نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    بالصور.. توريد 300 ألف طن قمح إلى صوامع الوادي الجديد    لابيد: حكومة نتنياهو ستسقط ودولة إسرائيل ستنهض    علي السيد: الإعلام الإسرائيلى يروج أكاذيب عن مصر لإحداث بلبلة    تأزم موقف "أبها موسيماني" في الدوري السعودي بالسقوط بخماسية أمام الأهلي    «قلبي سيبقى في الأنفيلد دائمًا».. كلوب يُودع جمهور ليفربول بكلمات مؤئرة    نانت الفرنسي يستبعد مصطفى محمد من مباراة موناكو لرفضه ارتداء هذا القميص    اجتماع عاصف بين لابورتا وتشافي في برشلونة    نوران جوهر تتوج ببطولة CIB العالمية للإسكواش    بسبب الحر.. حريق يلتهم 3 حظائر ماشية بالمنوفية (صور)    رقصة رومانسية بين سامح يسري وابنته من حفل زفافها    أستاذ علوم فضاء تكشف تفاصيل العثور على نهر مفقود بجانب الأهرامات    دنيا وائل: «بحب أتكلم عن الوحدة في الأغاني واستعد لألبوم قريبًا» (فيديو)    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    «مش ميكروب».. حسام موافي يكشف العلاقة بين البطيخ والإسهال (فيديو)    واشنطن بوست: أوكرانيا تصارع الزمن قبل برد الشتاء لإصلاح شبكة الطاقة المدمرة    تفاصيل مسابقات بطولة البحر المتوسط فى الإسماعيلية بمشاركة 13 دولة    ميلان يتأخر أمام تورينو بثنائية في الشوط الأول بالدوري الإيطالي.. فيديو    فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. فيديو    السكة الحديد تعلن تشغيل قطارات إضافية استعدادا للعيد.. تبدأ 10 / 6 / 2024    الاتحاد الأوروبى يدين هجومًا استهدف أجانب فى أفغانستان    مالديف مصر بمرسى علم.. تعيش فيها عروس البحر والدلافين والسلاحف.. شوف الجمال    الإسكان: استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالى    أستاذ قانون عن عدم تقدم العرب بدعوى ضد إسرائيل في "العدل الدولية": تكتيك عربى    مكتب نتنياهو: إذا كان جانتس يفضل المصلحة الوطنية يجيب عن الأسئلة الثلاثة    4 أبراج أساتذة فى حل المشاكل العاطفية.. الجدى والحمل الأبرز    تنفيذ 31 قرار غلق وتشميع لمحال وحضانات ومراكز دروس خصوصية مخالفة    وزارة الحج: دخول السعودية بتأشيرة عمرة لا تمكن حاملها من أداء الحج    اشتباكات بالأيدي بين نواب البرلمان العراقي في جلسة انتخاب رئيس البرلمان    الأطعمة المصنعة السبب..الإفراط في الملح يقتل 10 آلاف شخص في أوروبا يوميا    صحتك بالدنيا.. لطلاب الإعدادية.. هدى أعصابك وزود تركيزك فى فترة الامتحانات بأطعمة مغذية.. وأخطاء غذائية شائعة تجنبها فى الموجة الحارة.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على قلبك؟.. طرق الوقاية    جامعة طنطا تعالج 6616 حالة بالقرى الأكثر احتياجا ضمن "حياة كريمة"    مطالبة برلمانية بكشف سبب نقص ألبان الأطفال    قبل مناقشته ب«النواب».. «الأطباء» ترسل اعتراضاتها على تأجير المستشفيات لرئيس المجلس    تراجع كبير في أسعار السيارات بالسوق المحلية.. يصل ل500 ألف جنيه    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    مدير «القاهرة للدراسات الاقتصادية»: الدولة تسعى لزيادة تمكين القطاع الخاص    