سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أطفال «السرطان» فى الامتحان: «يا رب اشفينا.. ونجحنا» والد «مريم»: اكتشفنا مرضها يوم نجاحها فى «الابتدائية» وتسألنى دائماً: «هو شعرى وقع علشان ربنا مش بيحبنى؟»
وجوه شاحبة، وشعر تساقط بسبب المرض، وملامح ما زالت محتفظة بالابتسامة والأمل فى المستقبل. هى حالة أطفال السرطان، الذين يؤدون امتحانات النصف الدراسى الثانى، أثناء خضوعهم للعلاج، وبين إجاباتهم عن أسئلة الامتحان، تتنوع نظرتهم إلى المستقبل والأمانى التى ما زالوا يأملون فى تحقيقها بعد إتمام الشفاء. ورغم صغر سنهم الذى لا يتعدى 12 عاماً، تطاير الشعر عن رءوسهم، ما اضطر الفتيات لارتداء الحجاب، وغطى الأولاد رءوسهم ب«الطواقى»، وبينما يعلقون المحاليل فى إحدى أياديهم تمسك الأيدى الأخرى بالقلم وورقة الإجابة وتسطر ما تختزنه الذاكرة من معلومات عن المنهج الدراسى، آملين أن تتحقق أحلامهم فى المستقبل، فمنهم من يأمل أن يكون طبيباً، وآخر مهندساً وأخرى معلمة للأجيال. «الوطن» أمضت يوماً بين أطفال مرضى السرطان أثناء تأدية الامتحانات، داخل أروقة مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال. على مقعده خارج الفصول الدراسية، يجلس والد الطفلة «مريم محمود»، فى الصف الأول الإعدادى، ينتظر انتهاءها من أداء الامتحان، مُمسكاً جدول مواعيد امتحاناتها التى تنتهى السبت المقبل. يحاول أن يتماسك ويخفى دموعه، ويبدو القلق واضحاً على ملامح وجهه وهو يقول: «النهارده مريم بتمتحن تربية دينية، للأسف مقدرتش تذاكر كويس، وطالعة اللجنة بمحاليل متعلقة فى ايديها، لأنه كان عندها جرعة امبارح، وطول الليل بتتألم من تكسير الجسم وقىء وصداع، ده بيحصل بعد كل جرعة». يتذكر والد «مريم» وقت اكتشاف مرض ابنته، مضيفاً: «يوم نتيجتها فى الابتدائية، من حوالى سنة اكتشفنا مرضها، كانت بتشكى من رجليها، افتكرنا اتخبطت فيها، رحنا لاستشارى طلب مننا أشعة وتحاليل، واكتشفنا إن عندها سرطان فى العظام». ويتابع: «كانت من المتفوقين على المدرسة فى المرحلة الابتدائية، الحمد لله على كل شىء، المهم إنى شايفها قدامى دى بالدنيا وما فيها». وحسب بروتوكول المستشفى وحالة «مريم» الصحية، يجرى حجزها من 5 إلى 8 أيام فى المستشفى، من أجل الحصول على جرعتها الخاصة بحالتها، وتعتمد فى دراستها «محجوز لها سرير هنا وبتقعد فى المستشفى كذا يوم لغاية ما تخلص جرعتها، وحالتها الصحية مش بتساعدها تروح المدرسة، تعتمد على مدرسين المستشفى فى الأيام اللى بتقعد فيها هنا، وفى البيت باجيب لها مدرسين، والمشكلة أن عدم ذهاب أطفال مرضى السرطان للمدارس يؤثر على حالتهم النفسية» ويوضح الأب أنه «بعد كل جرعة لازم أعمل لها يوم ترفيهى وأخرجها علشان حالتها النفسية بتبقى وحشة قوى، الله يكون فى عونها كفاية شعرها اللى وقع، لبست طرحة علشان تدارى رأسها، وبتسألنى: يا بابا شعرى هيرجع تانى ولا لأ، هو ربنا مش بيحبنى علشان خلّى شعرى يقع؟». بعد أن انتهت أميرة السيد من الإجابة عن أسئلة امتحانها فى مادة اللغة العربية فى الصف الثانى الإعدادى، تمسك بعكازيها لتستعد للخروج، الابتسامة تملأ وجهها وهى تقول: «أنا حليت كويس، الحمد لله، وهاستعد لمذاكرة العلوم علشان بكرة»، «أميرة» اكتشفت