على شاشة التليفزيون ظهر ليعلن انتهاء الحرب التى دامت 50 يوماً كاملة. حرب لم تكن متكافئة بأى حال من الأحوال، وقف فيها أهل غزة، رجالاً ونساءً، شيوخاً وصغاراً، صامدين فى وجه العدوان الإسرائيلى، تتناثر دماء وأشلاء الشهداء منهم، فيما المنازل تتهدم، والبنايات تتطاير، ولا طريق لوقف النزيف... إلى أن ظهر هو ليعلن عن بدء تنفيذ المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار بين غزة وإسرائيل، بعد استشهاد ما يقرب من 2143 فلسطينياً، وجرح أكثر من 11 ألفاً آخرين. البنود التى وافق عليها وأعلنها محمود عباس (أبومازن)، رئيس السلطة الفلسطينية، جاء فيها الاتفاق على وقف إطلاق النار الشامل والمتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل، بما يحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية ومستلزمات إعادة الإعمار، والصيد البحرى انطلاقاً من 6 أميال بحرية. منذ أن جاء قائد حركة «فتح» لرئاسة الدولة الفلسطينية فى عام 2005، وهو يحاول أن يجمع شتات الفصائل على كلمة واحدة، حتى استطاع الساعى وراء حلم تحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية أن يبرم فى أبريل الماضى اتفاقاً بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومنظمة التحرير الفلسطينية (فتح) بعد ثمانى سنوات من الانقسام «الفلسطينى- الفلسطينى»، وهو الاتفاق الذى أغضب إسرائيل حتى خرج رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو» قائلاً «على السلطة الفلسطينية الاختيار ما بين مفاوضات التسوية والمصالحة مع حماس». لم يؤثر ذلك كله على خطوات «أبومازن» الذى سار فى استكمال الحلم بتوحيد الصف والمصالحة ولم الشمل، لكن برغم مساعيه لوقف إطلاق النار خلال ال50 يوماً الماضية، منذ بدء العدوان الإسرائيلى على غزة، فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وضعته فى موقف محرج أمام المجتمع الدولى، حتى اتهمته إسرائيل بعدم الجدية فى عملية السلام، بعدما رفضت «حماس» المبادرة المصرية فى منتصف يوليو الماضى، ثم عادت ووافقت عليها بعد أن تجاوز عدد الشهداء ألفَى شهيد. لم يغفل الرئيس الفلسطينى دور الدولة المصرية، ومساعيها من أجل وقف نزيف الدم الفلسطينى، فقدم الشكر لمصر لما بذلته فى وقف العدوان على غزة وقتل الأطفال والتدمير الممنهج لقطاع غزة. بعد إعلان «أبومازن» عن التوصل إلى الهدنة الدائمة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، احتفل آلاف الفلسطينيين فى قطاع غزة باتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وعلت التكبيرات فى جميع مساجد قطاع غزة، وأطلقت العيارات النارية فى الهواء فرحاً، مع بدء دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وفى الخلفية بدا صوت «أبومازن» عالياً وهو يتساءل فى نهاية المؤتمر الصحفى: «هل نتوقع حرباً أخرى على غزة بعد عامين.. وإلى متى ستبقى القضية بدون حل؟».