ماذا حققت محطة تحيا مصر متعددة الأغراض بعد عام من افتتاحها؟    بعد نجاح تجارب زراعته.. تعرف على موطن زراعة "الكاسافا" بديل القمح وأبرز مميزاته    ذبح 172 أضحية بمجازر الغربية للمواطنين بالمجان فى ثالث أيام عيد الاضحى    مبعوث بايدن يعود إلى إسرائيل ليستكمل محاولة نزع فتيل الحرب بين تل أبيب وحزب الله    لأول مرة.. عدد المعاقين في الجيش الإسرائيلي يتجاوز عتبة ال 70 ألفا    فيتينيا أفضل لاعب بمباراة البرتغال ضد التشيك فى يورو 2024    غزارة تهديفية بالجولة الأولى تنذر ببطولة قياسية في يورو 2024    نتيجة وملخص أهداف مباراة البرتغال ضد التشيك في كأس أمم أوروبا 2024    طاقم حكام مباراة بلدية المحلة وبيراميدز في الدوري    عادل عقل يكشف صحة إلغاء هدف الأهلى فى مباراة الاتحاد السكندرى    موعد مباراة البرتغال المقبلة بعد الفوز أمام التشيك    أخبار × 24 ساعة.. وزارة‫ الزراعة: المجازر تستقبل 27 ألف أضحية خلال العيد    رقم صادم.. حصيلة وفيات الحجاج المصريين بسبب الطقس الحار    المراجعة النهائية لمادة اللغة العربية لطلاب الصف الثالث الثانوي.. نحو pdf    وفاة شخص وإصابة 2 آخرين فى انقلاب سيارتين ملاكى بالغربية    وفاة مدير كهرباء ديوان مركز الزقازيق أثناء أداء فريضة الحج    بحجة تأديبه.. تفاصيل محاولة إنهاء عامل حياة ابن زوجته في أكتوبر    ليلى علوي تهنىء أبطال فيلم "ولاد رزق "    حظك اليوم| الاربعاء 19 يونيو لمواليد برج الحوت    حظك اليوم.. توقعات برج العذراء 19 يونيو 2024    بهذه الطريقة.. خالد النبوي يوجه الشكر لطاقم عمل فيلم أهل الكهف    محمود مهدى ل صاحبة السعادة: أعمال عادل إمام متفردة فى تاريخ السينما    علامتان محتملتان للإصابة بالسرطان في يديك لا تتجاهلهما أبدًا (صور)    الوكالة الأمريكية للتنمية: الوضع الإنساني بغزة صعب جدا    إعلام عبري: جيش الاحتلال يطور قدرات دفاع جوية    أسقف نجع حمادي يقدم التهنئة للقيادات التنفيذية بمناسبة عيد الأضحى    بطريرك السريان الكاثوليك يزور بازيليك Notre-Dame de la Garde بمرسيليا    عيار 21 الآن بالمصنعية.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19-6-2024 «بيع وشراء» في مصر (تفاصيل)    النائب العام يلتقي نظيره الإماراتي على هامش زيارته للعاصمة الروسية موسكو    أجواء شديدة الحرارة.. بيان هام من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الأربعاء (تفاصيل)    تركوه ينزف.. استشهاد شاب فلسطيني برصاص قوات الاحتلال جنوب بيت لحم    بعد إجراء محادثات في لبنان.. مبعوث بايدن يعود إلى إسرائيل    مصرع مشجعتين للنادي الأهلي عقب مبارة الاتحاد في حادث مروري    رونالدو يتربع على عرش «اليورو» برقم تاريخي جديد    بهدف قاتل.. البرتغال تحقق فوزًا مثيرًا أمام التشيك في يورو 2024    مكتبة مصر العامة تناقش مجموعة «اليوم الثامن» للدكتور شريف مليكة    محمد مصطفى الخياط يكتب: الترجمة من دون كيخوته إلى دكتور جيفاجو    محمد عطية محمود يكتب: «جماليات القبح» فى رواية «أحلام تصطدم بالسقف»    أمجد سمير يكتب: الأضحية والفكر البشري    محافظ كفرالشيخ ونائبه والقيادات التنفيذية يؤدون واجب العزاء فى السكرتير العام للمحافظة    بعد وفاة العشرات خلال الحج بسببها.. كيف يمكن أن تكون ضربة الشمس قاتلة؟    