1 - إننا فى حالة حرب - مما لا شك فيه أننا فى لحظة مصيرية من تاريخ الأمة المصرية، لحظة سوف تحدد مستقبل بلدنا وشعبنا، بل ومستقبل المنطقة بأكملها خلال العقود المقبلة. إن وصولَ الإخوان إلى حكم مصر فى منتصف سنة 2012 لم يكن صدفة أو بمعزل عما يُسمى (سايكس بيكو الجديدة). التى تعبر عن استراتيجية جديدة طوّرتها الولاياتالمتحدة لمنطقة الشرق الأوسط مع نهاية الحرب الباردة وتوسع نفوذ وأفكار المحافظين الجدد استراتيجية مبنية على رسم صورة جديدة للمنطقة، كما تراه مناسباً لمصالحها فيما يخص إسرائيل وأمنها والتهويد الكامل للقدس، وكذلك السيطرة على ما تبقى من موارد المنطقة وغير ذلك من المصالح، وقد مهدت أمريكا لهذه الاستراتيجية منذ سنوات طويلة كانت تعمل خلالها على محو الهوية والشخصية الوطنية لدول المنطقة، وبصفة خاصة مصر، وإدخالها فى مرحلة التتويه أو التوهان وفقدان الاتجاه، وقد خططت لذلك منذ نهضة مصر الأولى فى عهد محمد على، وبزوغ الحركة الوطنية المصرية مع بداية القرن التاسع عشر، التى كان من ثمارها ثورة 1919 ووقفة شباب مصر يوم 21 فبراير عام 1946، يعلن الثورة الوطنية الشعبية ضد الاحتلال والتبعية والانكسار، التى نتج عنها (اللجنة العليا للعمال والطلبة) وغيرها من الثورات، وكان السلاح الأساسى الذى استخدمه الغرب لضرب الحركة الوطنية المصرية وإدخال مصر فى مرحلة التوهان والفشل هو استخدام التزوير بكل صوره ومعانيه، التى من أخطرها تزوير الوعى الممنهج حول تاريخ الوطن والمفاهيم الدينية والسياسية والاجتماعية والعمل على تغييب الشخصية المصرية والخلط بين مفاهيم ثلاثة وهى: الوطن، أى المجتمع القومى بوصفه الأمة المصرية، الدائرة الثقافية وهى الدائرة العربية، والإطار الحضارى الأعم الذى يجمع بين أفريقيا والإسلام والدائرة الحضارية الشرقية الكبرى. وقد اعتمد الغرب فى عملية تزوير الوعى الممنهج الذى مارسه ضد شعبنا على وسائل متعددة أهمها وأخطرها الجماعات الدينية، التى من الواضح أنه تم إنشاؤها بتخطيط وتنسيق مع أجهزة استخبارات غربية، وذلك لتقوم بمهمة تزوير الوعى، ثم الانقضاض على الدولة فى الوقت المناسب وتمزيقها بما يحقق الرؤية الغربية، وقد تبنى الغرب فى ذلك استراتيجية كبير مفكرى الصين «سون تزو» فى رسالته (فن الحرب)، التى قال فيها: «إن تحقيق مائة نصر فى مائة معركة ليس ذروة البراعة، وإنما ذروة البراعة إخضاع العدو دون قتال»، وهذا ما كان يريد الغرب فعله معنا، ولكن الشعب المصرى، الذى لقبه رائد القصة المصرية يوسف إدريس بأنه عند الخطر يهب وكأنه (بيت من لحم) استطاع أن يوقف ذلك فى معجزة من معجزاته تجسدت على أرض مصر ما بين 30 يونيو و3 يوليو 2013. - ولكن وعلى الرغم من الملحمة التى قام بها الشعب وما تبعها من تحرك فى 26 يوليو (جمعة التفويض)، وفى الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية، وما ارتبط بها من آمال وطموحات يبقى الوضع شديد الخطورة، فإننا قد تعودنا من الغرب أنه لا يستسلم بسهولة، وأنه دائماً لديه الخطط البديلة، وبالتالى فصورة (سايكس بيكو الجديدة) ما زالت قائمة وما زال الغرب بقيادة أمريكا يسعى لتحقيقها، ولكن بوسائل وخطط بديلة مع بقاء الوسيلة الأساسية، وهى الاستمرار فى عملية تزوير الوعى وخلط المفاهيم وتسميم الفكر السياسى والاجتماعى والدينى والثورى للشباب المصرى. - وبالتالى فإن الوصف الحقيقى لما تواجهه مصر اليوم هو أننا فى حالةِ حربٍ لا تقل شراسة وضراوة وخطورة وأهمية عن حروب مصر الكبرى فى 1948 و1956 و1967 و1973، ولكنها حرب من النوع الذى ذكره المفكر الصينى «سون تزو»، وهو إخضاع العدو دون قتال، أو بمعنى أصح دمر نفسك بنفسك بسلاح رئيسى، وهو تزوير الوعى. - ولعل هذا ما جعل الرئيس المشير عبدالفتاح السيسى يؤكد أهمية الظهير الفكرى، وأنه أهم وأعمق من مصطلح الظهير السياسى، وذلك لأن الظهير الفكرى وحده هو القادر على مواجهة عملية تزوير الوعى الممنهج الذى يعتمد عليه أعداء مصر فى تنفيذ مخططاتهم. - إننا فى لحظة حاسمة فى تاريخ وطننا تحتاج إلى ما يشبه صلاة الوحدة الوطنية، فعندما تقرر سفر سعد زغلول لبدء المفاوضات مع البريطانيين فى لندن اقترح عبدالعزيز فهمى، عضو وفد المفاوضات وأحد زعماء الأمة، أن يكتب أحمد شوقى دعاءً لله يتوسل به أبناء مصر المسلمون والأقباط فى يوم واحد إلى الله أن يوفق الوفد فى مفاوضاته من أجل الاستقلال، فكتب «شوقى» الدعاء وصلى به أقباط مصر ومسلموها فى يوم واحد كان يوم جمعة، وجاء فى هذه الصلاة: «اللهم قاهر القياصر، ومذل الجبابر، وناصر من لا ناصر له، ركن الضعيف ومادة قواه، وملهم القوى خشيته وتقواه، ومن لا يحكم بين عباده سواه، هذه كنانتك فزع إليك بنوها، وهرع إليك ساكنوها، هلالاً وصليباً، بعيداً وقريباً، شباباً وشيباً، نجيبة ونجيباً، مستبقين كنائسك المكرمة، التى رفعتها لقدسك أعتاباً، ميممين مساجدك المعظمة، التى شرعتها لكرمك أبواباً، نسألك فيها بعيسى روح الحق، ومحمد نبى الصدق، وموسى الهارب من الرق.. فآتنا اللهم حقوقنا كاملة، واجعل وفدنا فى دارهم هو وفدك.. اللهم تاجنا منك نطلبه، وعرشنا إليك نخطبه، واستقلالنا التام بك نستوجبه، فقلدنا زمامنا، وولنا أحكامنا، واجعل الحق إمامنا، وتمم لنا الفرح..)، يقول عبدالعزيز فهمى فى كتابه «هذه حياتى»: إن إقبال المواطنين على المساجد والكنائس للمشاركة وترديد هذا الدعاء كان شديداً، وإن بعض المواطنين الأقباط دخلوا المساجد، وبعض المسلمين دخلوا الكنائس، وفى مظهر من مظاهر (بيت من لحم)، الكل يردد صلاة الوحدة الوطنية لنجاة مصر.