ارتدى قميصه الأبيض، وودع أمه وهو ذاهبا للاحتفال بتخرجه مع دفعته في كلية تجارة إنجليزي بجامعة المنصورة، لتلاحقه أمه بقبلاتها ودعواتها، داعية الله أن يعوضها به، ليساعدها في تربيته شقيقه الأصغر كريم، قبل أن يقبل يدها وينصرف، لكنه أبدا لم يعد. داخل الجامعة؛ وقف الشاب محمد محمود عطية، صاحب ال22 عاما، ضاحكا، كعادته، أمام لوجو مُصمم في عام 2021، محتفلا بتقدير جيد، الذي حصل عليه بعد 4 سنوات من الدراسة، طامحا في مستقبل أفضل، وحاملا على عاتقه مسؤولية توفير حياة كريمة لوالديه البسيطين، لكن الريح جاءت بما لا يشتهيه «محمد». رصاصة طائشة على المقهى وفي الساعة الثانية من صباح الجمعة الماضي، وأثناء عودته إلى منزله، أطلق ملثمون النار على مقهى كان يجلس فيه بالقرب من منزله بقرية ترعة غنيم، التابعة لمركز شربين بالدقهلية، لكن الرصاص أخطأ طريقه وهدفه وقتله، بعدما أُصيب بطلقتين دخلت إحداهما من جانبه وخرجت من الآخر، وأصابته الأخرى في كتفه، ليرتدي الأبيض مجددا، لكن هذه المرة كان الكفن. نُقل «محمد» إلى مستشفى شربين العام، وهو يصارع الألم، لكن الموت صرعه وقضى عليه، وأعلن الأطباء وفاته، وأُودع في ثلاجة المستشفى، ودُفن بمقابر الأسرة بالقرية ذاتها التي شهدت أولى خطواته في الحياة وكذا رقدته الأبدية. مأساة جديدة للأسرة بعد فقد نجلها الأكبر في حادث قبل سنوات وُلد الشاب محمد محمود، عام 1999، وهو أول ابنين لوالديه، وأكبرهما، وله شقيق آخر يُدعى كريم، الذي أصبح وحيد والديه بعد وفاة شقيقهما الأكبر، في حادث مروري تعرض له في المرحلة الثانوية، قبل سنوات. وبحسب كريم، شقيق المجني عليه، قال إن شقيقه وصل من مركز شربين إلى القرية بعدما جاوزت الساعة 1 صباحا، وأحضر معه «سميط»، وطلب من «لمعي» مالك المقهى القريب من منزلهم، إعداد كوب من الشاي. ملثمون يمطرون المقهى بالرصاص وأثناء ذلك، وصل إلى المكان 6 ملثمين، يستقلون 3 دراجات نارية، كانوا مدججين بالأسلحة النارية، حيث أطلقوا النار على المقهى، لتصيب طلقتان محمد في جانبه وكتفه، ويلفظ أنفاسه الأخيرة، بينما أُصيب «لمعي»، المستهدف، بطلقات في الساقين. وتلقت النيابة العامة محضرا من الشرطة بالحادث، وأمرت بتشريح جثة محمد، لبيان سبب وكيفية الوفاة، كما طلبت تحريات المباحث حول الواقعة، وأمرت بضبط وإحضار الجناة، وجرت عملية التشريح في مستشفى المنصورة الدولي، التي نُقل إليها جثمانه، وشيّع المئات من أهالي القرية جثمان الشاب في جنازة مهيبة، حتى مثواه الأخير. شهادة لمعي وسبب استهدافه من الملثمين وبحسب أسرة محمد، فإن «لمعي» أدلى بأقواله في قضية تخص أقارب المتهمين بإطلاق النار عليه، وتسبب في سجن أحدهم لمدة 15 سنة، مما دعاهم للانتقام منه، إلا أنهم قتلوا محمدا بدلا منه. وقال كريم ل«الوطن»: إحنا مش عايزين غير حقه عشان نرتاح، مش طالبين حاجة أكتر من كده.