للأسف الشديد يوجد في وسطنا من يدس السموم في عقول البسطاء من المصريين، وعلي الجماعة الوطنية وطبقة المثقفين أن تتصدي لهذا الغزو الفكري المدمر وأن تحاصره حتي يضمر وينتهي من بين أبناء الشعب الواحد، ونحيا جميعاً بالحب والآخاء والمودة والألفة، وليتعبد كل فرد منا بالطريقة التي تناسبه دون فرض أية وصايا. وأذكر أنه في عام 1919 أن دعا الزعيم الوطني سعد زغلول الشعب المصري كله ليقيم الصلوات في المساجد والكنائس، كي يكلل الله بالنجاح مساعي الوفد في سبيل الاستقلال التام، وأقترح علي ماهر وعبدالعزيز فهمي أن يقوم أمير الشعراء أحمد شوقي (1870 1932) بكتابة دعاء تتم تلاوته في المساجد والكنائس ليكلل الله جهود الوفد بالنجاح في مفاوضاته في لندن. وهذا هو نص الدعاء الذي تُلي في المساجد والكنائس بالعاصمة والأقاليم يوم 4 يونيو 1910 كما سجله لنا المفكر الوطني الأصيل د. وليم سليمان قلاده (1924 1999) في كتابه الرائع :"المسيحية والاسلام علي أرض مصر" الصادر في فبراير 1986 ضمن سلسلة "كتاب الحرية": (اللهم قاهر القياصر، ومذل الجبابر، وناصر من لا له ناصر. هذه كنانتك فزع إليك بنوها، وهرع إليك ساكنوها، هلالاً وصليبا، بعيداً وقريبا، شباناً وشيبا، ونجيبة ونجيبا. مستبقين كنائسك المكرمة، التي رفعتها لقدسك أعتابا، ميممين مساجدك المعظمة التي شرعتها لكرمك أبوابا. نسألك فيها روح الحق، ومحمد نبي الصدق، وموسي الهارب من الرق. كما نسألك بالشهر الأبر والصائمية، وليلة الأغر والقائمية، وبهذه الصلاة العامة من أقباط الوادي ومسلميه. أن تعزنا بالعتق إلا من ولائك، ولا تذلنا بالرق لغير آلائك، ولا تحملنا علي غير حكمك واستعلائك. اللهم إن الملأ منا ومنهم قد تداعوا إلي الخطة الفاضلة، والكلمة الفاصلة، في قضيتنا العادلة، فآتنا اللهم حقوقنا كاملة. وأجعل وفدنا في دارهم هو وفدك، وجندنا الأعزل إلا من الحق - جندك. وقلده اللهم التوفيق والتسديد، واعصمه في ركنك الشديد. أقم نوابنا المقام المحمود، وظللهم بظلك الممدود، وكن أنت الوكيل عنا توكيلاً غير محدود. سبحانك لا يحد لك كرم ولا وجود، ويرد اليك الأمر كله وأمرك غير مردود. واجعل القوم محالفينا، ولا تجعلهم مخالفينا، واحمل أهل الرأي فيهم علي رأيك فينا. اللهم تاجنا منك نطلبه، وعرشك إليك نخطبه، واستقلالنا التام بك نستوجبه. فقلدنا زمامنا، وولنا أحكامنا، واجعل الحق إمامنا. وتمم لنا الفرح، بالتي ما بعدها مقترح، ولا وراءها مطرح. ولا تجعلنا اللهم باغين ولا عادين، واكتبنا في الأرض من المصلحين، غير المفسدين فيها ولا الضالين آمين). وكان الغرض من وراء تلاوة هذا الدعاء، هو تعميق ايمان الشعب بالله، وتقوية مشاعر الوحدة بين الأقباط والمسلمين. وكانت الجماعة الوطنية الصادقة قد أكدت أن الإيمان بالله هو مصدر النجاح في الدنيا، وأساس التسامح الديني والوحدة الوطنية. وقالت إن الفرد عندما يضرع إلي الله لخير شعبه كله "يتعلم المساواة ويتعلم الوطنية". فلماذا التقاتل والتناحر والتكالب والتخوين؟ لماذا البغضة والعداوة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد؟ لماذا السياسة المهتزة والقرارات غير المدروسة وعدم احترام الآخر؟ تعجبت من قول أحدهم إن الكنيسة ستفقد مستقبلها إذا رفضت الدستور!! المستقبل في يد الله الذي يدبر الأمور بحكمته وحُسن تدبيره. ما أشد احتياجنا للعودة إلي الروح الوطنية الأصيلة التي تحلي بها آباؤنا وأجدادنا في مواجهة الصعاب والشدائد، فتحقق لهم السلام والاستقلال والأمان والاطمئنان. وعلينا أن نحذو حذوهم حتي نقضي أيامنا في حب ووئام، ولا تفرقنا المعاصي والآثام، والأفكار الرديئة والمضرة وتسويف العمر باطلاً في التفهات والجرائم والاقتتال. رأس الحكمة مخافة الله.