أصبح منطقاً بديهياً أنه فى حالة الرغبة فى إحداث نهضة اقتصادية فإنه من الحتمى أن تكون البداية بإحداث إصلاح فى منظومة التعليم.. وكذلك فى حالة الرغبة فى إحداث إصلاح سياسى أو حتى أمنى أو صحى فمن الحتمى أن تكون البداية بإحداث إصلاح وتطور فى منظومة التعليم. ونحن فى مصر، وللأسف الشديد، وفى خلال الخمسة أو الستة عقود الماضية تم إهمال تطوير وإصلاح منظومة التعليم، فانهارت انهياراً شديداً منظومة التعليم فى مصر فتلاحقت الانهيارات السياسية والاقتصادية والأخلاقية والثقافية والفنية والرياضية كذلك.. كل تلك الانهيارات التى أوصلتنا إلى حافة الهاوية فى جميع المجالات كانت نتاجاً حتمياً لانهيار منظومة التعليم.. ولن أمَلّ أو أكَلّ من ضرب المثل بماليزيا التى عندما تولى أمرها مهاتير محمد كانت واحدة من أفقر دول العالم وكان معظم شعبها يعيشون تحت خط الفقر بدرجات.. وعندما تلاقت إرادة الحاكم والشعب على إحداث إصلاحات ونهضة كان القرار بأن يبدأ الإصلاح بإصلاح التعليم، وبالفعل قاد إصلاحُ التعليم قاطرةَ الإصلاحات والنهضة فى ماليزيا حتى أصبحت واحدة من أقوى النمور الآسيوية وواحدة من أغنى دول العالم اقتصادياً وحضارياً.. وكان ذلك بفضل البدء بإصلاح وتطوير منظومة التعليم.. حتى محمد على باشا، صاحب نهضة مصر الحديثة، عندما أراد الإصلاح والتطوير كان البدء بالتعليم والمدارس والبعثات.. حتى أمريكا عندما اكتشف خبراؤها منذ خمسة عشر عاماً أن منظومة التعليم فى اليابان وفى بعض الدول الأوروبية أكثر تقدماً وتطوراً من منظومة التعليم الأمريكى هرول هؤلاء الخبراء مفزوعين إلى الرئيس الأمريكى وقتها الذى أطلق بدوره صرخة مدوية فى المجتمع الأمريكى تحت عنوان «الأمة فى خطر» وانهمك الخبراء والأجهزة الأمريكية المعنية فى العمل على إحداث الإصلاحات والتطويرات اللازمة فى منظومة التعليم فى أمريكا. ونعود إل مصر الآن.. نحن يا سيادة الرئيس ويا سادة فعلاً وحقاً على حافة الهاوية، ولا بد من منقذ، والمنقذ بعد رحمة الله هو البدء فوراً فى إحداث إصلاحات ونهضة فعلية فى منظومة التعليم.. ولإحداث ذلك فالأمر يستلزم فى البداية ثورة تعليمية فى نظام التعليم من حيث الكيف والهدف.. ويستلزم ثورة على المناهج البالية التى ما زلنا ندرسها لأبنائنا فى المدارس.. وذلك يتأتى بتجنيد عشرات ومئات الخبراء فى مجال التعليم لتغيير المناهج حتى تتناسب مع المرحلة الزمنية التى نعيشها «معلومة: من قام بتطوير وتحديث منظومة التعليم فى كندا كان خبيراً مصرياً مهاجراً لكندا».. وإذا فشلنا فى ذلك فالحل هو نقل المناهج التعليمية فى جميع المراحل وطرق التدريس من دولة كإنجلترا نقلاً كربونياً مع إرسال بعثات تعليمية منتظمة إلى تلك الدول المتقدمة فى طرق وأساليب التدريس.. ونأتى لكثافة الطلاب فى المدارس وحاجتنا الملحة لعشرات الآلاف من المدارس، والحل من وجهة نظرى أن تتبرع الدولة بالأراضى ويتم إرغام شركات القطاع العام والخاص على المساهمة فى بناء تلك المدارس.. مثلاً شركة كذا للاتصالات التى تتجاوز أرباحها السنوية مئات الملايين عليها إنشاء وتجهيز مائة مدرسة مثلاً، وكذلك جميع الشركات التى تحقق أرباحاً طائلة، بحيث فى خلال عامين أو ثلاثة تكون هذه الشركات، بمساندة الدولة، قدمت لمصر آلاف المدارس التى ستكون هى وتطوير المناهج وتدريب المعلمين النواة الرئيسية والبنية التحتية الهامة فى تطوير وإصلاح التعليم الذى سيكون «التعليم» هو النواة الرئيسية والعمود الفقرى لإحداث تطوير فى كل المجالات.. وسأضرب فى سطور قليلة مثلين يدلان دلالة واضحة على تردى منظومة التعليم عندنا وتخلفها.. فى إحدى المدن الإنجليزية يدرس أبناء إحدى قريباتنا، وعلمت منهم أنهم يدرسون فى المرحلة الثانوية الاختراعات والاكتشافات المتوقعة بعد مائة عام.. بينما فى مصر عندما عقدت إحدى المؤسسات الصحفية امتحان قدرات لمحرريها «لتثبيت الناجح منهم.. وكانوا جميعاً خريجى جامعات ويعملون فى الجريدة بالقطعة منذ عدة سنوات» كانت المفاجأة أخطاء إملائية بالجملة فى ورقة الإجابات، حتى إن أحدهم وهو خريج جامعى كتب «فعلاً» هكذا «فعلن».. وأحدهم أجاب بأن عاصمة الكويت «أبوظبى».. وإحداهن أجابت بأن «فيكتور هوجو» مصمم أزياء عالمى. ولوجه الله أرجوك وأتوسل إليك يا سيدى الرئيس أن تكون البداية الموازية للإصلاحات السياسية والاقتصادية والأمنية هى البداية بإصلاح وتطوير منظومة التعليم.. فبإصلاح التعليم وتطويره سينصلح حتى حالنا فى كرة القدم وفى سلوكيات المرور وفى جميع المجالات.. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد..