ما كنت أتمنى أن أعود للرجل الطيب الشيخ محمد مهنا لولا أننى لم أفرغ من الرد على ما كتبه بعد، وأظنها فرصة ذهبية أتاحها الرجل لى عن غير قصد كى أعرف منه رأى الأزهر فى بعض القضايا المهمة التى كانت ولا تزال مؤسسة لما اصطلح البعض على تسميته مشروع «الإسلام السياسى».. ولا شك أن شيخ الأزهر الجليل هو أحرص الناس على التعبير عن رأى الأزهر كمؤسسة دينية كبرى معنية بمواجهة مشروعات التطرف التى ارتدت «ثوب الدين».. ألم يضع رئيس الجمهورية ثقته فى الأزهر ورجاله لتجديد الخطاب الدينى وتنقيته مما علق به من شوائب؟ وأول ما يقفز إلى ذهنى بغير ترتيب هو: أين مشروع الأزهر (المؤسسة الدينية) لتجديد الخطاب الدينى، وما الخطوات التى قام بها فى هذا المجال؟ وهل لنا أن نسأل الشيخ ونحن نخفض له جناح الحب: ما جهود المؤسسة الدينية العريقة التى بذلتها فى تجديد مناهج التعليم الأزهرى؟ عفواً سيدى كبير المؤسسة الدينية.. نسيت أن أسألك قبل هذا وما أنسانيه إلا الشيطان: هل فضيلتك تؤمن بأهمية تطوير التعليم الأزهرى؟ أم أنكم ترون أن هذا ما ألفينا عليه شيوخنا الأوائل، وهى ذاتها المناهج التى أخرجت الأفذاذ محمد عبده وطه حسين وسعد زغلول وشلتوت والخفيف؟ وإذا كنت فضيلتك لا تؤمن بالتجديد والتطوير فقل هذا لرئيس الدولة كى يكون على بيّنة من أمره، ولك بعد ذلك أن تذهب إلى بيتك ومحرابك فى سيارة أجرة كما قال مستشارك الشيخ الموقر مهنا. أما إذا كنت تؤمن بالتطوير فرجاء الإجابة على السؤال الأول، فشعب مثخن بجراح التطرف والإرهاب من حقه أن يطمئن إلى أن مؤسسته الدينية تمضى قُدُماً وبلا هوادة فى مواجهة مشروع التطرف ورجاله، ولكن إن أذنت هل لنا أن نعرف ما الذى دعاك إلى استقبال دهاقنة التطرف فى مكتبك؟ ولأننى أقدرك وأحسن الظن بك سأقول للشعب المكتوى بنيران التطرف إنك كنت تناقشهم ليعرفوا مقامهم بين العلماء فيتعلموا ويهجروا أفكارهم التى أقامت للتطرف كهفاً فى بلادنا. ولك أن تعلم يا رأس المؤسسة الدينية أننى سعدت وقفزت فرحاً حتى لامست النجوم عندما قرأت من مستشارك الرقيق الشيخ مهنا أنكم فى الأزهر تفخرون بالدكتور طه حسين عميد الأدب العربى، بل وتنظرون لمناهج التعليم بالأزهر نظرة إكبار لأنها أخرجت عبقرية طه حسين للوجود، هكذا قال مستشارك! ولكن أظن أن كلام مستشارك يحتاج قدراً من الأناة والتريث، فطه حسين كان أول من اعترض بقسوة على مناهج التعليم الأزهرى، وأظنه التحق بالجامعة الأهلية «لينفد بجلده» من الأزهر ومناهجه، وأغلب الظن أنه قال هذا بعظمة لسانه إن لم تخنى الذاكرة عندما قام بإملاء كتابه الرائع «الأيام» كما قاله فى العديد من أبحاثه، وأغلب الظن أيضاً أنه كان قاسياً فى نقده للأزهر، وعلى الأرجح كان الأزهر مؤسستنا الدينية هو من قاد حرباً ضد طه حسين لكتابه «فى الشعر الجاهلى»، وكان الذى قدم البلاغ ضد الكتاب وصاحبه شيخاً أزهرياً تعلم العلم فى أروقة الأزهر! ومن المصادفات الغريبة أن الأخ محمد عمارة القيادى الإخوانى -فكرياً وليس تنظيمياً- رئيس تحرير مجلة الأزهر التى هى لسان حال مؤسستنا الدينية هو الذى كتب وكتب ليهاجم ويكفر طه حسين الذى يفخر به مستشار شيخ الأزهر! وأنا أشارك الشيخ مهنا فى هذا الفخر وأقول له: لك أن تفخر يا شيخنا، إلا أننى أرفض ما فعله الكاتب الإخوانى عمارة عندما اتهم طه حسين بأن كتابه «فى الشعر الجاهلى» أملى عليه من مستشرق حاقد، وأن طه الأزهرى ارتدى ثياب المستشرقين ليثير الفتنة فى البلاد ويشكك فى تراثنا، وزاد عمارة بأن كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ الأزهرى المشلوح على عبدالرازق كان شركة بينه