سعر الذهب اليوم الجمعة 31-10-2025 بعد الانخفاض الكبير.. عيار 21 الآن بالمصنعية    الرئيس الصيني: يجب حماية نظام التجارة المتعدد الأطراف وسلاسل الإمدادات    بعد إعلان ترامب.. «فانس» يدافع عن التجارب النووية وبيان مهم ل الأمم المتحدة    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة منتخب مصر ضد ألمانيا في نهائي كأس العالم لكرة اليد للناشئين    أحمد شيحة يتحدث عن ابنتيه: «هنا منظمة.. وحلا طيبة وطاهرة نفسيًا»    توقعات حالة الطقس ليلة افتتاح المتحف المصري الكبير    «آخره السوبر.. مش هيروح بالزمالك أبعد من كدة».. أحمد عيد عبد الملك يوضح رأيه في فيريرا    أقرب محطة مترو للمتحف المصري الكبير 2025 وسعر تذكرة الدخول للمصريين والأجانب    باكستان وأفغانستان تتفقان على الحفاظ على وقف إطلاق النار    بعد هبوط الأخضر في البنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه الجمعة 31-10-2025    من "هل عندك شك" إلى الدبكة العراقية، كاظم الساهر يأسر قلوب جمهوره في موسم الرياض (فيديو)    كيف تسببت روبي في اعتذار إلهام عبدالبديع عن دور مع الزعيم عادل إمام؟    كن نياما، مصرع 3 شقيقات أطفال وإصابة الرابعة في انهيار سقف منزل بقنا    موعد صلاة الجمعة اليوم في القاهرة والمحافظات بعد تغيير الساعة في مصر 2025    قوات الاحتلال تداهم عددًا من منازل المواطنين خلال اقتحام مخيم العزة في بيت لحم    هيجسيث يأمر الجيش بتوفير العشرات من المحامين لوزارة العدل الأمريكية    حبس 7 أشخاص لقيامهم بالتنقيب عن الآثار بمنطقة عابدين    محمد رمضان يشعل زفاف هادي الباجوري مع نجوم الفن    الطيران ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال ضيوف افتتاح المتحف المصري    محافظ المنيا: ميدان النيل نموذج للتكامل بين التنمية والهوية البصرية    مواعيد المترو الجديدة بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 في مصر رسميًا    كان بيضربها بعد أيام من الزواج.. والدة فتاة بورسعيد ضحية تعدي طليقها عليها ل«أهل مصر»: سبّب لها عاهة بعد قصة حب كبيرة    هبوط اضطراري ل طائرة في «فلوريدا» ونقل الركاب إلى المستشفى    موعد وشروط مقابلات المتقدمين للعمل بمساجد النذور    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل محافظ القاهرة لتهنئته بانتخابه لرئاسة المجلس    مصدر مقرب من حامد حمدان ل ستاد المحور: رغبة اللاعب الأولى الانتقال للزمالك    مواعيد الصلاة بالتوقيت الشتوي 2025 بعد تأخير الساعة 60 دقيقة    وفري فلوسك.. طريقة تحضير منعم ومعطر الأقمشة في المنزل بمكونين فقط    لا تهملي شكوى طفلك.. اكتشفي أسباب ألم الأذن وطرق التعامل بحكمة    عاجل- الهيئة القومية لسكك حديد مصر تُعلن بدء العمل بالتوقيت الشتوي 2025    محمد مكي مديرًا فنيًا ل السكة الحديد بدوري المحترفين    إصابة 12 شخصاً في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بقنا    تفاصيل بلاغ رحمة محسن ضد طليقها بتهمة الابتزاز والتهديد    مفاجأة الكالتشيو، بيزا العائد للدوري الإيطالي يتعادل مع لاتسيو قاهر "يوفنتوس"    مندوب الإمارات أمام مجلس الأمن: الجيش السوداني والدعم السريع أقصيا نفسيهما من تشكيل مستقبل السودان    ندوة «كلمة سواء».. حوار راقٍ في القيم الإنسانية المشتركة بالفيوم    علاء عز: خصومات البلاك فرايدي تتراوح بين 40% و75%    البنك المركزي المصري يتوقع نمو الناتج المحلي إلى 5.1% خلال 2027/2026    سقوط هايدى خالد أثناء رقصها مع عريسها هادى الباجورى ومحمد رمضان يشعل الحفل    حتى 100 جنيه.. وزير المالية يكشف تفاصيل إصدار عملات تذكارية ذهبية وفضية لافتتاح المتحف الكبير    مواقيت الصلاة فى الشرقية الجمعة حسب التوقيت الشتوي    د.