يستيقظ أحمد بركات، صاحب الأعوام ال35، فى السابعة صباحا، يصل إلى كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، التى يعمل مدرسا بها، فى الثامنة والنصف، ينتهى من عمله فى الثانية ظهرا، يتوجه بعدها صوب مرسمه بمنطقة «السيوف»، يعكف على تجهيز المرسم، حتى يكون على أتم الاستعداد، لاستقبال الدارسين، بحلول الرابعة عصرا، حيث يقضى معهم بقية اليوم معلما لهم، وفنانا له أعماله المستقلة حتى التاسعة مساء. قبل أن يتخطى أعوامه الثلاثة الأولى، عشق الرسم، وقتها كان برفقة والده الذى كان يدرس ببعثة دراسية بالولايات المتحدةالأمريكية، معلمو الطفل الصغير أخبروا الوالد بأن موهبة فنية فريدة فى طريقها للظهور، فقط تحتاج لاهتمام ورعاية، وهو ما فعله الأب بحماس المؤمن بالفكرة، والواثق من بزوغها بعد مرور أعوام قلت أو كثرت. فى مرحلته الإعدادية لم يكن يعشق لعب كرة القدم، كبقية الأطفال الذين يشاركونه مرحلته العمرية، كما كانت حصة الرسم الأسبوعية تعنى له الكثير «أحلى حصة فى الأسبوع»، بينما تعنى لزملائه الجلوس لنصف ساعة أو أكثر لمشاهدة الزميل الرسام النجيب، كانوا يعهدون إليه بإنهاء المشاريع والموضوعات التى كُلفوا بها، يجلسون أمامه ويشاهدون يديه تعبث بالأقلام والألوان و«اسكتش» الرسم، ينتهى من عمله وسط استحسان الزملاء والمعلمين، وزهوه بما صنعت يداه. فى المرحلة الثانوية واصل أحمد بركات مشروعه، كلفه معلمه بلوحة فنية لبطل أولمبى يحمل الشعلة الأولمبية أمام جماهيره ومحبيه، فأخرجها لوحة مثيرة دهشة من رآها، حيث دراسته للتشريح مكنته من تصوير المشهد بدقة شديدة، عضلات اللاعب وتطاير شعر رأسه، وإحكام قبضته على الشعلة، كما تفوق فى حياكة تفاصيل الجماهير وانفعالاتها، بحسب ما قال. يضحك أحمد بركات متذكرا فترة المراهقة، مشيرا إلى زملاء فى المرحلة الثانوية الذين طالبوه كثيرا برسم لوحة رومانسية ليهديها أحدهم لفتاته. يصف ما حدث له بعد دخوله كلية الفنون الجميلة ب«اختلاف الميول»، حيث عشق -إلى جانب الرسم التقليدى- الرسوم المتحركة والخيال العلمى، خصوصا بعد دخوله قسم النحت وتخصصه فى «تصميم الشخصيات الخرافية». كانت تثيره أفلام الخيال العلمى، وتحركه الرغبة لمعرفة كيفية صنع تلك الشخصيات الأسطورية، وبالدراسة والبحث، علم أن أصلها يعود إلى تماثيل منحوتة، فضلا عن استخدام تقنيات «الجرافكس والأنيميشن» لتحريكها، لم يتوقف بعدما أشبع رغبته، راوده حلم آخر، ورغبة جديدة، أن تصنع مصر مثل تلك الأفلام. يقول أحمد بركات إنه يمتلك سيناريوهات لأفلام كاملة محددة الأحداث والشخصيات، ولا تقف إلا على الإنتاج، كما اختار لشخصيات أفلامه ممثلين يمكنهم القيام بتلك الأدوار، بل تعدى الأمر إلى تصميم المكياج الخاص بكل ممثل ليوافق الشخصية الخرافية التى يجسدها. أحمد بركات، صاحب الماجستير والدكتوراة فى تصميم الشخصيات الخرافية، يمتلك مرسما فريدا من نوعه، لكونه المرسم الخاص الأول، الذى يتفوق فى إمكاناته على المراسم الأخرى الحكومية المنتمية للهيئة العامة لقصور الثقافة، المرسم الذى يبلغ من العمر شهرا ونصف الشهر، يدرس فيه قرابة ال25 شخصا، لا يحكمهم عامل السن، حيث يبدأ من سن المراهقة 16 سنة، حتى الرجال الذين وصلوا للعقد الخامس والسادس من عمرهم، كما أن الدارس بمرسم الدكتور أحمد بركات، لا تكلفه الدراسة مبالغ باهظة، حيث يتقاضى بركات أجرا رمزيا، حتى يتسنى له الوفاء بإيجار المكان، وتجهيز المرسم بالأدوات اللازمة، ويؤكد بركات أن النظافة ووجود متنفس من الهواء، وإضاءة مناسبة لا تزعج أعين الدارسين، من أهم ما يتميز به مرسمه. لا تخلو إدارة بركات للمرسم والتدريس به، من رؤية مستقبلية وحلم، ومكانة يسعى أن يكون المرسم عليها، فهو يحلم بإضافة أشكال أخرى من الفن، مثل تعلم التصوير الفوتوغرافى، وعقد حلقات نقاشية حول تاريخ الفن ومستجداته، وتناول آخر ما قرأه الدارسون من كتب بالنقاش، ومناقشة القضايا الفنية المختلفة. يحلم بركات أيضا بأن يكون نتاج ما تعلمه الدارسون بالمرسم، مؤهلا للمشاركة فى المهرجانات والمسابقات الفنية المختلفة.