إحالة مدير مناوب في مستشفى بدمياط إلى التحقيق    بدائل الثانوية الأزهرية| معهد تمريض مستشفى باب الشعرية - الشروط وتفاصيل التقديم    دليلك الكامل ل بطاقة الخدمات المتكاملة 2024.. الاستعلام وشروط التسجيل والأوراق والمزايا    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    دار الإفتاء عن حكم التعجل في رمي الجمرات خلال يومين: جائز شرعا    دليلك الكامل للالتحاق ب مدارس التمريض 2024.. شروط التسجيل والأوراق المطلوبة والمزايا    بيت الزكاة والصدقات يستعد لتوزيع 300 طن لحوم على المستحقين غدا    «ري كفر الشيخ»: متابعة مناسيب المياه بالترع والمصارف على مدار الساعة    عودة الاقتصاد المصرى إلى مسار أكثر استقرارا فى عدد اليوم السابع غدا    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    الصحة: فحص 14 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطيفة
نشر في بص وطل يوم 15 - 04 - 2014


ننشر الفصل التاسع والعاشر من رواية " الخطيفة"
الفصل التاسع
……………….
شو بتقصد؟… احكي أنا ما بفهم عليك…
رد بنظرات متوعدة رغم لهجته المتهكمة:
بقصد إنك رميتيها وأنا لقطتها!!… أنت سويتيها وأنا أكلتها!!…
لم تعاود السؤال.. لم تفهم شيء من كلامه الملئ بالأحاجي… ولكنها شعرت بما يقصد… ولم يطب لها الإحساس بنواياه…
حاولت انتزاع ذراعها منه:
اتروك إيدي… أنا ما بفهم عليك وما بدي أفهم… وكيف وصلت لهون؟.. أنت بتراقبني؟!…
أكيد… كنت بعرف إنك ما بتستسلمي بسهولة, وإنك أنانية ما بتهتمي إلا بحالك وبس… امشي قدامي..
زرعت قدميها في الأرض كالبغل العنيد:
أنا ما راح أتحرك من هون قبل ما أعرف وين راح تاخدني…
رفع حاجبيه مقهقهاً:
هيك لكان…. راح أخدك على عش الزوجية السعيد!!… بدون فرح… بدون فستان عرس… بدون أي شي يحق لأي عروس.. لأن العروس الهربانة ما بتستحق أي شي… متل ما أخوك خطفا لأختي… مع الفارق إني زوجك… ما حدا بيلومني!!…
هزت رأسها بشحوب:
لا… لا… بابا راح ينجلط….
هلقيت بتفكري في أبوك!!!… ومن شوي لما كنت حتهربي وتفلي من الجوازة ما همك أمره؟!… ولا أمري وصورتي وسمعتي من الأهل والعشيرة لما مرتي تهرب مني يوم زفافنا… غلطتي غلطة كبيرة يا سوريانا وراح تدفعي تمنا… غالي كتير…
ازدادت عناداً عندما لمحت إصراره في بريق عينيه القاتمتين.. رفعت ركبتها وهوت بقدمها على ربلة ساقه, فخفف مسكة ذراعها لتستغل الفرصة وتطلق لساقيها العنان هرباً بعيداً عنه… وقف مكانه يناديها بتنهيدة انزعاج:
اعقلي يا سوريانا وارجعي لهون… ما تخليني أعصب..
ولكنها لم تستمع له.. كانت تعرف أن فرصها بالهرب ضئيلة… ولكن لم قد تستسلم بهذه السهولة وفي إمكانها أن تكبده المزيد من التعب!!!… شعرت بمدى سخافتها عندما سمعت بعد لحظات حوافر جواده تنهب الأرض في إثرها… وفجأة امتدت ذراعه ليلتقطها لتجد نفسها تطير في الهواء لتستقر أمامه على صهوة الجواد….. هجمت على وجهه تخمشه بأظافرها وارتاحت نسبياً عندما رأت الدم يسيل من العلامات التي تركتها..