حماد عبدالله يكتب: "حسبنا الله ونعم الوكيل" !!    سنن يوم الجمعة.. أدعية الأنبياء من القرآن الكريم    واشنطن بوست: ترامب أراد هدية واحدة في آسيا ولم يحصل عليها هي لقاء كيم جونج    جنون بعد التسعين.. أهلي جدة يتعادل مع الرياض    مش هتغير لونها.. طريقة تفريز الجوافة لحفظها طازجة طوال العام    التخلص من دهون البوتاجاز.. طريقة سهلة وفعّالة لتنظيفه وإعادته كالجديد    أخبار × 24 ساعة.. بدء صرف المعاشات غدًا السبت 1 نوفمبر 2025    في غياب حجازي.. نيوم يعود للانتصارات بفوز شاق على الخلود    بعد معاناة المذيعة ربى حبشي.. أعراض وأسباب سرطان الغدد الليمفاوية    اختتام فعاليات مبادرة «أنا أيضًا مسؤول» لتأهيل وتمكين شباب الجامعات بأسوان    انطلاقة جديدة وتوسُّع لمدرسة الإمام الطيب للقرآن للطلاب الوافدين    لا فرق بين «الطلاق المبكر» والاستقالات السريعة داخل الأحزاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    إعلاميون بالصدفة!    بث مباشر.. مشاهدة مباراة بيراميدز والتأمين الإثيوبي في دوري أبطال إفريقيا 2025    مبادئ الميثاق الذى وضعته روزاليوسف منذ 100 عام!    عندما قادت «روزا» معركة الدولة المدنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بؤس الملكة
نشر في الوطن يوم 04 - 06 - 2014

وصلت «هويدا» منهكة، لا تكاد تستوعب بيتها الجديد. تركت شنطتى سفرها المتكوّرتين فى مكانهما وسط الصالة حيث تركهما البواب، وأوصدت بالرتاج بابها الخشبى الرقيق المحلى بزجاج مغبَّش يمكن بيسر كسره من الخارج، وفتح الباب، لكن المكان هنا آمن، ولن يجرؤ أحدٌ على اقتحامه، أو اقتحامها. ألقت عنها بعض ما تلبسه وهى فى طريقها إلى غرفة النوم، التى هى الغرفة الوحيدة بالشقة، ورأت أن خزانة الملابس، المسماة عند الناس اليوم «الدولاب»، لن تكفى ملابسها. ولكن لا بأس، والسرير صغير نسبياً ولا بد أن يلتصق بها مَنْ يشاركها فيه، ولكن لا بأس. المطبخ صغير جداً، ومفتوحٌ على الصالة على الطريقة الأمريكية، ولو كان كلاهما أوسع لكان هذا المكان ألطف. ولكن لا بأس.
من خلف زجاج الشباك الألوميتالى الكاشف من الجهتين، رأتْ من الدور الأخير المنظر الفسيح الواصل بين الأرض والسماء، المتناثرة فيه البناياتُ العاليةُ لهذا المجمع السكنى «الراقى» المقام مع عدّة تجمعات سكنية، بهذه المنطقة الصحراوية الواقعة على طرف الطريق المتجه إلى الإسكندرية.. «لا بد أنهم تعبوا كثيراً فى غرس هذه الشجيرات النحيلات، وفى بسط سجاد النجيل على سطح الرمال».. حدَّثت نفسها بذلك سراً، وابتسمت وهى تُلقى عنها ما بقى من ملابس، وتستلقى على السرير الصغير عاريةً إلا من أمانيها.. وبعد حينٍ أغرقها نومُ القادمين من بلاد الغربة، وتوق الآملين فى الاستقرار بعد طول ترحُّل.
كأنها غابت عن الوجود زمناً ثم انتبهتْ فجأة، فوجدت نفسها فى كتلةٍ من ظلامٍ ثقيل، كأنها دعسوقةٌ وقعتْ فى كومةٍ كبيرة من قطنٍ أسود مندوف. فى الثوانى الأولى للانتباه، سألت نفسها وهى تزيح شعرها عن وجهها: «أين أنا؟».. هاه، هذه شقتى الجديدة، وتلك نومتى الأولى بها بعد إنهاك السفر. كان يجب علىّ قبل نومى إضاءة مصباحٍ بالصالة، أو بالمطبخ أو الحمَّام، لكنى لم أتوقع الغرق فى النوم من العصر إلى هذا المساء الساكن.