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لاهتمامه بعمارة بيوت الله    مهاجم الترجي السابق يوضح ل "مصراوي" نقاط قوة وضعف الأهلي    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مصير تاليسكا من المشاركة ضد الهلال في نهائي كأس الملك    شركات السياحة تنهي استعدادها لانطلاق رحلات الحج    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    هام لطلاب الثانوية العامة.. أجهزة إلكترونية ممنوع دخول لجان الامتحان بها    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطيفة
نشر في بص وطل يوم 06 - 04 - 2014


ميرفت البلتاجي
نستكمل نشر رواية الخطيفة
الفصل السابع
……………
تطلعت لأعلى حيث ما يزال واقفاً أمامها بملامحه المتحدية, برائحته المميزة, وحضوره القوي.. يكاد يسرق أنفاسها من صدرها… خاصة وقد زادت خطورته وخشونته لحيته السوداء التي خيمت على عينيه بوميض قاتم, زاد من رعبها وهي التي لم يخيفها مخلوق منذ وعت على الدنيا…
فهمت علي منيح سوريانا خانوم…
استطاعت إخراج صوتها أخيراً بدون أن تعرف كيف استطاعت فعلها, ولكن إحساسها أن ما يحدث خارج عن إطار أي منطق أو عقل دفعها لترد التحدي بمثله…
لو حكمت يا فراس بك.. ما راح تاخدني إلا ميتة.. وهذا وعد مني… أنا سوريانا… ما حدا يسترجي ياخدني غصب بنوب…
رد بثقة بالغة بالنفس:
ما راح أعيد نفس كلامي.. بس أنا مني بأيتا حدا… أنا زوجك… وتاج راسك… وولي نعمتك… واللي راح يعلمك كيف تكوني زوجة خاضعة راضية… وبكرة الأيام راح تفرجيكي… بيك وخيك عملوا منيح في حالهم, لأني ما كان عندي النية إني أخليك ولو شو ما صار.. مش قبل ما أعلمك الأدب يا بنت الأكرمي!!
جزت على أسنانها بصوت كالأنين:
إنت إنسان غليظ ووقح… وأنا مترباية أكتر منك…
كانت قهقهاته الضاحكة آخر ما سمعت قبل أن يخرج ويصفق الباب خلفه..
تطلعت للباب المغلق بذهول.. وفجأة انفتح لتدخل أمها وآثار البكاء على وجهها.. أسرعت لابنتها تضمها مذهولة بين يديها..
سوريانا حبيبتي.. تئبري قلبي.. شو مالك يا عيني؟…
إمي… شو عم بيصير؟!…. وليش؟!… ليش يا ماما؟!.. ليش؟.. أنا شو عملت بحياتي ليصير فيني هيك؟!!…
أنهت جملتها بصراخ فاحتوتها أمها مرة أخرى تهدئها:
خلاص.. خلاص.. يا عمري اهدي…
صرخت بنحيب:
أهدا!!… وليش أهدا؟.. علشان تعملوا اللي بدكم إياه كمان… ليش كذبتم عليا؟… ليش؟…
اخرسي يا بنت.. مين كذب عليكي؟ أنت واعية لكلامك وشو عم بتحكي…
رفعت رأسها عن أحضان أمها لتتطلع لأبوها واقفاً على عتبة غرفتها… ونهضت لتقف وتقترب منه صائحة بدون خوف:
إنت.. إنت كذبت عليا يا بي…
رأت ألوان الدنيا مجمعة عندما انهال عليها بصفعة كادت تطيح برأسها… سمعت صرخة أمها من الخلف, فأعادت رأسها بدموع متجمدة وهي تعيد السؤال:
ليش يا بي؟.. ليش فهمتني إنك راح تتفاهم معه لفراس القاسمي وتحاول تقنعه يبطل الجوازة؟… ليش؟…
دق بعصاه في الأرض بقوة ورفع رأسه عالياً فبدا مهيباً بشواربه البيضاء المفتولة… ولكنها لم تهتز وهي تقف بمواجهته بانتظار الإجابة..
ليش يا بي؟… أنا ماني بنتك حبيبتك؟… ما كنت تدللني وأنا صغيرة وتحلف لي بشواربك أنك ما راح تعطيني إلا للرجال اللي بيستاهل سوريانتك؟..
