الساعات الأولى من الصباح، نسيم ينبيء بطقس جيد، لم يفرق مع هؤلاء، ممن اصطحبوا أسرهم مبكراً للحاق بموضع قدم في الميدان الذي دخلوه تارة ثواراً، وأخرى محتفلين، ينتظرون أن تدق الساعة العاشرة، ليطلقوا صافرات الاحتفال بأداء الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي لليمين الدستورية في المحكمة الدستورية العليا، رئيساً منتخباً للبلاد، لحظة انتظروها كثيراً، يشعرون معها أن الاستقرار مقبل لا محالة، يمهدون له بالاحتفال، قبل أن تنطلق مرحلة العمل. كل تأخير عن الموقع المحدد كان يصيبهم بقلق بالغ، يتجول رأفت السيد بينهم، بجلباب يضم ألوان العلم المصري، قابضاً بين يديه على علم آخر، معلقاً على رقبته صورة للرئيس عبدالفتاح السيسي. «رأفت» خرج فجراً من مدينة الجمالية فى الدقهلية بعد ساعات احتفالية بالسيسي، لم يتحمل أن يبقى بعيداً عن ميدان التحرير في يوم كهذا: «السيسي آه اتولد واتربى فى جمالية القاهرة، لكن إحنا خدنا من بركاته اسم المكان، وأي إخواني بيقرب مننا بنقطع رجله قبل إيده، من أول ما فوضناه». «أي رئيس مصري مفتاحه مع المنوفية».. عبارة رددها محمد البنا في حماس يتقاسم الفرحة مع عشرات المحتفلين فى الميدان، قابضاً براحتي يديه على عصيان خشبية ثبت فوقها علم مصر الذي دون عليه باللون الأخضر عبارة «شباب قويسنا البلد»، لإثبات أن الرئيس عبدالفتاح السيسي رمز لاستكمال مسيرة الراحل عبدالناصر: «كنت مندوب في حملته وجاي النهارده أوصل تحية لابن محافظتي وأقول لأي مصري، المنوفية بلد الرئاسة وبنقولها بكل حماسة.. السيسي منوفي». عادت للميدان بعد أن رحلت عنه يوم 26 يوليو 2013 (يوم التفويض)، أرادت نجوى صابر أن تبشر الإخوان وتذكرهم بذلك التاريخ بعد أن حفرته فى ذاكرتها وذاكرة ابنتها التى لم تتجاوز ال17 ربيعاً، بعبارة: «سجل يا تاريخ، الإخوان ملهمش تاريخ»، السيدة الأربعينية لم تتمالك نفسها من الفرحة بعد أن وصل المشير السيسي إلى كرسى الرئاسة، فجاءت لتؤكد للدول الغربية أن ما يحدث في الشارع المصري هو بالفعل انقلاب لكنه على الإرهاب الذى نشره الإخوان: «السيسي قال انزلوا فوضوني.. وأنا باقول له فداك نور عيوني». وسط زحام ميدان التحرير تتراقص القلوب على وقع الأغاني الوطنية، وبالونات حمراء وبيضاء تحمل صور السيسي تحلق في سماء الميدان.. وقف الرجل الستيني فى ثبات، تلفحه أشعة الشمس، يستعيد بجسده النحيل إصابته في العين اليمنى خلال أحداث قصر العيني، لا يستجيب لآلام جسده المحترق نتيجة لإصابة العمل، «سيد أحمد عبدالعال» وقف حاملا بين يديه مصحفاً وصليباً ولوحة كرتونية عليها صور لأكثر من 30 زعيمًا عربيًا ومن بينهم الرئيس جمال عبدالناصر وأنور السادات والملك فهد وغيرهم من الرؤساء، وفوق رأسه يضع دبابة (لعبة)، مدللاً: «الجيش فوق راسي، والصليب والقرآن وحدة وطنية، وصور الزعماء رسالة شكر لكل دولة وقفت بجوار بلدي»، كل ما يتمناه «عبدالعال» هو نظرة عطف من الرئيس عبدالفتاح السيسي للطبقة الكادحة. «التاريخ يعيد نفسه».. عبارة دونها حمزة أحمد (60 عامًا) على لوحة خشبية، يستعيد بها تاريخه مع ميدان التحرير لحظة تفويض المشير عبدالفتاح السيسي لمحاربة الإخوان، جاء حمزة من مسقط رأسه في مركز الكردي بالدقهلية، ورغم الاحتفالات في المنصورة فإنه فضل الوجود في الميدان: «إيه يعني لما أمشى له واسافر عشانه، ما هو خلصني من هم كان طابق على نفسي أنا وعيالي». عروسة قطنية، وضفائر صفراء مجدولة بعناية سهرت لغزلها ميرفت أحمد حسن، لتبرهن على دور الفلاحة المصرية الرمز الحقيقى لمصر، فهي الأم والملجأ والعون والسبب في نجاح وتنصيب المشير عبدالفتاح السيسي رئيساً للجمهورية، فهي أم ل7 أبناء لا تتمنى سوى أن يتطوع الذكور فى القوات المسلحة، والفتيات يشغلن الوظائف الخدمية «سهرت وتعبت عشان أربيهم من شغلي في مصنع للأشغال اليدوية، ودور كل ست زي ما ذكرها السيسي هى أم للدنيا ولازم نساعده، وإيدينا وإيد ولادنا معاه».