أيها الناس! إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة، ويجيركم من عذاب النار، فحجوا»؛ فأجابه من كان فى أصلاب الرجال وأرحام النساء: «لبيك اللهم لبيك». فى يوم لا يعرف إلا الصفح، ولا يعرف إلا التسامح، صحيفة جديدة من الأعمال يشتريها الحجاج بدموعهم وقلوبهم الخاشعة، التائبة، وبدعوات لا تتوقف، وأمل لا ينقطع من رحمة رب العالمين، «فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ». فى كل عام يقصد الملايين بيت الله فى شهر ذى الحجة، ينتظرون يوم عرفة ليكتبهم الله فيمن عنده من التائبين المغفور لهم، فى هذا العام بلغ عدد الذين لبوا نداء الله سبحانه وتعالى بإتمام الركن الخامس من أركان الإسلام، وتأدية فريضة الحج ما يزيد على خمسة ملايين مواطن على اختلاف أعراقهم وأوطانهم، يتساوون أمام الله عز وجل، كل يطلب المغفرة وينتظر الرحمة ليعود كيوم ولدته أمه، خالياً من الذنوب والخطايا، آملين فى أن يجيبهم الله: «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتّبِعَانِّ سَبِيلَ الّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ».