ميناء دمياط يستقبل 11 سفينة ويغادره 8 خلال 24 ساعة    البترول: سفن التغييز تؤمن احتياجات الطاقة في الصيف.. ولا تخفيف في أحمال الكهرباء    وزير المالية: الموازنة الجديدة تتضمن احتياطيات مرنة لمواجهة التحديات    خبراء يحذرون: الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا آمنا للعلاج النفسي    الرئيس الإيراني: لن نوقف أنشطتنا النووية تحت أي ظرف    الضفة.. إصابة 5 فلسطينيين في اعتداءات لجيش الاحتلال ومستوطنين    إسرائيل تغتال الحارس الشخصي لحسن نصر الله في إيران    الأهلي يعلن مغادرة إمام عاشور لبعثة الفريق في أمريكا وعودته للقاهرة    الأرصاد: أجواء صيفية حارة مع بدء فصل الصيف    تعليم مطروح: الثلاثاء.. بدء تلقي التظلمات من نتائج الشهادة الإعدادية لمدة أسبوعين    تعرف على أحدث أعمال خالد الصاوي    ندوة مسلسل "لام شمسية" بالمركز الكاثوليكي للسينما.. شاهد    روبي في حفل كامل العدد بافتتاح مهرجان موازين ال20    صحة دمياط: فحص 1112 حالة ضمن قافلة طبية مجانا    أرسنال يعود للتفاوض مع رودريجو بعد اقتراب ويليامز من برشلونة    الفريق أسامة ربيع:"تعاملنا بشكل فوري واحترافي مع حادث جنوح سفينة الغطس RED ZED1"    فيفا يختار المصري محمود عاشور ضمن طاقم تحكيم مواجهة مانشستر سيتي والعين    إمام عاشور يغادر معسكر الأهلى ويستعد للعودة إلى القاهرة    رسميًا.. نوتنجهام فورست يجدد عقد سانتو حتى 2028    مؤمن سليمان يقود الشرطة لحصد الدوري العراقي    نائب محافظ الجيزة: نولى اهتمامًا بالمبادرات الهادفة إلى إحياء التراث    الملتقى العلمي لقسم الصحافة ب«إعلام القاهرة» يناقش التعليم الصحفي في العصر الرقمي    معاً نحو مستقبل دوائي ذكي ومستدام.. صحة المنوفية تقيم مؤتمر لأهمية الدواء    أنهى حياته بسبب علبة سجائر.. تجديد حبس متهم بقتل صديقه وإلقاء جثته بالشارع في سفاجا    خوفًا من شقيق زوجها.. أم تلقي بنفسها ورضيعتها من شرفة المنزل بدار السلام بسوهاج    الأرصاد: بدأنا فصل الصيف فلكيا وذروة الحر ستكون خلال شهري يوليو وأغسطس    الحبس سنة مع الشغل ل 3 متهمين أصابوا آخر بعاهة في المنيا    دُفن بالبقيع حسب وصيته.. وفاة حاج من قنا أثناء أداء مناسك الحج بالسعودية    إدراج جامعة بدر في تصنيف التايمز لعام 2025 لمساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    تخصيص أراضٍ لإقامة مدارس ومحطات صرف وحضانات ومنافذ بيع مخفضة في الغربية    عراقجي: الشعب الإيراني يتمتع بأعلى درجات التماسك والتضامن الوطني    خبير استراتيجي: إيران لديها مخزون استراتيجي كبير من الصواريخ وتتطور في ضرب إسرائيل    فلاحة وراقصة وعفوية.. صور نادرة للسندريلا سعاد حسني في ذكرى وفاتها ال24    أخطر تصريح للرئيس الأمريكي.. أحمد موسى: ترامب يساند مصر بقوة في ملف سد النهضة    وزير الصحة يتفقد مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي ويوجه بزيادة القوى البشرية    جامعة سوهاج تحدد 15 سبتمبر المقبل لتسلم «مستشفى الجراحات التخصصية»    حملات بيطرية لحماية الثروة الداجنة وضمان سلامة الغذاء بالإسماعيلية    "يمين في أول شمال" في أول لياليه على مسرح السلام.. صور    كواليس أغنية «أغلى من عنيا» ل هاني حسن الأسمر مع والده الراحل    يسرا ومصطفى شعبان في طليعة نجوم الفن العائدين.. هل سيكون النجاح حليفهم؟    «للرجال أيضًا إجازة وضع».. إجازات قانون العمل الجديد تصل ل45 يومًا | تعرف عليها    وزير العمل ومحافظ كفر الشيخ يسلّمان عقود عمل لذوي الهمم    «امتحانات في عزّ النار».. كيفية تهيئة المناخ المناسب للطلاب؟    