كز على أسنانه وجمع يديها بيد واحدة دون أن يترك لجام الجواد من يد الأخرى… وزمجر بتهديد:
سوريانا… اهدي…
صرخت دون أن تعبأ بأي شيء:
ما بدي أهدا… اتركني وإلا…..
وإلا شو؟… عم بسمعك…
انحنى فوقها ليزداد اقتراب وجهه من وجهها… تغلغلت نظراته في كيانها لتفقد رباطة جأشها وهو بهذا القرب يعيد لذاكرتها القصيرة ذكرى أول لقاء عندما كان يحدجها بنفس نظراته الخطيرة هذه…
كان لا يزال الجواد على سرعته عندما أغمضت عينيها لتقترب أكثر من شفاهه الحسية… كانت لحظة إنجذاب متبادلة, فقدا فيها عنصرا الزمان والمكان قيمتهما… كان يحلم بتلك اللحظة التي يقطف فيها الشهد من شفتيها المثيرتين, وقد تحقق حلمه ليجدها طيعة بين يديه… ناعمة… مثيرة كما كان يتمنى…
وعلى حين غفلة اجتاحه ألم رهيب عندما تحولت قبلتها الناعمة لمتوحشة عندما غرزت أسنانها في شفته السفلى… ولم تتركها… حاول وحاول تخليص نفسه بزمجرة لاعنة, ولكنها ظلت متمسكة بها حتى دفعها عنه بقوة لتسقط عن صهوة الجواد وتتدحرج على الأرض القاسية وتتسبب لها بالعديد من الخدوش…
شعرت وكأن كل عظمة في جسدها الهش قد تكسرت… كانت تئن من الألم عندما ترجل بسرعة عن جواده ليلحق بها… وبنبرة قلقة نادى عليها وهو يحمل جسدها المكدوم:
سوريانا… حبيبتي ردي علي… شفت لوين وصلنا عنادك… حاكيني سوريانا… فيكِ شي؟…
ردت بصوت كالأنين:
بعد إيدك عني… اتركني بحالي…
أخذ نفس عميق وكأنه اطمأن:
بظن أنك بخير… لسانك لساتو عحالو!!…
فتحت عينيها ببطء لتطالعها ملامح وجهه التي لم تتخلص من القلق المرسوم عليها بعد… رغم أنها شعرت برغبة بالضحك من منظر شفته السفلى المتورمة…
اضطرت للاعتماد على ذراعه لتقف عندما رفضت بشدة أن يحملها مرة أخرى… سألها بنبرة متهكمة:
سوريانا… خلصنا ولا لساتك عندك ألاعيب؟…
صاحت بتحدي:
توني بلشت.. ما عمرك بتخلص مني… ولا عمري راح كون متل ما بدك…
لمس شفته المتورمة بنظرة عتاب:
وأنا بتعلم من أخطائي… وما بترك تاري…
دفعها لتسير أمامه بصعوبة.. حاول مد يده لمساعدتها فأهدته زغرة شريرة فتراجع رافعاً يده:
لازم تقبلي مساعدتي… ما راح تقدري تمشي بحالتك هاي لهونيك…
ردت بصوت جامد:
ووينه ها الهونيك تبعك؟!
أبعد بكتير من إنو حدا يلاقينا فيه!!…
التفت نحوه بصعوبه تحدجه بنظرة حذرة:
بتقصد… إنون راح يدوروا علينا؟….
رفع أكتافه وأنزلهما:
إيه طبعاً… خصوصاً بعد ما يخبرون مرسالي إني خاطفك!!….
شهقت مذعورة:
شو؟!… خاطفني!!… وليش؟..
