يقع "المسبك" على بعد أمتار قليلة من بوابة الدخول.. مكان متسع، سقفه مرتفع.. أحدهم يحمل خرطوم مياه، ويوجهه ناحية الظهر المصبوب لتبريده، عقب صهره داخل الأفران.. التحرك هنا بحذر شديد، خشية الحرق من هذا السائل الملتهب المنتشر فى أرض المسبك.. يقول جمال عبد الرحيم عطا، ملاحظ قسم المسبك بورش الإنتاج بالعباسية، إن العدبد من العمال أصيبوا بحروق، لأنهم غير مدربين أو "مش صنايعية" كما يصفهم. يشكو عبد الرحيم "بالرغم من تعرضنا لإصابات متكررة، وإصابة بعضنا بأمراض مزمنة، إلا أننا نواجه مشكلات كبيرة في مستشفى الهيئة التي نتبعها، ففي مستشفى السكة الحديد، علاج الصداع هو علاج العظام، هو علاج الباطنة، وده لو كان موجود أصلا.. وبعض زمايلنا المصابين بأمراض مزمنة، بيقفوا طوابير بالساعات عشان الدوا وميلاقوهوش". ويستكمل: "لما بدأت أشتغل في الهيئة عملت كشف طبي، ولما تحصلي إصابة ولا مرض بسبب الشغل هنا وسط الدخان والأتربة، وأروح المستشفى معرفش آخد علاج، حتى كيس اللبن اللي كانوا بيوزعوه علينا لحمايتنا من الأمراض، منعوه عننا من 10 سنين، طب إيه السبب؟!". وأردف "طبيعة شغلنا في قسم السباكة هنا صعبة، إحنا بنصهر النحاس والألمونيوم، وجميع المعادن، وبنعمل (اللُقم) بتاعة الفرامل والتحويلات على القضبان، يعني شغل مهم وقاسي، ومع الأسف العمال اللي معايا فى المسبك مش متدربين كويس ومش صنايعية، عشان كده بتحصل أخطاء كتيرة وحوادث وإصابات حروق، ولما بطلب صنايعية من المديرين أو المهندسين، يقولولي مفيش تعيين". لافتا إلى نقطة أخرى يعاني منها العمال "لو ابني تعب ورحت بيه مستشفى الهيئة، معرفش أكشف عليه، وميرضوش يستقبلوه، ويقولولي إنه عمره أكتر من 6 سنين فمش تبعنا ده تبع التأمين الصحي، ولما والدته تاخده وتروح تتبهدل بيه وهو تعبان، تستنى بالخمس والست ساعات، وفي الآخر يدوله علاج مش مناسب، أنا عايز ابني يتعالج معايا في المستشفى اللي بتعالج فيها". واسترسل: "من كام سنة لما كانت زوجتي بتتعب أو تعمل عملية فى المستشفى، كانوا يبعتوا على جهة العمل إن العملية اتكلفت مبلغ معين، وبعدين أقدملهم شهادة فقر، للأخصائي الاجتماعي، لأن ظروفي تعبانة، فيشيل المبلغ ده من عليا، أما النهاردة أنا لو زوجتى جرالها أي حاجة، ووديتها لمستشفى الهيئة، لازم أدفع فلوس مقدم عشان مراتي تتحجز، طب إيه بقى اللى هيخلينى أبهدل مراتي في مستشفى السكة الحديد.. بضطر استلف فلوس وأوديها مستشفى بره". وأضاف أن العمال يتعرضون للظلم فى توزيع "الحافز" ولا يحصلون على حقوق كاملة، رغم أنهم "شقيانين" بحسب وصفه، وأن العامل الذى يتغيب لثمانية أيام، حتى وإن كانت مرضية، يحرم من الحافز، مطالبا بمراعاة ظروف العمال، حيث إنهم يعملون في ظروف سيئة، ومصابون بكثير من الأمراض، كما طالب بتوفير وسيلة مواصلات آدمية تقل العمال من وإلى مكان العمل، مؤكدا أنهم يعانون من ركوب "الخدمة"، وهو القطار المتهالك، متسائلا: "إزاي نبقى عمال في السكة الحديد، ونركب قطر بالشكل ده؟".