«كم الساعة الآن؟ أين تليفونى المحمول؟».. ياه، الواحدة والنصف بعد انتصاف الليل!.. وهذه عدة اتصالات من «كيمو» ومن رقم آخر لا أعرفه. سأعرف فى الصباح.. أين أنت أيها الحمَّام؟ وأين النسكافيه؟ وأين زجاجة النبيذ؟
■ ■
أسبغت «هويدا» استحمامها بعدما عبَّت من قهوتها السوداء، فاستفاقت، وخرجت من دون ملابس فالتقطت من طرف الشنطة الصغرى إحدى زجاجتى النبيذ الفرنسى، والفتَّاحة، وكوباً لا يناسب المشروب لكنه يفى بالغرض.. أطفأت الأنوار، وجلست خلف زجاج الشباك تفكر فيما كان وما سوف يكون، فانسابت بداخلها الحوارات الرقراقة:
لن أتصل ب«كمال» الآن، الصباح رباح، وسوف يعاود الاتصال فور استيقاظه. وأظنه سيدعونى غداً للغداء، طبعاً، لا بد أنه أعدَّ الخطط بعدما طاوعته فى المجىء معه لمصر. المرة الماضية أمضينا شهرين فقط فى بيروت، ولم يكن على راحته معى؛ لأن زوجته أصرَّت على صحبته، فلم يمكننا الخلوة إلا ثلاث مرات خلال الشهرين. مع أننى سكرتيرته والمفروض أن أكون معه معظم الوقت.. أتوقع أن يرتِّب لقاءً خلوياً بعد الغداء، فنحن لم ننفرد منذ فترة بسبب الأحوال الخانقة فى فرع الشركة بالخليج.. الآن كلنا فى مصر، كل المصريين عادوا لبلادهم. هو بوظيفته ذات المرتب الدولارى، وزوجته التى سوف تنشغل بأقاربها الذين ابتعدت عنهم سنوات، وأنا..
أنا لم أحقِّق إلى الآن ما أحلم به، مع أننى تخطَّيت الثلاثين وكُلى ذكاء وحيوية وجاذبية. ماذا ينقصنى غير ذلك لأكون كما أحلم؟ نعم، وظيفتى لا بأس بها وراتبها دولارى، ومديرى يأخذ منى فى العمل وفى اللعب كل ما يريده. هو فى الصباح «كمال بك» أو «الأستاذ كمال» وإذا انغلق علينا الباب صباحاً أو مساءً، هو «كيمو» أو «كتكوتى» أو ما طاب استماعه من أسماء التهوين والتدليل. ظلُّه ثقيل، ويفرح حين أصفه بخفة الظل. وذكاؤه محدود، ويفرح حين أُحدق فيه معبِّرة عن انبهارى بحدَّة ذكائه. وهو عنّينٌ ضعيف، ويبتهج بما يظنه فى نفسه من قوةٍ ذكوريةٍ خارقةٍ للعادة.. كيمو تافهٌ، وأقلُّ من المعتاد، لكنه مهمٌ لى فى هذه الفترة ولا بد أن أحافظ عليه، حتى حين.
وأحلامى المستحيلة هذه ليست مستحيلة. وما نويته الأيام الماضية، أثناء تحديقى فى خريطة هذا المكان على «النت»، يمكن جداً أن أحققه.. كفانى من السفر والبهدلة، وقد مللتُ الزيارات لمصر والشُرب من ماء النيل، لأعود إليه. سأستقر هنا، وأشرب النيل كله، وأكون أنا الوادى ودلتاه. وهذا المكان سيكون كله لى، يوماً ما، وسأجعل اسمه عربياً صريحاً «مدينة الحلم».. لا، هذا الاسم غير موسيقى. سأجعل اسمه «مملكة الحلم». نعم، مملكة الحلم اسمٌ يناسبنى، ويناسب حلمى الذى لا بد من تحقيقه فى الفترة المقبلة. أن أكون ملكة مدينة الحلم.. لا، ملكة الأحلام غير المتوّجة.
«كيمو»، التافه، يعرف رجالاً مهمِّين هنا، ولولاهم لما صار فيما أصبح فيه، مع أنه غير موهوب مثلى.. ومن معارفه صاحب هذه المدينة السكنية، والشركات الكثيرة، والأعوام التى بلغت الستين. هو أرمل، ولا بد أنه يعانى أمراض الوحدة وأعراضها، ومن هنا سيكون المدخل إليه. لن أتعرف عليه قبل أن أعرف أصحابه، «كيمو» سوف يقربنى منهم إذا طلبت منه ذلك بطريقة غير مباشرة، ما دمت أعطيه ما يطلبه منى بطريقة مباشرة.. من «كيمو»، إلى أصحاب صاحب هذه المملكة، إلى لفت أنظار مالك المملكة. سأجعله يتمنانى، ثم أتمنّع كالموافقة، وأوافق كالممتنعة، حتى لا يجد فى النهاية بُداً مما ليس منه بُدّ.