وبين طه حسين، ولكن طه لم يضع اسمه على الكتاب ليحمل على عبدالرازق الوزر كله! يبدو أننى ابتعدت عن الموضوع كثيراً، ولكن ماذا أفعل والأزهر يفتخر بالإمام محمد عبده ومدرسته التى أصبحت أثراً بعد عين، حيث تغلبت مدرسة النقل وانطمرت مدرسة العقل، إذن فلنعد للموضوع سريعاً لكى نستكمل الأسئلة، فلا عمارة يعنينى ولا أنا فرح بقدرته الفذة على زيادة توزيع مجلة الأزهر كما قال مستشار الشيخ، فأصغر صحفى فى بلاط صاحبة الجلالة يستطيع أن يوزع أكثر، وحتى لا تتوه منى الأسئلة أجملها فى عبارة واحدة هى: يا شيخ الأزهر الجليل.. ما رأى المؤسسة الدينية فى قضية «الخلافة الإسلامية» فأنا رجل عالة على العلم خالى الوفاض مما قاله الأقدمون، ومبلغ علمى فى هذا الشأن ما كتبه الشيخ على عبدالرازق حين أنكر فرضية الخلافة فجرده الأزهر من رتبته الدينية! ولا أخفى عليك يا شيخ الأزهر الجليل أننى طرحت عليك سؤالى هذا لا لكى أستخرج قضايا قديمة عفا عليها الزمن أثير بها فتنة، ولكن لأننى نظرت حولى فوجدت أن الإخوان الذين وقفت فضيلتك ضدهم، وآزرك فى وقفتك الإخوانى محمد عمارة ببيانات كتبها على لسان مؤسساتك الدينية! وجدتهم يقيمون مشروعهم على مقولة أن الخلافة فريضة حتمية، ثم نظرت حولى فوجدت جماعة إرهابية اسمها «داعش» تقف على حدود بلدى تعلن قيام دولة الخلافة. لذلك أنا أريدك أن تعلن موقف الأزهر من الخلافة، هل هى فريضة دينية؟ أم كانت طريقة دنيوية صنعها الأقدمون ولنا أن نصنع لدنيانا مثلما صنعوا لدنياهم؟ ومن باب حسم الأمور أريد أن أعرف رأى الأزهر فى قضية الجزية، وسبب هذا أن الإخوان و«داعش» وحزب التحرير والتيار السلفى الوهابى وغيرهم يرون أن الجزية دين يجب أن تستمر ليوم الدين؛ ومع موضوع الجزية نريد أن نعرف رأى الأزهر فى قضية الولاية، هل تجوز للمرأة والقبطى أم لا تجوز؟ وهل يجوز أن تتولى المرأة القضاء؟ وما الرأى فى تولى المسيحى القضاء؟ أريد يا فضيلة الشيخ الجليل أن نعرف رأى الأزهر فى تلك الأمور لنرد بها على دعاة الفتنة، ولتستقر القلوب القلقة وتهدأ عندما تعرف الرأى العلمى الصحيح بأسانيده. دقيقة من فضلك، لم أُنهِ كلامى بعد فأنا فى أشد الشوق لمعرفة رأى الأزهر فى «الجهاد» وقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وسبب شوقى هو أن مشروع الإسلام السياسى قام على هذا الأمر حتى أنهم جعلوا شعارهم ليس سيفاً واحداً ولكن سيفان بينهما مصحف وتحتهما «وأعدوا» وأظنهم يقاتلوننا تطبيقاً لهذا الفهم. وبالمرة نريد أن نعرف: هل البخارى مقدس، وهل عقله كما قال مستشارك يا فضيلة الإمام لن تنجب البشرية مثله؟ وهل علوم الحديث كانت وحياً أنزله الله عليه أم أنها كانت مستولدة من عقلية بشرية جبلت على النقص ويرد عليها الخطأ؟ وأخيراً لفت نظرى أنكم ومن معكم من المستشارين تطلقون على الأزهر الشريف لقب: «المؤسسة الدينية»! فهل الأزهر فعلاً بمفهوم الإسلام مؤسسة دينية أم أنه مؤسسة علمية؟ ففضيلتك تعرف الفرق الكبير بين المعنيين، وقد أثار دهشتى أن رجال الأزهر الذين مثلوه فى لجنة كتابة الدستور كانوا أحرص الناس على وصفه بالمؤسسة الدينية! الآن آن لى أن أختم، ومع سلام الختام أقول لقد أسعدنى أن أعرف أن محمد عمارة هو الذى يكتب بيانات الأزهر وبيانات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهيئة كبار العلماء، فهل هو يا شيخنا الذى كتب المقال المتضمن الدفاع عن فضيلتك والهجوم على شخصى الفقير، ثم وضع اسم الشيخ الرقيق طيب القلب محمد مهنا عليه، أى أنه مقال منحول؟ إذا كان ذلك كذلك فأنا أدعو الله أن يبيض وجهه ويرفع كعبه ويطلق لسانه ويقر قلبه.