خبير استراتيجي: حذرنا من التصعيد منذ 7 أكتوبر.. وإيران قد تلجأ لرد انتقامي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم اتمنى القرب منك سيدى ودون فراق?!    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفي والإعلامى (4)    تجديد حبس 4 أشخاص بتهمة خطف شاب بسبب خلافات بينهم على معاملات مالية    الرئيس السيسى وملك البحرين: التصعيد الجارى بالمنطقة يرتبط بشكل أساسى باستمرار العدوان على غزة.. إنفوجراف    رئيس وزراء صربيا يزور دير سانت كاترين بجنوب سيناء    نقابة المحامين توضح إرشادات يجب اتباعها خلال استطلاع الرأي بشأن رسوم التقاضي    طب قصر العيني" تعتمد تقليص المناهج وتطلق برنامج بكالوريوس الطب بالجامعة الأهلية العام المقبل    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    انطلاق انتخابات صندوق الرعاية الاجتماعية للعاملين بشركات الكهرباء    «خلوا عندكم جرأة زي بن شرقي».. رسائل من وليد صلاح الدين ل مهاجمي الأهلي    تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    تركي آل الشيخ يكشف سبب إقامة "نزال القرن" في لاس فيجاس وليس في السعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الوطن» ترصد «خريطة المعاناة» من قلب الصعيد
«محمود»: مُلّاك الأراضى يتسلمون الحصص بدلاً من المُستأجرين ويبيعونها للسوق السوداء.. والدولة تطلق يد التجار لمصلحة المستثمرين
نشر في الوطن يوم 20 - 04 - 2014

يشرف ميلاد نبيل، مزارع من المنيا، على أنفار استأجرهم لحصد محصول البطاطس الخاص به، فيما تمتزج رائحة الحطب من حوله برائحة الروث، وتمتد الأراضى الخضراء مدِّ البصر. وهو الآن على وشك بيع محصوله، إلا أنه عانى فى الموسم الماضى من شُح الأسمدة أو «السباخ» ما كبّده مصروفات إضافية مقابل شراء أسمدة إضافية من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، قال: «بسبب قلة حصص الأسمدة التى نتسلمها من الجمعية الزراعية، وزيادة أسعار الأسمدة لدى تجار السوق السوداء، وصلت كلفة زراعة فدان البطاطس إلى 16 ألف جنيه ليطرح 8 أطنان فقط يباع الطن ب2500 جنيه أى 20 ألفاً عن إنتاج الفدان، 4 شهور من الزراعة والمكسب 4 آلاف فقط».
استطلعت «الوطن» أزمة الأسمدة فى قرى محافظة المنيا، كنموذج لمحافظات الصعيد، بعدما بات العجز فى الأسمدة «الأزوتية والفوسفاتية» كالسندان الذى ينحشر الفلاحون بينه وبين مطارق تجار السوق السوداء الذين رفعوا أسعار الأسمدة التى تُباع، مدعومة، فى الجمعيات الزراعية ب75 جنيهاً فقط، إلى 160 جنيهاً على الأقل لدى التجار، بحسب الفلاحين الذين التقتهم «الوطن» ضمن جولاتها فى قرى مختلفة.
يعمل 58% من سكان محافظة المنيا فى النشاط الزراعى، وتبلغ مساحة الرقعة الزراعية فيها نحو 439 ألف فدان، أى ما يمثل 6.5% من إجمالى المساحة المزروعة فى مصر، ويغذى فلاحو المنيا زراعاتهم بأنواع مختلفة من الأسمدة منها السلفات، واليوريا، والنترات، لكن المحافظة الممتدة على مساحة تزيد على 32 ألف كيلومتر لا تضم مصنعاً لإنتاج الأسمدة ما يضطرهم لاستقدام احتياجها الشهرى من مصانع الأسمدة فى الوجه البحرى وأسوان وأسيوط والقناة.
يقطن علاء عبدالعليم فى قرية إبوان الواقعة فى مركز مطاى شمال المنيا، وتضم قرابة 3 آلاف فدان حسب «علاء» الذى قال: «مساحة الأراضى المنزرعة تضاءلت مع الزحف العمرانى، ورغم أن إنتاج السماد فى زيادة ومساحة الأراضى فى تناقص فإن الدولة تُقلّل من حصص المزارعين من الأسمدة، ولا نعلم أين يذهب الفائض».