رد أبوها بصوت جامد بدون أن ينظر بعينيها:
هداك هو الرجال يا سوريانا… ولو ما كان هو, ما في أي رجال غيره بصير بمكانته… اسمعي كلامي يا بنتي.. أنا أبوك وما حدا بيعرف صالحك أكتر مني… وأنا ما كذبت عليكي… أنا حاولت أحكي معه, بس وكأني بضرب راسي بالحيط, أديش أنه عنيد وراسه يابس.. ما رضي يا بنتي ومن شان يقطع عرق ويسيح دم, طلب إنه يدخل لغرفتك…. ما فيني أمنعه يا سوريانا.. ما في حدا بقدر يمنع رجال عن مرتو… فيه ياخدك من هون هلا بدون ما حدا يوقف بوشه… ارضي بنصيبك يا بنتي…. ما فيك تتحدي قدرك…
عادت تحدق بالباب المغلق بذهول مرة أخرى بعد خروج والدها, ثم التفتت تحدق بأمها…
يا مي… هاد كابوس… كابوس.. حدا يصحيني منو…. لا مش ممكن يصير هيك… مش ممكن يكون هاد قدري زي ما بتحكوا… ليش علمتيني وإنتِ عارفة إنه هاد مصيري الأسود؟… خادمة تحت رجلين فراس بك القاسمي..
انتحبت أمها تحاول تهدئتها:
الله يرضى عنك يا بنتي لا تعملي بحالك هيك.. .تمسي نار تصبح رماد يا مو….
لا .. ما في رماد إمي… النار اشتعلت وشعللت وما عاد فينا نطفيا…
سوريانا حبيبتي.. إنتِ لو فكرتِ شوي بهداوة راح تعرفي إن بيك على حق…
صرخت الفتاة بانفعال:
حق!!… أيا حق؟!… ما في حدا هون بيفهم عليي… بتاخدوني من الدار للنار هيك وما بدكو إياني كمان أصرخ من الوجع؟!!!…
تمتمت أمها من بين نحيبها:
تئبريني يا روح إمك… إن شاء الله اللي يكرهك يا قلبي..
نزلت شهقاتها الباكية على قلب أمها كالحمم تكويها.. ولكنها ظلت عاجزة عن رفع الألم عن ابنتها ولا حتى بالكلمات…
يا ريت فيني أساعدك يا بنتي… بس شو أعمل يا ربي بس؟..
مسحت سوريانا دموعها قائلة بلهفة:
إيه إمي… فيك تساعديني…
بس احكي لي كيف وأنا ما بتأخر…أنت نور عيوني يا سوريانا
ساعديني لأهرب…
ضربت الأم بيدها على صدرها صارخة:
شووووو!!!!… إلا هاي…
عادت سوريانا تنتحب:
ما في حل تاني… يا إما هيك.. أو… راح أموت حالي وذنبي برقبتكون…
لا.. يا حبيبتي الله يرضى عنك.. ما تخليني أعيش باقي أيامي في الدنيا بحسرتي على شبابك… بس أبوك وأخوك ما راح يوافقوا…
تسلل الأمل إليها فأسرعت تمسك بقبسه:
دخيل الله يا مي….. وليش راح تقوليلون؟… ما لازم يعرفوا…
سألتها أمها حائرة:
طيب وين بدك تروحى يا بنتي؟…
عند خالتي في العاصمة.. متل ما كنت عايشة معا أيام الجامعة, هي بتحبني وما راح تكل مني.. الله يخليك يا مو وافقي… لو بتحبيني وافقي..أبوس أيديكي..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم… ماني عارفة شو أحكيلك والله يا بنتي… خليني أفكر… يوم الخميس باقي عليه يومين… من الحين لوقتا… يغير الله من حال إلى حال… عايني خير يا بنت جميلة, والله ماني عارفة أخرة ها الطريق لوين… بس حلقة بإدنك اسمعيها من إمك الختيارة الجاهلة… لأي مكان في الدنيا بدك تهربي في النهاية حتلاقي حالك من مكان ما بديت… زوجة فراس القاسمي.. ما في مكان في الأرض ممكن تتخبي فيه من ها الحقيقة… راح روح شوفوا لبيك, وإنتِ حاولي ترتاحي لك شوي.. الله يستر علينا من الأيام الجاية…