مرضها وبدأت فى تلقى العلاج منذ عام 2012، وتقول: «نفسى أخف وأرجع المدرسة وأقعد مع أصحابى، همّا وحشونى قوى ونفسى نقعد مع بعض فى الفصل من تانى وأختى الكبيرة هى اللى بتذاكر لى وبتساعدنى، ونفسى أطلع دكتورة أطفال، علشان أعالج كل طفل تعبان». عمرو خالد، طالب مريض، فى الصف الثالث الابتدائى، يرتدى «كاب» على رأسه ليخفى ملامح رأسه التى تطاير منها الشعر. بمجرد أن رأى والدته فى انتظاره خارج لجنته، يسرع إليها ضاحكاً، ويحتضنها، يتلعثم فى حديثه قائلاً: «أنا حليت كويس فى العربى»، لتحتضنه أمه وتقبله مبتسمة وتحمله وتجلسه على الكرسى. اكتشف «عمرو» إصابته بالسرطان فى فبراير الماضى، وتقول والدته: «ده أول تِرم له يمتحنه فى المدرسة، لأنه اتصاب بسرطان فى المخ، وبيتعالج بالإشعاع». «عمرو» يتحدث بصعوبة، لكن ابتسامته التى تملأ ملامح وجهه البريئة كفيلة بالإجابة عن أى سؤال يوجه له، ويقول: «أنا ما ذاكرتش أصلاً بس حليت كويس، وعندى بكرة امتحان إنجليزى». ويضيف: «عاوز أطلع مهندس اتصالات». توجد ممرضة ترافق الأطفال فى كل لجنة. نجلاء حسن، إحدى الممرضات المرافقات للأطفال، تقول: «لازم فى كل لجنة يكون فيه ممرضة، لأن الأطفال بيبقوا معلقين محاليل، وفى أطفال ما بيقدروش يطلعوا اللجان ويمتحنوا فى السرير». محمد على، إخصائى اجتماعى بالمستشفى، مهمته معالجة المشكلات النفسية والاجتماعية للأطفال، يقول: «المستشفى يتلقى أطفال من كل المحافظات، وهناك مرضى من مستويات ثقافية متدينة، لازم نأهل الأسرة كيفية التعامل مع الطفل». ويضيف: «فيه حالات طلاق تنتج بين الوالدين بسبب الطفل المريض، نتيجة ظروفهم المادية السيئة التى يعيشونها»، لافتاً إلى أنهم يؤهلون الأسرة فى كيفية التعامل مع الطفل. «فى أسر تدلل الطفل، علشان عيان، وده غلط كبير بيقعوا فيه، لازم يتعامل بشكل طبيعى، فى أطفال بتستغل ده وبيبقوا مدللين زيادة عن اللازم». نادية إبراهيم، معلمة لغة عربية تابعة لمدرسة «إم إس إيه»، تقول: «مدرستنا الوحيدة المتبرعة بمدرسين ومناهج، وهى المسئولة عن دفع رواتبهم للتدريس للأطفال المرضى داخل المستشفى»، وتضيف: «لا يقتصر أمر المدرسة على تعليم الأطفال حتى الانتهاء من المراحل الدراسية فى الصف الابتدائى والإعدادى والثانوى، إحنا بندعم الطالب وممكن يدخل جامعات خاصة، وفى حالات كتيرة كده». جاءت هذه الفكرة، حسب «نادية»، بسبب تأخر الأطفال عن زملائهم فى الدراسة لتلقيهم العلاج، وتقول: «الأطفال بيتضايقوا من تأخرهم الدراسى، علشان كده جات الفكرة من هنا، وده أثر بشكل إيجابى عليهم كتير». المدرسة تمد المستشفى ب5 مدرسين، تخصصاتهم تتنوع بين اللغة العربية والإنجليزية والعلوم. «إحنا مدرسين تخصص ابتدائى فى اللغة العربية والرياضيات، ومدرسين إعدادى فى نفس المواد، ومدرس علوم». تنتقد «نادية» أداء وزارة التربية والتعليم، بسبب صدور قرار وزارى بأن ترسل كل محافظة الامتحان للمريض، وتقول: «فيه طلبة كتير بتضيع عليهم السنة بسبب القرار المجحف ده، لازم يتغير». وتوضح أن «إدارة السيدة زينب التعليمية التابع لها المستشفى توفر المدرسين المراقبين، وترسل ورقة الإجابة للمحافظة التابع لها الطالب، وعدد المحافظات التى ينتمى لها الطلاب المرضى بالمستشفى 13 محافظة».