المعلومات المتوافرة عنه تقول إنه من أسرة ثرية، نجحت فى الانفلات بأموالها من زمن السطو السلطوى على أموال الأغنياء، لإرضاء الفقراء وكسب تأييدهم. استثمرت الأسرة فى خارج البلاد، ثم عادت بعد الانفتاح إلى مصر، وانفتحت.. والمعلومات التى عندى تقول إنه غربى التعليم، وسأكلمه بلهجتى البريطانية الفخمة. وإنه يحب معاقرة الأنواع الغالية من الخمور، وسأسامره أثناء جلساته وأحسو من كؤوسه. وإنه يحب قصيدة «الأرض اليباب» الصعبة وأشعار «أمل دنقل» الأرقّ، وقد حفظت ذلك وسوف أتأنّق فى الإلقاء حتى أعرِّفه روعة هذه الأشعار، مع أننى لا أحب تلك القصيدة الإنجليزية السخيفة. لا بأس، هذا ليس وقت الحب، هو وقت العمل الدؤوب لتحقيق الأحلام.. حسناً يا «دودو»، راجعى الخطة: إرضاء «كيمو» لتقريبى برفق من معارف وأصدقاء المالك، إيصال أخبارى وطريقة نطق أشعارى للمالك، لقائى العابر وإلقائى تلك النظرة الحالمة فى قلب عين المالك، استعمال كل الحيل الموافقة لمزاج المالك، امتلاك المالك.. أنا الملكة.
■ ■
مع أول ضوء للفجر، عبَّت «هويدا» آخر أكواب النبيذ الذى نفدت زجاجته، ونفذت فى روحها خيالاته الهائمة.. بتكاسلٍ مَلَكىٍّ مخمور، فتحت شباكها فأحاط بها الهواءُ البكورى اللاسع ببرده، مدّت ذراعيها بطولهما، ثم انتبهت فتراجعت عن حافة الشباك، كيلا يراها من بعيدٍ أحدُ سكّان مملكتها الواسعة. لا يصح للرعايا أن يروا الملكة عاريةً، لا قبل تتويجها ولا بعد التتويج..
حادثت روحها من غير صوت: يا «هويدا»، يا «دُدَّه»، يا ملكة الحلم. اليوم سيبدأ سعيك لأحلى أحلامك، وستكونين يوماً ما الملكة، فتصرفى وتفكَّرى وتكلمى من الآن كملكةٍ غير متوَّجة. وما حاجتى أصلاً للتاج؟ يكفينى أن أضع فوق رأسى مرةً واحدة تاج العروس، عند زواجى بالمالك، ومن بعد تلك الليلة لن أحتاج للتيجان الموضوعة فوق الرأس.. سأوضع فوق رؤوس الجميع، وسأجعلهم يسموننى «الملكة هويدا»، وسيسعدهم ذلك لأننى أستحقه، ولأنهم سوف يحرصون دوماً على إرضائى لإرضاء المالك. ولسوف يدركون مع مرور الأيام أن الملكة أهم من الملك، ومن المالك والمملوكين. أنا الأهم من الجميع؛ لأننى الملكة.. كاملة البهاء.
■ ■
الشمسُ البازغة أهدت «هويدا» أشعَّتها الأولى فملأتها مع أثر النبيذ ابتهاجاً، وأوحت لها بفكرةٍ عبقرية. تصحو مبكراً كل يوم، وتستلقى بقلب الصالة على الأرض عاريةً، لتكسو الشمس جسمها بالسُّمرة الوردية التى سوف تحتاجها الفترة المقبلة لتحقيق حلمها الملكى. والصحو مبكراً أصحُّ لجسمها الانسيابى، الفاره، الجميل. ولسوف يزيدها فوق الجمال جمالاً، ولسوف توصل خصلات طبيعية بشعر رأسها، لتكتسى بالجلال الأنثوى المكمِّل للجمال.. المالك يقدر بوجاهته المالية على الوصول للجميلات، وبسطوته. ولا بد من أنه نال منهنَّ كثيراتٍ، وينال الآن التى يريدها، وقد تزوَّج سابقاً بامرأةٍ تدلُّ صورتها على جلالٍ وقور؛ فالمرحومة كانت ابنة أسرة مشهورة وثرية، كأسرته. نعم، لقد حظى بالجمال والجلال مُنفصلين، وعليه الآن أن ينبهر بالكمال الأنثوى النادر، عند اقتران الجمال بالجلال.. سيجد فىَّ الذكاء مع الشعر الناعم الطويل، والكلام المنمق مع النظرة الساحرة، والرقى فى المعاملة مع الوحشية الفراشية، والتأنق المتسامى أمام الناس مع العهر المريع عند الانفراد به.. سيُذهل المسكين وتسقط كل أقنعته الاجتماعية، ويُسلب بسحر ملوكيتى التى بلا تاج، ويرجو أن يتوِّج بها حياته. ولسوف أسعده. المهم أن يُطيل الله عمره حتى يتحقق به الحلم.