ولكنها لم ترتاح.. لم تستطع البقاء ساكنة والأرض تتحرك من تحت قدميها.. يومان فقط… يومان وتدخل عروس لبيت القاسمي… أعادت خصلات شعرها الثائرة كصاحبتها للخلف بأصابعها… تكاد تصرخ من شدة ما تشعر من ضغط… وراحت تسترجع بذاكرتها وجه فراس من اللحظة الأولى التي رأته فيها… أي منذ يوم واحد تقريباً.. ومن وقتها للآن كل هذه الأحداث مرت وكأنها تعرفه طوال سنوات عمرها… ألقت ضحكة دامعة وهي تتذكر حديث أمها عندما أخبرتها أن قرانها عقد وهي ما تزال بمريول المدرسة تلهو بالطابة في الحارة… وعمرها تسع سنوات فقط… أي عقل وأي جنون ما حدث وما يحدث؟!!.. والأهم.. ما سيحدث…
مر اليومان عليها كالدهر… وفي فجر الخميس كانت بانتظار إشارة أمها لتؤمن لها الطريق كما اتفقتا… ارتدت ثيابها… بنطلون ضيق وبلوزة خفيفة بأكمام قصيرة لتسهل عليها السفر… وتلفحت بشال على رأسها وحملت حقيبتها على ظهرها واستعدت لأخطر خطوة في حياتها…
دخلت أمها مرتبكة ومرتابة تفرك يديها:
سوريانا… بلا يا بنتي تهربي.. أنا قلبي ما هو مطمن بنوب…
زفرت بانفعال:
ماما… خلصنا بقى… اطمني أول ما أوصل عند خالتي راح اتصل فيك.. ما تقلقي.. بنتك بمية رجال.. ما إنتِ شايفة شواربي كيف بيوقف عليهم الصقر…
لم تسطع الأم الضحك على مزاحها فقد كان قلبها يتوجس شراً ولم تسطع إثنائها عن عزمها…
يا مو لازم أمشي هلا قبل ما تشرق الشمس.. ادعي لي يا مي…
الله يرضى عنك يا بنتي… ويسهل طريقك ويبعد عنك ولاد الحرام…. ويعطيك ويآتيك بمن يسعد قلبك يا سوريانا يا بنت جميلة…
ضمتها بقوة تبكي بحرقة ثم أطلقتها تغادر متسللة تحت جناح الليل الكالح…
أخيراً نسيم الحرية يتغلغل حواسها… كلما ابتعدت عن البيت إزداد إحساسها بها تغتال خلاياها.. تحثها على الإسراع للإبتعاد أكثر عن كل القيود التي فرضت عليها بدون مشورتها… عن كل من يفكر بإلغاء إرادتها الحرة… عن كل من يظنها سهلة المنال مرغمة على الخضوع… وصلت أخيراً للطريق السريع… أخذت أنفاس سريعة بصرخة فرحة وانتصار… وراحت تتطلع بأمل لعل أي سيارة تمر ويكون معها خلاصها للإبتعاد أخيراً عن هذه الضيعة وكل ما تمثلها…
حانت منها التفاتة للخلف… كم تبدو ضيعتها صغيرة بمبانيها العتيقة.. وأفكارها البالية وكأن القرن الواحد والعشرين لم يمر على هذه المنطقة… ما زالوا يعيشون في ظلال أعرافهم البائدة وأحكامهم الظالمة… وكل من تحت سطوتهم لابد أن يخضع… هزت رأسها بابتسامة باهتة وهي تحيط جسدها بذراعيها:
إلا أنا… يا أهل ضيعة أم الطنافس… إلا سوريانا…
التفتت بسرعة عند سماعها لصوت هدير سيارة يقترب…
……………………
الفصل الثامن
…………………..
