أرجو ألا تنخدع «فرقة رضا» من كلمات الإعجاب والمجاملة التى انهالت عليها بمناسبة عرض فيلمها الناجح «إجازة نصف السنة»، إن أغلبها كلمات مرجعها المكانة العزيزة التى لفرقة رضا فى جميع القلوب وحرص الناس على أن تنتقل دائماً من نجاح إلى نجاح. أما إذا نظرنا إلى الفيلم نظرة «باردة» ليس فيها حرارة العطف والحب، فسوف نجد أنه ليس صحيحاً أن فريدة فهمى أثبتت أنها ممثلة ممتازة، وأن على رضا أثبت أنه مخرج ممتاز! وعيب هذه «المجاملات»، أو ضررها بمعنى أصح، هو أنها تضلل الفنان عن مواضع القوة ومواضع الضعف فيه، الأمر الذى قد يؤدى إلى أن تضمر نواحى قوته وتنمو نواحى ضعفه. لقد كانت فريدة فهمى فى الفيلم مجرد ممثلة مبتدئة، لم تتح لها فرصة كبيرة لكى تمثل فى اللحظات التى كانت تستقبل فيها الكاميرا على وجهها، كانت تبدو على الأغلب خجولة ومرتبكة، وكان صوتها بالذات يخونها فيخرج نحيفاً أو مخطوفاً، ولكنها كانت كالعادة راقصة عظيمة، فالكلمة المفيدة هى أن يقال لها: إذا أردت فعلاً أن تضيفى إلى قدرة الرقص القدرة على التمثيل، فيجب أن تنتبهى إلى هذه الأخطاء، وأن تتدربى تدريباً عنيفاً على تلافيها.. وهذا حتى لا تطغى صفتها كممثلة على صفتها كراقصة، فنفس ممثلة من الدرجة الثالثة، ونفس ممثلة من الدرجة الأولى. وكذلك على رضا مجرد مخرج مبتدئ، إن المخرج الممتاز الذى يبدأ من حيث ينتهى غيره، وليس هو الذى يبدأ من البداية. أما ذكاؤه كمنتج فيبدو فى الفيلم أقوى من ذكائه كمخرج، وهذا ليس تقليلاً من شأنه، لأننا محتاجون إلى المنتج الذى يعرف كيف يوفر عناصر النجاح للفيلم، تماماً كحاجتنا إلى المخرج الذكى، وإذا كان يريد أن يبنى لنفسه مستقبلاً كمخرج فعليه أيضاً أن يبذل مجهوداً شاقاً عنيفاً، لأن مهنة الإخراج السينمائى لا يمكن أن تكون مهنة جانبية على هامش حياة المخرج. كان على رضا ناجحاً بالنسبة لنفسه، أى بالنسبة لكونه يخرج لأول مرة، ولكنه كان عادياً بالنسبة لفن الإخراج فى مصر. إذن الذى جعل الفيلم ينجح هذا النجاح الساحق، وأنا شخصياً منضم إلى الجماهير التى أقبلت عليه وفرحت به، السبب الأول هو أن الفيلم كان لديه رصيد جاهز يسحب منه، رصيد من اسم الفرقة ونجاحها المسرحى الكبير، ورصيد من رقصاتها التى تعبت الفرقة فيها إخراجاً وتلويناً وأداء وإبداعاً طوال عدة سنوات. فالفرقة كانت تسحب من مجهود سنوات طويلة، الأمر الذى لن يتوافر لها لو أخرجت لها فيلماً جديداً، سيكون عليها فيه تقديم رقصات جديدة. السبب الثانى هو أن الفيلم خرج بنا عن الدائرة الضيقة التى تتخبط داخلها أغلب أفلام السينما المصرية إلى الآن؛ الوجوه المألوفة والأدوار الواحدة التى يؤديها كل وجه من الوجوه.. فيكفى أن يقرأ الواحد أسماء الأبطال ليعرف بالتقريب ماذا سيصنعون وماذا سيقولون على الشاشة البيضاء. وإذا كان الفيلم استعراضياً فهو قد فتح صفحة جديدة تماماً فى حياة الفيلم الاستعراضى العربى، تماماً كما فتحت الفرقة من قبل باباً جديداً فى حياة المسرح الاستعراضى العربى. الأفلام الاستعراضية قبل ذلك كانت أفلاماً غير «صحية» بعكس هذا الفيلم الصحى، ولا أعرف إذا كان هذا التعبير يشرح ما أريد أو لا، قبل ذلك كان المفتاح الوحيد لكل الأفلام الاستعراضية هو فتاة اضطرت أن تحترف الرقص، والرقص لا بد أن يكون فى حانات السكارى.. ثم يمضى الفيلم فى محاولة إثبات أن البطلة تخالط السكارى ولكنها فتاة شريفة، حتى ينقذها آخر الأمر فارس نبيل. أما الإحساس الذى يعطيه فيلم «إجازة نصف السنة»، فهو أن يشد ذراع المتفرج فى دعوة إلى الحرية وإلى المرح وإلى التفاؤل، دعوة إلى أن تظل شاباً بقلبك وعقلك معاً، وبودى لو أن الفرقة تأملت قصة الحى الغربى لترى كيف يمكنها أن تستخدم إمكانيات التعبير عن موضوعات كثيرة متنوعة.