سائراً على الطريق، باحثاً عن الحقيقة، ناقلاً حال الناس ومشكلاتهم، يبحث دائماً عن فكرة جديدة، أو «مانشيت» صحفى يضيف إلى اسمه، هى مهنة شاقة يختارها صاحبها، إن كان يعمل عملاً آخر، فيتركه لأجلها، تجذب إليها عشاقها، وتلفظ كل عزيز فيها، ليس لها صاحب ولا حبيب، قد تفاجئه بنهايته، إما برصاصة طائشة، أو سجيناً خلف القضبان، أو مريضاً على فراش الموت، لينتهى كفاحه بصورة «جرافيتى» على مبنى نقابة الصحفيين كمن سبقوه، أو يُقرأ اسمه للمرة الأخيرة على صفحات الجرائد فى مربع صغير ينعى فقيد المهنة. مصباح عبدالحميد الحجر، واحد من أولئك الذين اختاروا أن يركبوا قطار هذه المهنة المتعبة، صحفى مصرى، عمل بجريدة «المصرى اليوم» منذ عام 2004، قبلها كان يعمل وكيلاً لأحد المعاهد الأزهرية بمحافظة الشرقية، قبل أن يستقيل من عمله، ويتفرّغ للعمل الصحفى، مراسلاً للجريدة فى محافظة الشرقية، على أمل التعيين فى الجريدة والانضمام إلى نقابة الصحفيين، ولأن «مصباح» عمل مراسلاً صحفياً مثل غيره من المراسلين المحليين فى الصحف الخاصة، فلم تُتح له الفرص نفسها المتاحة لغيره من العاملين فى المركز الرئيسى للجريدة، فأن تقبل العمل صحفياً محلياً يعنى أن تتقاضى راتباً ضعيفاً، ولا تبحث عن بدلات انتقال أو سفر، وفى النهاية قد تتخلى عنك الجريدة الخاصة التى تعمل بها فى أقرب فرصة، فتلقيك على طول ذراعها لو عنّ لها أن تفعل ذلك، دون أن تجد من يقف إلى جوارك لا من زملائك ولا رؤسائك ولا حتى النقابة التى تنتمى إليها، وهذا ما حدث مع مصباح الحجر. أكثر من تسع سنوات قضاها «مصباح» مراسلاً ل«المصرى اليوم» فى محافظة الشرقية قبل أن تقرر الجريدة فصله ضمن أكثر من 80 صحفياً آخرين، وجد صاحب ال52 عاماً نفسه فى الشارع، لم يشفع له عمله طوال السنوات الماضية، ولا ما يشهد به زملاؤه من إخلاصه فى العمل، ودأبه ونشاطه، ولا كونه صحفياً كما يقول الكتاب، لا يجلس على كرسى فى مكتب مكيف، بل ينطلق فى الشوارع ومكاتب المصالح الحكومية بحثاً عن خبر جديد يُضاف إلى رصيده الصحفى. فصله مدير عام «المصرى اليوم» من عمله، ولم تفلح محاولات زملائه فى إثنائه عن القرار، لم تشفع له سنوات خدمة الجريدة منذ تأسيسها.. دار ولف «كعب داير» على مكاتب المسئولين بالجريدة، فلم ينصفه أحد.. أصبح «مصباح» فى الشارع فتدهورت حالته الصحية المتدهورة أصلاً منذ إصابته قبل سنوات بفيروس سى، تضاعفت معاناته مع مرض زوجته الذى كان يلتهم الجزء الأكبر من دخله، بالإضافة إلى مصروفات ولده وابنته الوحيدين، واجه الحياة كئيبة عاطلة عن كل ما يمنحه الأمل فى غدٍ أفضل، ثم جاءت وفاته لتضع خاتمة لمعاناته، وتضيف صفحة جديدة إلى سجل عذابات الصحفيين الذى لا ينتهى.