كانت السيارة تزداد اقتراباً فأخذت تلوح بكلتى يداها بقوة لتوقفه…
ازدادت ابتسامتها اتساعاً عندما بدأت السيارة تهدئ من سرعتها في اقترابها منها…
وقفت السيارة جوارها وأنزل السائق النافذة ليتطلع لها بابتسامة:
أهلين يا حلوة… لوين طريقك؟…
أي مكان… إلا هون….
وهمت بإمساك مقبض الباب عندما أوقفها صاحب الصوت القوي من خلفها بلهجة لا تدع مجالاً للشك في نواياه الغاضبة:
الخانوم غيرت رأيا… شاكرين أفضالك أخي… يلا اتيسر لحال سبيلك الله معك..
لم تستدر… ظلت مكانها ممسكة بمقبض الباب وكأن أصابعها تجمدت عليها… ثم نظرت للرجل بتوسل:
بترجاك خدني من هون.. وبعطيك مصاري متل ما بدك…
ألقى نظرة للخلف للرجل المهيب ثم رد بصوت خافت:
كان بودي أساعدك إختى… بس مع هيك رجال… ما بظن.
صرخت بحدة وهي تضرب بقدميها على باب السيارة:
ايييييه العمى!!…. ما في رجال يستحق شواربه ينقذني من ها الورطة هاي…
ضربت الدماء برأس الرجل فخرج من سيارته واتجه ناحيتها ينظر لفراس بتحدي.. ثم فتح باب السيارة قائلاً بصوت أجش:
ادخلي إختي.. وأي رجال شايف حاله ومستغني عن عمره يوقف بطريقنا!!…
ترددت سوريانا وهي تسرق نظرات مرتعشة لفراس الذي ظهر التهكم على ملامحه, فازدادت خوفاً.. بدلاً من أن يغضب كما توقعت… وقبل أن تجلس داخل السيارة ارتفع صوت فراس مرة أخرى:
سوريانا… الرجال ما إله دخل بيناتنا… المسكين طالع ياخد رزقته من الله… ما تكوني السبب في رجعته لبيته مكسر العضام!!…
التفت له الرجل تقدح عيونه شراً:
إنت شو بتحكي؟!… وعلى مين بتحكي يا زلمة؟!…
تجاهله فراس تماماً وعاد يحدث زوجته:
سوريانا… الرجال اللي بتتحامي فيه هو نفسه راح يسلمك لإلي لما يعرف إنك مرتي…
تراجع الرجل مصعوقاً… يجيل النظرات بين كلا المتناحرين:
شو!!… مرته!!… الله يلعنك… بتهربي من جوزك وبدك ياني ساعدك!!… فعلاً اللي استحوا ماتوا… انقلعي من سيارتي… يالا ما تبليني فيك… استغفر الله العظيم يا رب على بكرة الصبح… ما تواخذني أخي والله فهمان الموضوع غلط….
أومأ فراس برأسه بتكبر وقد ازداد تهكماً أمام ملامح سوريانا المنكسرة, ودموعها المتوقفة خلف رموشها..
راقبت السيارة تهدر بضجيج مزعج وهي تبتعد في الأفق… وكأن آخر أمالها تضيع في أفق حياتها المظلم:
ما قلت لك إني قدرك يا سوريانا.. وما تحاولي تهربي من قدرك, راح يلاحقك ولو هربت لآخر مكان بالأرض…
التفتت تغالب دموع القهر والألم:
من حقك تضحك علي… أنت المنتصر بهاي الجولة كمان… بس أنا ما راح أستسلم بنوب…
أمسكها من كتفيها يهزها بقوة:
إنت شو مفكرة حالك؟!… ها… ما فكرت بالعار اللي لاحق أهلك بهروبك؟!.. ما فكرت براس بيك وخوانك اللي راح تندس بالطين بسببك؟!… بنتون هربت يوم عرسا.. عارفة شو معناتو هاد؟!…
ازدادت أصابعه ضغطاً على كتفيها.. وارتفعت حدة صوته قوة وعيناه بلمعاناً مخيفاً:
معناتا يا بنت الأصول… عارفة؟.. ولا عاملة حالك بنت مدينة وما بتفهمي بهيك شغلات بتخص الناس الجهلا أمتالنا؟…. بس الحكاية منا بحاجة لتفكير وحسابات كتيرة… البنت اللي بتهروب من عرسا معناتا إنا بنت غير شريفة… ودمها حلال بلال على جوزا… يعني لو المجلس العرفي اجتمع هلا بيحكموا بقتلك وما إلك دية عنا!!…
شهقت متراجعة عندما تابع هجومه غير عابئ برعبها:
شو ما عندك حكي هلا؟!… ليش هربانة من عرسك؟.. شو مخباية وخايفة ينكشف؟..