ما تشغلي راسك بهيك شغلات… الشي اللي لازم تعرفيه إنك هلا يا سوريانا خطيفتي… بس اللي كانوا يهربوا قبلنا كانوا يهربوا ليتجوزا… أما نحنا… اتزوجنا وبعدين هربنا…. النتيجة واحدة…
وشو راح يصير هلا؟
هلا راح تمشي معي وبدون أي حوادث حتى نوصل لبيتي…
ودفعها حتى وصلت للجواد, تقبلت على مضض مساعدته لتجلس على السرج ثم ارتفع بخفة ليجلس أمامها بعنفوان وكبرياء, حدجها بنظرة للخلف قائلاً بنبرة آمرة:
إمسكي فيني بلا ما توقعي…
ردت بعناد:
أنا منيحة هيك…
لم ترى نظرته الشريرة وهو يلكز الجواد بقوة لينطلق بسرعة اضطرت لتتمسك بصدره كيلا تقع على ظهرها مرة أخرى…
وضعت رأسها على ظهره متمتعة في الخفاء بقوته الظاهرة واحتمائها فيه أنعش بداخلها إحساس الأنثى… أغمضت عينيها بقوة لتمتع بهذه اللحظات القليلة بعيداً عن نظراته المتهكمة ولسانه اللاذع, وعن كبريائها…
عرفت بعد قليل أن من سيبحثون عنهما لن يجدوهما أبداً.. فقد دخل الجواد في أماكن غير مطروقة… وظل يدور في متاهات في الجبل حتى توقف أخيراً أمام بيت خشبي صغير يرتكن في ظل هضبة ضخمة… نزل أولاً ثم مد يديه ليتلقفها… لم تجد مناصاً من قبول مساعدته هذه المرة… فقد كانت مشدوهة بالمناظر المحيطة بها, على مرمى البصر لا شيء غير الصحراء الصفراء برمالها الناعمة وجبالها الشاهقة وشمسها التي بدأت تتجه لتتوسط كبد السماء… ولا وجود لأي شجرة خضراء في مجال بصرها من جميع الإتجاهات:
شو ها المزحة السخيفة هاي؟؟.. منو ممكن إنك تكون متوقع إني أعيش معك هون… لا… لا… مستحيل… هادي أسوأ مزحة ممكن….
صوته الصارخ بغضب:
سوريانا… اتطلعي بوشي شايفاني بتضحك شي…. أنا ما بمزح معك…. الزوجة بتعيش مع زوجا في أيا مكان…
إنت زودتها كتير…
زمجر بتهديد:
بعدني يا بنت الناس…
كتفت يديها حول صدرها وأغمضت عينيها لحظة ثم فتحتهما لتسأله بنبرة مهتزة حاولت التحكم في نبرتها كي لا يظهر الخوف الذي يتملك منها:
لإمتى؟…. ممكن أعرف… لإمتى بتضل حابسني هون؟..
قلب شفتيه بامتعاض:
للوقت اللي بدي!!…
هاي الطريقة اللي بتفكر فيا ما بتفيدك… ولو نطحت راسك بالصخر يا فراس القاسمي ما بدي أعطيك…
انحنى بسخرية متجاهلاً تحديها:
اتفضلي يا عروس.. بيتك… شكلنا مطولين هون..
………………………………
الفصل العاشر
………………..
اتفضلي يا عروس …شكلنا مطولين هون …سرت قشعريرة من وقع كلماته
أبعدت جسدها عن ملمس يده مجفلة, وهي تدخل ولكنه لم يتبعها.. من طرف عينها رأته يتجه للجواد ليؤمن مربطه…
رائحة التراب الذي يمتلئ به المكان زكمت أنفها…. وزاد من احساسها بالغثيان خيوط العنكبوت التي تتدلى خيطانها من السقف لتعلق بوجهها وشعرها…
كانت تصارع خيوط العنكبوت عندما لحق بها وكاد أن يضحك من منظرها عندما التفتت له بعينين تقدحان شراً:
شايفاك عم تتسلى.. هاد منو ببيت هادي زريبة..
