يقول ابن خلدون فى مقدمته " تسمو الحياة من الضرورات الى الرفاه".ضرورات الحياة هى منطقة الاحتياجات الأساسية فيها. فالفقر يحصل على أقل من الضرورات الأساسية للمعيشة، والرفاه يسعد بأكثر من الضرورات الأساسية للمعيشة. والاحتياجات الأساسية الأربعة الضرورات هى التى اقرتها الأممالمتحدة ومعظم الدول فى العالم للمعيشة، ومنهم دولتنا، هى الطعام، والمأوى، والصحة، والتعليم. فالطعام كاحتياج أساسى يعنى لى الحصول على ما قيمته 2000 كالورى فى اليوم معتمدا على كميات محددة من الماء والكربوهيدرات والبروتين والألياف والدهون والكوليسترول والسكريات. واذا قلّت تلك الكميات للإنسان ومن غير الممكن استعواضها فهو فقير، أما إذا زادت فهو موسر ويتحول الجسد الى البدانة، وقد يستطيع أن يتحكم فى تأثيراتها. ويعتمد نشاط أىّ منهما على كمية الكالورى التى يستطيع ان يحرقها فى اليوم. فالفقير لايملك اختيارا إلاّ الامتناع عن ذلك النشاط والا افتقد الدفء اليومى. ويستطيع الموسر ان يختار من بين المنتجات الغذائية ما يستسيغه وهو يُسْرٌ لايقدر عليه الفقير فليس له اختيار. وعلى ذلك فَسَقْفُ الفقر هنا هو معيار الألفَىّ كالورى ومقدار الاختيار الممنوح له من الطعام. أما المأوى كاحتياج أساسى فهو يمثل مكانا يستره وعائلته من الظروف المناخية والاجتماعية، فى أٌقل مسطح قد يصل الى 6 أمتار أو9 أو 15 متر للفرد حسب ماتحدده الأعراف الرسمية أوغير الرسمية كمعيار لإسكان العائلة، بجوار مكان لقضاء الحاجات اليومية. وكل ذلك فى حدود ما تسمح به الظروف الاقتصادية. وإذا قل المسطح عن ذلك المعيار أصبح الفرد فقيرا. وإذا زاد كان موسرا. ونحن نعلم أنه تحت شروط الصحة النفسية يجب ألا يقل مسطح السكن غير المشغول بالأثاث عن50% من مسطح المكان الكُلّى. فالغرفة مثلا المخصصة للفرد التى مسطحها 9 أمتار فى التصنيف المقبول اجتماعيا يجب ألاّ يزيد مسطح الأثاث فيها عن أربعة أمتار ونصف، وإلا أصبح الساكن فيها فقيرا. أما إذا سكنها زوج وزوجة فهم فى عداد الفقراء فورا لأن نصيبهم فرضاً يكون 18 مترا وليس 9 امتار. فالفقر فى السكن هنا معياره هو المسطح المتفق عليه المخصص للساكن الفرد، إضافة الى مسطح قضاء الحاجات اليومية. لكن يجب أن أُنَوِّه أيضا الى الاحتياج الصحى فى المسكن من توفر ضوء الشمس اليومى والتهوية الطبيعية والضوء الطبيعى المناسب واستخدام مواد البناء والدهانات الداخلية غير المسببة للأمراض من أبخرة الرادون وغيرها فى الأماكن الحيوية فى السكن. ذلك علاوة على مدى رضى الشخص عن المكان والدرب المؤدى له وجماليات المكان وموقع الجيران منه. الصحة هى بداية العيش. وكما كانت تقول والدتى أن صحتك " صاحبتك". ومنفردا حياتك بدونها تصبح صعبة. والصحة تبدأ من أول توقعات طول العيش فى بداية الحياة ، وتشمل الوزن المنخفض للمولود ومعدل الوفيات منذ ذلك الوقت ، كما تشمل عمر الأم و الأب وقت الحمل والولادة، ونوع الأمراض التى يتعرض لها الفرد فى حياتة وفى سنين عمره، وليست هى فقط الأمراض العضوية ولكن أيضا النفسية والعقلية. والحالة الصحية اليومية شاملة نتائج التحاليل الطبية الخاصة بالدم والكوليسترول وغيرها. ويشمل الموضوع الوقاية و العلاج، ومفاجآت الحياة و العمليات الجراحية ومواجهة الصدمات الجسدية والنفسية . وهنا يرد السؤال الهام وهو "هل للفرد القدرة على مواجهة المتطلبات المادية للتغذية والصمود بصحة كافيه لمواجهة متقلبات الظروف الحياتية، ومتطلبات العلاج التى قد تصل فى السن المتأخرة الى مايوازى قدر ما يحصل عليه فى الشهر أوقد يزيد إذا كان من الطبقة المتوسطة العاملة بأجر. فإذا لم يستطع الشخص مواجهة تلك المتطلبات فهو فقير. وهم كثيرون فى مجتمعنا وحسب الاحصاءات المعلنه هم تصل نسبة تواجدهم فى المجتمع الى حوال 60%. وهذا كثير. وأخيرا نأتى للتعليم. فبصرف النظر عن أعداد التلاميذ فى فصول مدارس المرحلة الأساسية، وبصرف النظر عن أسلوب ومحتوى الكتب المدرسية، وبصرف النظر عن تدهور قيم التعليم من دروس خصوصية وغيره من التسبب فى الفاقد المادى للوطن فى جوانب غير منطقية، فإن التعليم انحصر فى تلقين التلاميذ كم المعلومات والمعرفة المتنوعة اعتمادا على اسلوب الاحتفاظ بتلك المعلومات فى المخ وليس على استخدامها والفكر الخاص بالتعامل معها. والأهم ايضا هو افتقاد مناهج تعليم أسس العقل الناقد والتعامل مع الفكر النقدى المعتمد على المنطق، وبِحُرّيّةٍ. ذلك فى التعليم الأساسى. أما فى التعليم العالى فالموضوع فى حوجة الى انتباه أكثر.