كانت تهز رأسها ببطء تحاول استيعاب ما يقول, وفجأة حاولت التملص من بين يديه بصراخ:
إنتا شو عم تحكي؟!… أنا ما إلي دخل إن كان تفكيرك أو تفكيرون مريض… إنتو كلكن ناس مرضى!!.. كيف بتتجرأ وبتحكي عن أخلاقي؟… وأنت نفسك بلا أخلاق!!… كيف بتقبل عحالك أنك تتجوز بنت صغيرة عمرا تسع سنين؟!… وبعد اتناعشر سنة لساتك متمسك فيا!!… شوف حالك يا بك قبل ما تحكم على الخلق!!…
تأوهت بصمت عندما اشتدت أصابعه بغضب لتنغرز في لحم كتفيها, ضغط على أسنانه ليرد ببريق مخيف:
واحدة متلك ما تحكي عن شي ما بتعرفه… من هداك اليوم المشؤوم أهلك بعدوك عن الضيعة وبعتوك لخالتك في العاصمة تتعلمي هونيك… حتى ما تسمعي وما تتذكري اللي صار… وصار يلي بدون إياه نسيتِ يا سوريانا, وكمان نسيتِ معه كل عاداتنا وتقاليدنا اللي بتحكمنا, واهم شي نسيتيه إني عملت هيك ميشان أنقذ حياة أخوك وإختى من الموت… ما كان في حل تاني…
صاحت بصوت مخنوق:
بس أنت كان فيك تبطل الجوازة لأنك ما مقتنع فيا… هيك قال لي نضال… ليش غيرت رأيك؟… ولا … أنا حيا الله مره ما لا قيمة… مو المفروض يكون لي رأي في الرجال اللي راح يكون شريك حياتي…
هز رأسه بابتسامة كئيبة:
بعد ما شفت نوعية الرجال اللي بتختاريون… ما أظن إن رأيك إله أي أهمية عندي… إنتِ مرتي يا سوريانا.. وبتضلي مرتي لحتى أنا أقرر إني ما بدي إياك… بدك تسميها تعصب… أو دكتاتورية مثل ما المتعلمين بيحكوا… ما راح يهز ولا شعرة بشواربي.
أديش إنك إنسان غليظ وما بتحتمل… أنا بكرهك… بكرهك…
رفع حاجبيه باندهاش:
يا الله!!.. بعدني عايش… يظهر إنك ما بتكرهيني كفاية ليقتلني كرهك!!….
اقترب ليمسك بذراعها فرفعته لأعلى مبتعدة:
ما تفكر إنك تلمسني… أنا بمشي لحالي…
وضع يديه بجيوبه متسائلاً بتهكم:
وعلى وين إن شاء الله رايحة الخانوم؟…
ردت وهي تتجاوزه:
عبيتنا…. وين راح روح لكان؟!….
التقط ذراعها يمسكه بقسوة قبل أن تبتعد عن مرمى ذراعه وهو يهز رأسه بأسف:
لا.. ما راح يصير مرة تانية إنك تغيبي عن عيني!!…
سألته بخوف شديد ظهر من نظراتها المرتعبة على أصابعه الممسكة بذراعها:
شو بتقصد؟…. وين راح أروح لكان؟؟
………………………………………….


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.