رد كاتماً ضحكته:
هيدا بيعتمد على سكان المكان… إنت شايفة حالك هيك.. مين أنا لأعترض!!…
صرخت بغيظ وهي تلوح بقبضتها بوجهه:
نضف الخرابة تبعك, بدي أرتاح بمكان…
تلفت حوله ليجد أن عندها حق من جوانب كثيرة, ولكنه رفع أكتافه ومط شفتيه:
راح أنطرك برة لحين ما تروقي المكان… برتاح لي شوي, طول الليل ما نمت وأنا بنطرك يا خانوم…
اضطرت للحاق به بسرعة قبل أن يغادر وهي تصيح بشبه صراخ:
إنت لوين رايح؟!… أنا ما راح أمد إيدي لأنضف الزريبة تبعك… أنت بتحلم فراس بك..
رد متهكما يلوك الكلمات في فمه:
متل ما بدك سورينا خانوم…. واجبات الزوجة معروفة متل واجبات الزوج تماماً..ا لزوج بيوفر السكن والطعام… والزوجة بتنظف وتطبخ… وت.. عمل أشياء تانية راح أبلش أعلمك إياها بعدين!!…
احمر وجهها بقوة وهي تتظاهر بعدم فهمها لكلامه, وكتفت ذراعيها على صدرها قائلة بصوت عالي النبرة أكثر مما أرادت:
وبعدين؟
تظاهر أنه لم يلاحظ ما اعتراها من ارتباك وأردف:
في هاي الحالة… لما الزوج بيوفر كل شي, والزوجة تقصر بواجباتا… دور الزوج إنه يعلما.. ويأدبا… ويضربا لو احتاج الأمر…
رفعت حاجبيها باستخفاف بكلامه:
إيه.. وبعدين؟ ما خفت… ما خوفتني…
اقترب بوجهه منها لتتعلق نظراتها بشفته المتورمة.. ولكن صوته المحذر أعاد عينيها لتلتحما بنظراته القاتمة فأرعد جسدها وكأن الكهرباء مستها وهو يتمتم:
راح تخافي يا سوريانا حتى من طلوع الضو… أنا خارج ولما تخلصي ناديني..
وقفت تعض على شفتيها بقوة وغيظ, ثم دقت بقدميها في الأرض… وضعت يدها على بطنها عندما أصدرت صوتاً نداء للطعام… فصاحت بصوت خفيض:
يا ربي!!.. شو أعمل؟!..شو ها الورطة هاي؟؟.
التفتت تتأمل المكان حولها فلم يبدو بالسوء الذي ظهر أول مرة… كانت الغرفة عبارة عن مجلس عربي بسيط بوسائده المحشوة… وفي أقصى الزاوية كانت تقبع أرجيلة وبجوارها لوازمها من أكياس فحم وأوراق مفضضة… جعدت أنفها وكأن رائحة الأرجيلة المطفأة وصلت إليها…
سارت بخطوات وئيدة لتكتشف وجود باب آخر يفضي لغرفة أصغر حجماً مفروشة بالموكيت كالمجلس العربي, وفي الزاوية استند على الجدار لفائف الأغطية… تقدمت بضع خطوات لتكتشف باباً آخر, ندت عنها زفرة ساخرة عندما ذكرها المكان بمغارة علي بابا… كان الباب يفتح على حمام صغير بدائي ولكنه نظيف وموصول له أنابيب مياه, تعجبت من أين تحصل الأنابيب على مصدرها من المياه…
فتحت الصنبور لتتأكد من وجود المياه الباردة غسلت وجهها مما علق بها من غبار لتنتعش… خلعت الحقيبة عن أكتافها وخلعت قميصها المتسخ والممزق نتيجة سقوطها…. نظرت في المرآة لتفاجأ بمنظرها المزري… كما ظهرت العديد من الكدمات على أكتافها, وشعرت بالمزيد على ظهرها المتألم….