يلحق «علاء» بسؤاله إجابة سريعة موجزة «السوق السوداء هى التى تستحوذ على فائض إنتاج السماد، ولدينا فى قريتنا وحدها حوالى 6 من تجار الأسمدة».
«الدولة هى من أطلق يد السوق السوداء للأسمدة»، هذا اعتقاد راسخ لدى محمود عبدالحكيم، أحد ملاك الأراضى بقرية إبوان، قال: «مصانع الأسمدة تبيع الجزء الأكبر من إنتاجها للمستثمرين المتعاقدين معها والذين يبيعونها بدورهم للتجار الأصغر فالأصغر حتى تصل إلى الفلاح بأسعار مبالغ فيها، والمصيبة أن المنظومة كلها لديها الغطاء القانونى فلا يمكن الطعن فيها».
وفضلاً عن حصول التجار بشكل رسمى على السماد، علمت «الوطن» حيلاً إضافية يتبعونها للحصول على مزيد من الأسمدة، يذكرها «عبدالحكيم»: «ملاك الحيازات الكبيرة من الأراضى ممن يؤجرون أراضيهم لفلاحين آخرين هم من يحصل على حصص حيازاتهم من أسمدة الجمعية الزراعية، رغم أنهم ليسوا المستفيدين الفعليين من تلك الحيازات، وبدلاً من أن يوزعوا تلك الحصص على الفلاحين المستأجرين، يبيعونها لتجار السوق السوداء».
ولا يكتفى تجار السوق السوداء بحصص الأسمدة التى يشترونها بشكل قانونى من المستثمرين المتعاقدين مع مصانع الأسمدة، ولا يكتفون بما يشترونه من كبار ملاك الأراضى الذين يبيعون لهم حصص أراضيهم المؤجرة، وإنما يبتكرون حيلاً إضافية، أكثرها انتشاراً فى القرى الصحراوية هى «الحيازات الوهمية»، حيث يحصل مُلّاك الأراضى الصحراوية على حصص ثابتة من الأسمدة على اعتبار أن أراضيهم مزروعة بمحاصيل البطاطس أو القمح فى حين أنها لا تصلح أصلاً للزراعة.
ومن تلك القرى الصحراوية التى تنتشر فيها ظاهرة الحيازات الوهمية التى تُصرف لها حصص من الأسمدة «بنى سمرة، ونزلة شادى، وقصر عمار، وعبدالله أبوعجيلة، والطف» وحيازات هذه القرى تصل مجتمعة إلى حوالى 3000 فدان لا يُزرع منها فعلياً سوى 500 فدان على الأكثر والباقى «2500 فدان» حيازة وهمية.
«آلاف الأفدنة وكل فدان له 5 شكائر يأخذها تجار هذه القرى ويبيعونها لفلاحى الحيازات الحقيقية، الشيكارة الواحدة ب160 جنيهاً على الأقل»، هذا ما أكده عادل نجيب عياد، مهندس زراعى على المعاش فى سمالوط، متحدثاً عن قرى الحيازات الوهمية، التى تعود بالضرر على قريته «نزالى طحا» حيث تؤثر على حصتها من السماد.
فى سمالوط تجد الوضع كما هو فى «مطاى»، تخصص الدولة 5 شكائر لكل فدان ذرة شامية، وخمسة لكل فدان بطاطس، واثنتين لكل فدان قمح.
تضم قريتا «طحا الأعمدة» و«نزالى طحا الأعمدة» مجتمعتين 2700 فدان، يعمل فيها نحو 4 آلاف مزارع، قال أحد المزارعين: «هناك 20 أو 30 شخصاً من كبار الملاك فى القرية يتسلمون حصص الأراضى التى يؤجرونها لصغار الفلاحين، فيبيعونها لتجار السوق السوداء بدلاً من تحويلها إلى المستأجرين، وكبار الملاك لهم الأولوية فى الحصول على الأسمدة بحكم مساحات أراضيهم الواسعة».. لحظات يصمت ثم يتابع: «اللى له ضهر ميتضربش على بطنه».
