أما وقد أصبحت رئيساً فإن مُحبِّيك -وأنا أولهم- يقولون لك بكل صدق وعفوية: مصدقينك يا سيادة الرئيس، أنت لم تكن فى حاجة إلى قَسَم، فمن غيرك يحافظ على النظام الجمهورى؟ ومن غيرك يحترم الدستور والقانون؟ ومن غيرك يرعى مصالح الشعب ويحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه؟. لقد فعلتها قبل أن تكون رئيساً يحلف، وقبل أن يكتشف المصريون فيك بطلاً ملهماً، ويرفعون صورك، ويغنون لمصر التى رُدَّت إليهم بفضل استجابتك الحاسمة والسريعة أنت وقواتك المسلحة. فعلتها وأنت مجرد وزير فى كنف رئيس خائن وجماعة إرهابية قذرة، ووضعت رأسك على كفِّك واتكأت على إرادة ثلاثين مليون مصرى، ثم تعففت وأبيت أن تقايض، ولولا أن اتسعت جبهة الحرب وأصبحنا بصدد معركة إعادة بناء الدولة.. لما لبَّيت النداء. مصدقينك يا سيادة الرئيس.. حلفت أو لم تحلف. فنحن لا نصدق رؤساءنا لمجرد أنهم حلفوا.. فالرئيس الذى سبقك أقسم ثلاث مرات وخان القسم مائة مرة. والرئيس الذى سبق هذا الخائن أقسم وقعد على قلوبنا ثلاثين عاماً بالمخالفة للقسَم وللمنطق وللضرورة ولحركة التاريخ. نحن لا نصدق، ولن نصدق رئيساً إلا إذا جربناه وصبرنا عليه واختلفنا معه وبسببه، وبعدها نقرر: نسلمه للمشنقة.. أم لحراس الجنة. بعض الأصدقاء وصفونى بأننى «متطرف»، ووصفت نفسى بأننى «فاشى» فى عشق «السيسى»، وأتشرف بهذا، ولا أريد منه جزاءً ولا شكوراً. أنا أحب هذا الرجل بقدر كراهيتى للإخوان، وأحب المؤسسة التى ينتمى إليها بقدر كراهيتى لكل من يرفع فى وجهها سلاحاً أو شعاراً، وأحب هذا البلد «من الوريد إلى الوريد»، كما قال محمود درويش، وباتساع خريطة الدم التى حفرها شهداء الجيش والشرطة. وباسم هذا الحب وهذا الامتنان والتقدير.. أقول ل«السيسى» -ضابطاً وطنياً وبطلاً ملهماً ورئيساً يحرسه دعاء ملايين البسطاء: أنت الآن، من الآن ولأربع سنوات قادمة، ستحمل على كاهلك عبء الذين أحبوك والذين كرهوك والذين اختلفوا عليك أو بسببك، وأظنك أهلاً لهذا العبء، لكننى أوصيك ب«مصر».. وقد ائتمنتك على سرِّها: أولاً: لا تأمن لهذا الشعب، ولا تخدعنك مشاعر الحب التى أحاطك بها منذ «30 يونيو»، فهو لم يعُد مطيَّة لحاكم، ولم يعُد جاهلاً أو محايداً، ولن يصبر على وعود، وبقدر ما يحبك سينقلب عليك إذا وليت عنه ظهرك. هذا الشعب «لغز» يا سيادة الرئيس.. فافهمه جيداً لتعرف متى تحِن ومتى تقسو عليه، اتقِ شرَّ المصريين إذا غضبوا، لأن غضبهم من غضب الله. ثانياً: كن «عبدالناصر» إذا قضت الضرورة، خذ منه اثنتين: اقطع دابر الإخوان بادئاً من «الفكرة»، وتشدد فى انحيازك للفقير، بادئاً من الرغيف و«تختة» الفصل. ثالثاً: لا تأخذك رحمة بمن يسمون أنفسهم «رجال أعمال»، فأغلبهم لم يولَد وارثاً ولم يعرق فى جمع ثروته، خذ من أموالهم المنهوبة حقاً لا صدقة، وأعده إلى مصر والمصريين، ولا تسمح بفجوات طبقية، فما من فجوة إلا ملأها تجار الدين وتجار الثورات. رابعاً: إياك والنخبة، لا تنصت لوساوسها ولا يرهبك ضجيجها وتنظيرها وكلامها المقعر، فهى جماعة مصالح، وهى أسوأ ما فى المصريين، وأسوأ ما فيها وصايتها عليهم. قد تبدو منحازة إلى همومهم، لكنها فى الحقيقة تنحاز إلى موقعها، وموقع النخبة، كما تقول تجارب التاريخ، هو «حجر السلطة». خامساً: لا تلهث وراء الديمقراطية، ولا تسمح لدُعاتها بإرباك مشروعك الوطنى قبل أن يبدأ، فالديمقراطية وحدها لا تبنى دولاً ولا تضمن عدلاً يا سيادة الرئيس. العدل والديمقراطية لا يستقيمان إذا كنت تسعى إلى بناء دولة خُربت على مدى عقود طويلة حتى لم يعد فيها جدار واحد سليم. العدل -وليس الديمقراطية- هو الذى جعل سيرة «عبدالناصر» مثلاً يحتذى. احمِ المصريين أولاً واملأ بطونهم وعلّمهم وعالجهم، ثم ابحث عن الديمقراطية يا سيادة الرئيس. سادساً: إذا كان الرئيس المؤقت، الجليل، عدلى منصور، قد أقر بمعاقبة من يهين عَلَم مصر بالسجن أو العقوبة أو كليهما، فلا أقل من أن تعاقب كل من يتطاول على قوات مصر المسلحة بالتعدى أو بالهتاف. لا تسمح لسافل أو قليل أدب أن يتلفظ بشعار «يسقط حكم العسكر».. حاكِمه عسكرياً وليس مدنياً وتشدد فى معاقبته، لكى تعود إلى الدولة هيبتها. سابعاً: راجع نفسك قبل أن تعفو عمن لم يمارس العنف من الإخوان، فلو أتته الفرصة لمارسه، لأن كل الإخوان يستوون فى الفكرة. ثامناً: أطلق حملة لتطهير الإعلام، فما أكثر النحانيح وأصحاب المواقف المائعة والمشبوهة، ولا تفرق فى النحنحة بين من يسىء إليك بالحب.. ومن يبدو ليبرالياً، وهو يضع السُّم فى العسل، وليكُن معيارك فى ذلك: معاً.. لنبنى دولة، ثم نختلف تحت رايتها. تاسعاً: ضع فنانى مصر ومثقفيها بين عينيك، فهؤلاء، كما تقول، قوة مصر الناعمة. هم صوتها وشعاعها النافذ حين تفشل السياسة وتسود نعرات الانقسام. افتح أمامهم كل آفاق التعبير ولا تخشَ شططهم ونزقهم، فأخلاق المصريين وتدينهم أمتن وأوعى من هذا الشطط وهذا النزق، ولن يستطيع حاكم -عادلاً كان أو مستبداً- أن يبنى مستقبلاً من دون خيال مبدع. عاشراً وأخيراً: أكرر عليك نصيحة الرجل الحكيم الذى سلَّمك وثيقة الحكم.. عدلى منصور: إياك وبطانة السوء، فهى آفة كل حاكم، وهى التى تحفر له قبره. وإذا كانت مصر التى تسلمت مقاليد حكمها قد جُرفت عبر عقود طويلة.. فابحث جيداً أو استعِن بفطنتك وحسك الوطنى واحمل أمانتك وحدك.