انتعشت بقدر ما هو متاح ثم ارتدت قميصاً آخر بأكمام طويلة.. فكرت في ورطتها ولم تجد أن الإستسلام للواقع سيساعدها كثيراً… قد يكون فراس رجل جذاب, شديد الرجولة… خطير لو فكر بتسليط جاذبيته ليطيح بمقاومتها… احمرت وجنتيها بقوة عندما تذكرت إحساسها بقبلته قبل أن تقضم شفتيه بوحشية… إحساس لم يتمكن رجل من جعلها تشعر به من قبل.. وهو تملكها من أول نظرة عند أول لقاء في خيمته في ذلك النهار القريب البعيد…
خرجت للغرفة… اتجهت للنافذة تفتحها واستغربت من نسمات الهواء الخفيفة التي طيرت خصلات شعرها الذي تركته منسدلاً على ظهرها… وقعت نظراتها على مقشة قديمة الطراز تنهدت بصعوبة وهي تفكر فيما ستفعل… ولم تجد مناصاً من تنظيف المكان الذي ستجلس به على الأقل…
وبدأت بحملة التنفيض ولم تشعر بمرور الوقت عندما استلقت على الأرض منهكة لاهثة, تطلعت حولها وأدركت أن النتيجة توازي المجهود المبذول… ولكن في المقابل اشتد جوعها وازداد معه عطشها خاصة بعد كمية الغبار التي استنشقتها…
دخلت الحمام الصغير مرة أخرى لتغتسل وتخلع ثيابها… نظرت للدوش بتحسر وتمنت لو تستحم, فهذا ما تشتاق له أكثر من الطعام والماء…. خلعت ثيابها وتركت الداخلية فقط… وراحت ترطب عنقها وأطرافها لعلها تشعر بتحسن… وفجأة تجمد كل عصب في جسدها عندما سمعت صوته المتهكم خلفها يهتف متهكماً:
يعطيك العافية…
سحبت المنشفة بسرعة لتخفي ما استطاعت من جسدها ولم يكن كثيراً نظراً لصغر حجمها… وصاحت بوجه محمر من الإحراج:
شو ها الغلاظة هاي!!… كيف بتتعدى على خصوصيتي بكل وقاحة؟!!…
كانت عيناه تجوب سيقانها الطويلة وصولاً لجسدها المختفي خلف قصاصة المنشفة باستمتاع:
اتركي شغل الولاد الصغار هاد يا سوريانا… من حقك تتدللي وتخجلي… بس ما تزوديها عاد.. وما تطولي لسانك.. ما راح اتحمل دلالك الزايد كتير…
التفت ليغادر الحمام وكادت تتنفس الصعداء عندما عاد مرة أخرى:
آه بالمناسبة… جهزت لك الفطور… بس ميشانك عروس جديدة…
أخفضت رأسها بتهكم:
كتر خيرك… ما في منك والله …
أسرعت بارتداء ثوبها الوحيد الباقي بحقيبتها… فكرت بأسى… كيف ستبقى بدون ملابس… كان الثوب يغطي لما بعد ركبتيها ولكن حمالاته الرفيعة تكشف عن مساحة كبيرة من الصدر… نظرت لنفسها بضيق في المرآة تشعر بضيق لم تعتده في الماضي عندما كانت ترتدي ملابس أكثر كشفاً لأنوثتها الطاغية…
كان ينتظرها في الغرفة النظيفة وقد افترش الطعام على صينية ذات أرجل قصيرة…
أشار لمساحة من الأرض جواره:
تعي سوريانا جنبي…
زفرت بقرف وهي تجلس في المقابل:
أوووف.. إنتا ما بتمل!!…
رفعت زجاجة الماء تشرب بنهم حتى ارتوت… لم تلحظ عينيه التي تابعت قطرات المياه تسيل على عنقها حتي توارت في عمق صدرها الناهد…
أنزلت الزجاجة لتفاجأ بعينيه المحدقتين برغبة لم يحاول إخفائها…
وضعت يديها على صدرها تزجره بارتباك:
إنت عشو عم تتطلع؟!!….
قلب شفتيه باحتقار:
بهيك تياب ما تتوقعي إن أي رجال ينضر لك بغير شكل!!…
احكي عن حالك وبس… مو كل الرجال متلك…
متلي؟؟.. كيف يعني ؟.. من وين بتعرفيني أو بتعرفي رجال غيري؟
إيه بعرف.. ما في أي رجال قابلته نضر لي هيك نضرات وقحة… غيرك…
أنا بنضر لحقي بالشرع والقانون.. وما في رجال غيري يحق له يتطلع لجسمك المكشوف بهيك تياب بدون حيا…
مو أنا بس اللي لابسة هيك… كل البنات….