يزرع إيهاب سيد البيومى، من قرية طحا فى سمالوط، محصول البطاطس فى 10 فدادين من 11 فداناً التى يمتلكها، ويزرع برسيماً فى الفدان المتبقى، وبحسب إيهاب، الذى يعمل مدرساً، فإن «تسميد زرعة البطاطس يتم على دفعتين أو ثلاث دفعات، ولو تأخرنا فى تسميد الأرض تعطى إنتاجية ضعيفة». وفقاً لحسابات «إيهاب»، فإن فدان البطاطس يكلف الفلاح مالك الأرض 15 ألف جنيه، بينما يكلف الفلاح المستأجِر 18 ألفاً، لأن استئجار فدان الأرض يكلف ثلاثة آلاف جنيه فى موسم زراعة البطاطس. فى المقابل ينتج الفدان المُسمَّد جيداً عشرة أطنان متوسط سعرها عند البيع 19 ألفاً، وتعب المزارع كله من أجل 4 آلاف جنيه فى 4 شهور.
تدرج الدولة أسماء مالكى الأراضى الزراعية وحيازات كل واحد منهم من الأراضى المنزرعة بالمحاصيل المستحقة لدعم السماد. ووفقاً ل«إيهاب»، فإن «الجمعية الزراعية تحدث هذه الكشوف أولاً بأول حتى لا تُصرف الأسمدة إلا للمحاصيل الاستراتيجية المخصص لها الدعم، وقديماً كان البنك يوزع الحصص على أساس الحصر، أما الآن فالجمعية هى التى تتولى توزيعها».
يمتلك بولس عدلى، موظف بالوحدة المحلية فى قرية «طحا الأعمدة» 5 أفدنة يزرع منها فدانين، ويؤجر الثلاثة الباقية. وبحسب «عدلى»، فإن حصته على كل فدان تبلغ خمس شكائر تزن الواحدة منها 50 كيلوجراماً، ويستدرك «توزيع الأسمدة متأخر دائماً ولا نحصل على حصصنا إلا بعد تقضيب حصاد المحصول» أو كما يعبر عنها بالعامية «بعد العيد بيفتلوا الكحك».
ضاحكاً، قال «عدلى» إنه «حتى موظفو الوحدة المحلية لا يستطيعون تعديل الوضع ويسرى عليهم ما يسرى على عموم الفلاحين»، لا يكتفى بالحصة التى يحصل عليها لكل فدان زراعى، فيضطر لشراء باقى احتياجه من السوق السوداء بأسعار أكبر تصل إلى 175 جنيهاً للشيكارة الواحدة، التى تُباع مدعومة ب75 جنيهاً فى الجمعية الزراعية.
وكما يقول «عدلى» المزارع الخمسينى، سيزداد الأمر سوءاً «لأن الحكومة أسندت مهمة توزيع الأسمدة المدعومة للجمعية الزراعية، وقد سمعنا أن حصة الفدان ستقل من 5 شكائر إلى شيكارة واحدة». بحسب علاء عبدالعليم، مزارع بإحدى قرى مركز مطاى بمحافظة المنيا، فإن احتياج الفدان من الأسمدة يختلف باختلاف نوع النبات المزروع «لكن الفدان الواحد يحتاج 12 شيكارة فى المتوسط، فى حين لا تصرف لكل مزارع سوى شيكارتين فقط، ويسعى المزارع لسد عجزه من الأسمدة عن طريق السوق السوداء».
يتكبد المزارعون تكلفة باهظة وفقاً لعلاء «أنا التقاوى أصلاً جايبها ب4000 جنيه للطن، والفدان واخد 2 طن يعنى التقاوى بتكلفنى 8000 جنيه، ولما ببيع الإنتاج بخسر».
تعوق الزراعة فى محافظة المنيا عدة عقبات، فضلاً عن الأسمدة؛ «إيجار الفدان الواحد تجاوز 10 آلاف جنيه، وبعض الملاك يؤجرون الفدان فى موسم زراعة البطاطس فقط أقل من 5 شهور ب5 آلاف»، وبالإضافة للمبالغ التى يدفعها المستأجرون مقابل الانتفاع بالأراضى الزراعية، فإنهم لا يحصلون على أى دعم حكومى على الأسمدة المستخدمة فى تسميد محاصيل كثيرة «تستقبل الأرض الزراعية 3 أنواع من المحاصيل سنوياً لكن الحكومة لا توفر الأسمدة المدعومة إلا لمحاصيل القمح والبطاطس والذرة الشامية، أما البرسيم مثلاً، الذى نعلف به مواشينا، وبدونه يقل إنتاج الألبان واللحوم، لا توفر الحكومة أسمدة له»، حسب علاء، مضيفاً: «بدلاً من أن يشترى المزارع شيكارة السماد المدعومة من الدولة ب70 جنيهاً يشتريها من تجار السوق السوداء ب160 جنيهاً على الأقل، وليس هنالك جهة تراقب بشكل حقيقى»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.