■ ■
لما بلغت الساعةُ التاسعةَ صباحاً، وتطاير أثر المشروب، واشتدت الشمس، مالت «هويدا» إلى النعاس السريرى اللذيذ، وشكرت فى سرها التافه «كيمو» الذى أتاح لها إجازة الأيام الثلاثة المقبلة، قبل الانتظام فى العمل يوم الأحد المقبل.. برفقٍ، وضعت رأسها فوق سريرها الجديد، بجوار الشنطتين، وراحت بحنوٍ بالغٍ تفكر فيما يمكن أن تفعله فى تلك الأيام المقبلة، السابقة على «الشغل» والانشغال بالخطط الراسية لتحقيق الحلم الملوكى.
كادت تحسم أمرها على الترتيب التالى: منح «كيمو» يومها هذا، والليلة. ثم تقضى نهار الغد فى «البيوتى سنتر» ومساءه عند عمتها الأرملة؛ فهى قريبتها الوحيدة التى بقيت فى القاهرة، بعدما تصحَّرت أسرتها وتناثر أفرادُها أُجراء فى الخليج، فى وظائف متفاوتة.. وبعد غدٍ، سيكون نهاره للتجوُّل فى أنحاء هذه المدينة المسوّرة التى لم تُملك بعد، وليله للراحة اللازمة لبدء الدخول فى المسارات المستقبلية المشرقة.
■ ■
لا تدرى «هويدا» هل ذهبت فى سكرة نُعاس، أم كانت لا تزال تلهو بالأحلام الحانية، لحظةَ سمعت جرس الباب يزعق.. قامت مترنِّحةً ونظرت من العدسة، فوجدت مديرها يدير عينيه يُمنةً ويساراً من فرط القلق. فتحت وهى تتوارى خلف بابها الموارب، من دون أن تستر عريها، وقالت مندهشة:
- «كيمو»، إيه اللى جابك بدرى كده؟
- بدرى إيه يا «دُدَّه»؟ الساعة دلوقتى اتناشر ونص، يلا البسى حاجة علشان ننزل.
- آه يا حبيبى، صحّ. طيب قولّى بقى، هتغدِّينى فين النهارده؟
- لأ، مش أنا.. بصِّى بقى، انتى هتروحى النهارده مع منصور المرتضى، هتقضّى معاه اليومين اللى جايين فى الساحل الشمالى، عنده شقة هناك. وهوَّ معجب بيكى من ساعة ما شافك فى بيروت السنة اللى فاتت، أكيد لاحظتى.
- إيه اللى بتقوله ده؟! «كيمو»، أنا لا يمكن أعمل كده.
- يا سلام ياختى، أمَّال انتى كنتى بتعملى إيه قبل كده؟ إيه؟ نسيتى بيروت، ولّا شُغل الخليج اللى كان من تحت لتحت، ولاَّ انتى يعنى فاكرانى كنت نايم على ودانى؟ أنا بس كنت بفوِّت بمزاجى. وبعدين الراجل معجب بيكى، وعندنا معاه مصالح.
- يعنى إيه يا «كيمو»؟ انت ناوى تستعملنى علشان مصالحك ولا إيه؟! إزاى تعمل كده؟
- المصلحة واحدة ياختى. يلّا البسى، الراجل مستنِّى عند البوابات، وزعلان من التأخير ده.
- «كيمو»، انت ازاى هتعمل فيَّا كده، وأنا بحبك؟ انت ناوى تشغَّلنى إيه؟ آه، هو انت كنت جايبنى معاك علشان كده.
- أمَّال يعنى جايبك ليه؟ ما كان فيه كذا واحدة فى الشركة أحلى منك ميت مرَّة، وتتمنى العقد ده. بس هوَّ عايزك انتى، أرزاق. وعلى فكرة بقى، منصور هوَّ اللى مأجَّر لك الشقة دى، ودافع شهرين مقدَّم، وبعدين إحنا عاوزينه فى شغل كتير بعد كده. يلا ياختى، البسى، وخلَّصى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.