صرخ بغضب أخافها:
ما لي دخل بكل البنات… وإنت خلص صرت مره متجوزة حاجة بقى هيك مساخر وتياب ما لا قيمة…
وسكت للحظة ثم أردف بخبث:
إلا إذا لبستيا مخصوص من شاني!!..
صاحت بسرعة مدافعة:
لأ… كل تيابي اتوسخت وما عندي غيرو.. وكمان كل تيابي متله هيك… منو عاجبك ما تتطلع!!…..
كلي فطورك يا سوريانا… حاجة حكي ما إله طعمة… من يوم ورايح ما راح يلمس جسمك إلا التياب اللي بشتريا أنا…
صاحت بعناد:
بضيع وقتك ومصاريك… ما راح ألبسا…
نهض واقفاً معلناً قراره بصلف:
حكمت على حالك تضلي هون لحد ما عقلك يرد لراسك…
نظرت للأكل وفجأة فقدت شهيتها… نهضت وفرشت الأغطية على الأرض واندست داخلها لتترك لدموعها العنان…..
"شو بك سوريانا؟!!…. ليش البِكي والنواح؟!… اوعك تفكري.. اوعك تكوني متل ما بدو هاد القاسمي… كان معتز مناسب… متل ما بدك بيكون… أما هاد… والله ليسلخ جلدك وما بقى تعرفي حالك وقت ما تتطلعي بالمراية… عارفة بتشوفي مين…. مرته لفراس القاسمي… وسوريانا الأكرمي اترحمي عليها… كانت بنية منيحة.. بس ما إلا حظ"…
شهقت منتفضة من حلمها المزعج تتطلع حولها بذهول… كانت الغرفة أقل إشراقاً وقد بدأ الظلام يسكن أركانها… نظرت للنافذة فأدركت أن الشمس على وشك المغيب… نهضت تنفض عنها الكسل…
استمعت… كان السكون والهدوء مزعجان… سارت ببطء لتتطلع لغرفة المجلس.. كانت نظيفة تماماً.. يبدو أنه قضى وقتاً طويلاً في تنظيفها.. ولكن… أين هو؟…
استمعت بالخارج… ولكن.. لا شيء… بحذر تحركت ناحية الباب أطلت برأسها… على ضوء شفق الغروب الأحمر كان كافي لتدرك أن فراس لا أثر له!!!…
حاسة الأنثى بدأت تتوجس شراً…. ازدردت لعابها بصعوبة وهي تغلق الباب وتحتمي خلفه من هواجسها…
مرت ساعة وتلتها أخرى وعم الظلام المكان… جلست في فراشها ترتعش أسفل أغطيته, خاصة عندما بدأت أصوات عواء ذئاب الجبل تتردد صداها في التلال المحيطة… وآلاف الأسئلة تحتشد برأسها قد يكون تركها لتتعلم الأدب… أو ربما ذهب ولن يعود إلا بعد أيام… وربما أصيب أو التهمه ذئب جائع… ولن يعود, ولا يعرف غيره هذا المكان…
أغمضت عينيها تحاول تهدئة نفسها…
"اهدي سوريانا.. ما راح يصير شي… مو هو بيقول أني مرته.. وما في رجال بيترك مرته ويفل هيك…. إيه يمكن بيلعب بأعصابي… والحين… بيرجع.."
بدا لها أنها تستمع لصدى كلماتها السخيفة وتضحك من سخافتها…
مر وقت طويل قبل أن تسمع لأصوات حوافر الجواد..
أخذت أنفاساً عميقة وراحة منعشة غمرتها بعد توتر وقلق… وضعت رأسها أسفل الغطاء تدعي النوم العميق… خيل إليها أن وقتاً آخر طويلاً مر قبل أن تسمع أصوات أقدامه تقترب من الغرفة… ويفتح الباب… وصوتاً يناديها… صوتاً غريباً أجش… ليس كصوته القوي الممتلئ ثقة وهيبة…
ببطء أبعدت الغطاء عن رأسها..
وتطلعت للقادم… وشهقت برعب شديد….


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.