منح الشعب المصرى ثقته للرئيس السيسى بنسبة مئوية تقترب من العلامة الكاملة، ولم يعتبر الناس -الذين قاموا بثورتين فى سنوات ثلاث- أن هذه الثقة تفويض مطلق، فالثورة تراقب وتحاسب ولن تقبل مرة أخرى أن تنتزع منها أى جهة حقها فى الحرية والحياة.. كذلك نفعل مع الأزهر الشريف.. لا ثقة مطلقة ولا كروت بيضاء.. فقد علمنا التاريخ أن الأزهر الذى حمل لواء المقاومة ضد المحتل الأجنبى ورفع راية الوسطية وسط أنواء المتطرف التى اجتاحت الأمة هو الذى -فى مراحل أخرى- كان عقبة فى وجه التقدم الإنسانى والتجديد الدينى والفكرى.. فلا يمكن أن ننسى موقفه من طه حسين والشيخ على عبد الرازق ومحمد عبده، وغيرهم من دعاة أعمال العقل ومواكبة العصر. فى اللجنة التى أعدت الدستور تواترت علينا الأنباء عن تحالف بين ممثلى الأزهر والسلفيين داخل اللجنة، ولم يكن ذلك ببعيد عن سلوك بعض رجال الأزهر المحيطين بشيخه الجليل.. وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى الخطة التى يباشرها بقايا السلفيين -بدأب يحسدون عليه- لتمكين قواعدهم الفكرية من رجال الأزهر، بحيث يبقى فقط الإطاحة بالشيخ الجليل، كى يتسنى لهم السيطرة الكاملة على المؤسسة التى ما دام اتهموها بأنها تابعة لدولة الكفار، وأن شيوخها ما هم إلا شيوخ السلاطين.. هكذا قال برهامى فى «التسريبة» الشهيرة لخطته فى إسنا، وسلطات مطلقة للأزهر، تمهيدا للسيطرة عليه عبر رجال مثل د.شومان، ود.مهنا، اللذين يبدو أنهما صارا أقرب ما يكون للسيطرة الكاملة على المؤسسة فى ظل حالة من التصوف والتسامى عن ممارسة العمل اليومى يمارسهما الشيخ الطيب. كنا فى اجتماع مع شيخ الأزهر نتحدث فى أمر مصادرة الأفلام، التى يبدو أن الأزهر تفرغ لها فى الآونة الأخيرة، عندما قال الشيخ الجليل إن الأزهر ليس جهة منع أو مصادرة، وفوجئ الجميع بصوت د.مهنا من آخر القاعة يعترض على رأى شيخه علنا وأمام الجميع، قائلا: ولماذا لا نمنع يا مولانا؟! الأمر الذى استفز الدكتورة سكينة فؤاد، وحاولت التنبيه إلى خطورة ما يحدث، عندما يتناقض رأى أقرب مساعدى الشيخ مع توجهه وطريقة تفكيره. فى لجنة إعداد الدستور -وتحت ضغط السلفيين- قال فضيلة شيخ الأزهر -طالبوه بثمن كلمة «مدنية» فى مقدمة الدستور-: «اجعلوا الدستور 100٪ مدنيا، ولكن لا تكتبوا الكلمة».. وهو الأمر الذى يدافع عنه الدكتور شومان فى «الأهرام» الآن فى مقالته التى يعاير فيها وزير الثقافة بمقال فى مطبوعة يقول -ومعه الحق- إن دافعى الضرائب هم من يمولها.. وبصرف النظر عن روح المقال الذى نظن أن اسم د.شومان لو رفع ووضع بدلا منه اسم «بن لادن» لما لاحظ أحد أى فرق، فلغة الخطاب عنيفة، وتكاد تكون تكفيرية موجهة سهامها إلى خطاب وزارة الثقافة فى شأن نقد الفكر الدينى، ولما كان الشيخ يبحث عن القشة فى عين الوزارة ولا يرى الخشبة فى عين مؤسسته التى يجب الإشارة أيضا إلى أنها تتمتع بكل مميزاتها بفضل دافع الضرائب نفسه فإننا نشير إلى الآتى: إن كان د.شومان ومساعدوه من فوضى التطرف والعنف التى اجتاحت جامعة الأزهر، والتى فاقت كل التصورات، بدأت من الأساتذة الذين يحملون الأسلحة والمفرقعات داخل سياراتهم، أو الطلبة الذين يسبون شيخهم بأحط الألفاظ ويديرون المؤامرات للإطاحة به، فماذا كان يفعل قيادات الأزهر بأموال دافعى الضرائب طوال كل هذه السنين لكى يفرزوا لنا كل هذا التطرف وكراهية المجتمع والعداء لكل قيم الحرية والإنسانية والتقدم؟ هل نظروا إلى المستوى التعليمى للأزهر وخريجيه أو إلى المستشفيات البائسة التابعة له، والتى خرجت التقارير بعد زيارته لها تشيد بمستواها الرائع؟! ما موقف الأزهر من المعركة الباسلة التى يخوضها وزير الأوقاف الشجاع فى مواجهة أفكار السلفية التى تحاول استعادة منابرها فى المساجد كى تكمل دائرة التشويه والسيطرة على شبابنا، الذين فارقوا الأزهر أو فارقهم الأزهر الشريف المشغول بالأفلام والمسلسلات؟! لماذا لا نرى موقفا واحدا لتأبين وزير الأوقاف بل نرى العكس تماما عندما يشتكى السلفيون من الوزير إلى الأزهر حليفهم المتوقع؟ من هم كبار العلماء الذين ظلوا يقاومون فصل «القرضاوى» حتى استقال الرجل بنفسه إعفاء لهم من حرج أخذ موقف وطنى ودينى وأخلاقى طال انتظاره، مَن يشكل هذا المجلس؟ وما المعايير التى يختارون بناء على توافرها؟ وهل تتم مراقبة أدائهم مجتمعيا أم أن لديهم حصانة؟ من الذى يرأس تحرير مجلة «الأزهر» حتى الآن؟ الرئيس هو د.محمد عمارة حليف الإخوان الشهير، وكان من دعاة الفتن مع الأقباط فى أكثر من مناسبة. هل فرغت مصر من رجالها بحيث يظل قابعا على رأس وثيقة الأزهر الرسمية رجل لا يخفى عداءه لأبناء الوطن.. وأى خطاب دينى يتحدث عنه د.شومان؟! وأخيرا يتحدث د.شومان عن عظمة رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده بعد أن «اصطاد» بعضا من كلماتهما تصور أنها تؤيد أفكاره فى مواجهة مدنية الدولة.. ونسأله إذا كان الأزهر بقدر هؤلاء على هذا النحو فلماذا ألفوا الكتب فى السخرية من الشيخ محمد عبده ورفاعة؟ ولماذا ناصبوا الشيخ على عبد الرازق كل هذا العداء؟ نحن نحب الأزهر المستنير، الذى نعرفه مدافعا صلبا عن قيم التوسط والحرية والكرامة، الأزهر الذى يعترف بحديث الرسول «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، ولكننا بالقطع لا نمنح أى تفويض للأزهر الذى قال فيه الشيخ محمد عبده: «لقد ظللت خمسين عاما أحاول أن أمسح من رأسى الأزهر».