كانت حياتي ككثير من الأمهات، سلسلة من التعب والمعاناة والجهد المتواصل، نظرت حولي ذات مرة فرأيت المنزل مقلوبًا رأسًا على عقب، هذا قَلَب كوب الشاي، وهذه وقد تركت خلفها سلسلة من الأوراق، وكل هؤلاء وقد عاثوا في المنزل فسادًا، في انتظار ربّة الصون والعفاف التي هي أنا لتقوم وحدها بكل شيء وتجمع ما نثروه من أشلاء، وبسرعة البرق لملمت كل ما وقعت عليه عيناي وطالته يداي ووطأته قدماي والتقطته حواسي. وقد اكتسبت بمرور السنين، خبرة غير عادية، وخفة يد لولبية، ومقدرة لا نهائية بين جمع الغسيل، وطرح النفايات، ودس الأغراض، ووضع المتعلقات المختلفة في أماكنها المتعددة، ليبدو كل شيء في النهاية على مايرام، ولأن يومي كان طويلا، فقد كنت ألهث وأنا أقوم بكل هذا، وعيناي على المطبخ لاتغادرانه، وأنا أحدث نفسي بأنني سأنظفه قبل أن أنام لا محالة، ومرّ الوقت سريعًا دون أن أدري لأجدني في النهاية منهكة القوى لاأستطيع الوقوف على قدماي لدقيقة أخرى. ونظرت للمطبخ كشبح ضخم يطاردني، ولم أستطع مقاومة الإرهاق والتعب، فاستسلمت للنعاس وآخر شيء أحدث به نفسي أنني سأنظفه فور استيقاظي بكل تأكيد، واستيقظت دون منبه كالمذعورة وأنا أتذكر مواعيدي زيارة خالتي وداد، ميعاد طبيب الأسنان، طلبات السوبر ماركت وعيد ميلاد ابنة صديقتي أحلام وكل هذا بالطبع يأتي بعد أن أنظف المطبخ وأغسل المواعين وألمع الطاولات، و.. وشهقت من شدة المفاجأة فقد كان المطبخ يبرق من فرط النظافة وتعجبت أيما عجب فأسرعت نحو غرفة المعيشة فوجدت زوجي يجلس كعادته مسترخيا أمام التلفاز والنت بكل أنواعه وهو يعبث بأزرار موبايله ويبتسم من تعليقات الآخرين بسخرية، وما أن رآني حتى بدت عليه الدهشة فسألته بكلمات متعثرة : "المطبخ نضيف،مين اللي نضفه ؟!!! هو انت ؟!!! .. أقصد .. يعنيييي" ورفع كتفيه بلامبالاة عرفت منها أنه ليس هو بالتأكيد فلم يفعلها من قبل، ودخلت على ابني فوجدته نائمًا باستغراق، ما يؤكد أنه أيضا ليس هو، أما ابنتي فكانت منذ ساعات الصباح الأولى في التمرين بالنادي. جلست بجوار زوجي أضرب أخماسا في أسداس وأنا أتساءل، هل أصبحت عفاريت هذه الأيام تنظف المطابخ وتلمّع الأرضيات، ليت هذه العفاريت الطيبة تزورني كل ليلة، وبينما أقول هذا رأيت كدمة في ذراعي أذهلتني وتعجبت منها فصرخت وأنا أنظر لزوجي: "فيه حاجة مش طبيعية بتحصل يا أحمد، بص لدراعي.. أنا خايفة"، نظر زوجي لذراعي بانزعاج لأنني قطعت عليه عزلته ووقتها استيقظ ابني على صوتي وسمع كلماتي الأخيرة، فقال وهو يمسح عينيه من أثر النوم وقد بدا منزعجًا هو الآخر: "سلامتك يا ماما ألف سلامة،لا عفاريت ولا غيره أنا شفتك بالليل لما صحيتي فجأة، وقعدتي تنضفي المطبخ بهمّة ونشاط عجيب، ولما كلمتك زقتيني وبعدها إيدك اتخبطت ف الحيطة ودخلتي نمتي على طول. نظرت اليه بدهشة ثم لزوجي بفزع وصرخت: "سامع يا أحمد، أنا بقيت بامشي وأنا نايمة، لأ وإيه، بأنضف المطبخ وأمسح الشقة كمان" ظلّ زوجي مذهولًا لفترة، انفجر بعدها في الضحك وهو يقول ضاربًا كفا بكف: "وماله، مصلحة برضه يا حبيبتي، احنا محتاجين قوي لوردية نص الليل دي ها ها ها ها ها".