حقاً، لقد سكب الرئيس المصرى محمد مرسى ماءً بارداً على نار الأشواق الإيرانية، فقد كان موفقاً إلى حدٍ كبير فى خطابه الذى ألقاه فى قمة حركة عدم الانحياز التى كانت مصر واحدة من لبناتها الأولى منذ النشأة والتأسيس فقد كان خطابه له بوادره الإيجابية بما يعنى أن مصر أصبح لها موقف سياسى واضح وأنها لا تقبل إملاءات من أحد، فقد بذلت أمريكا الكثير من خلال طرف ثالث كى لا يذهب الرئيس المصرى بنفسه إلى هذه القمة ولكن كل هذه المحاولات عادت بخفى حنين، فى الوقت ذاته فإن إيران قد أفادت من ذلك كثيراً لكسر العزلة الدولية التى يسعى الغرب -حثيثاً- بفرضها عليها وأعتقد أنها سوف تستغل قيادتها لحركة عدم الانحياز فى تشكيل حراك سياسى وتسخير كل المنابر المتاحة لها من خلال قيادة هذه الحركة فى الدفاع عن كافة حقوقها وليس أدل على ذلك من البيان الذى استصدرته إيران من خلال هذه القمة والذى ينص على حق الدول فى استخدام التقنية النووية فى الأغراض السلمية وهو ما يمثل مكسباً كبيراً لإيران وإرسال رسالة قوية للشعب الإيرانى بأنهم ليسوا فى عزلة عن العالم ومن المتوقع أن تتخذ إيران مجموعة من القرارات والإجراءات بما يعزز موقعها فى المنطقة أثناء فترة توليها رئاسة الحركة ومما يسترعى الانتباه ويلفت النظر أنه ربما تكون هذه القمة ولادة جديدة لحركة عدم الانحياز بعدما كادت تموت. واذا ساغ لى أن أسجل بعض الملاحظات على هذه القمة فأستطيع أن أوجزها فى النقاط الآتية: * من الملاحظ أن القارئ الذى تلا القرآن الكريم فى بداية القمة كان يقلد الشيخ عبدالباسط بما يعنى أن إيران كانت موفقة إلى حد كبير فى هذا لإحداث نوع من التقارب بين الشعبين وهو ذكاء يتوجب علينا أن نذكره. * لم يشر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية (على خامنئنى) ولا السيد أحمدى نجاد فى خطابيهما إلى النظام السورى بشىء مما يؤكد استمرار تأييدهما له وهذا مؤشر خطير له انعكاساته السلبية على استمرار إراقة الدم السورى. * فى المقدمة التى بدأ بها الرئيس مرسى لفتة تسترعى الانتباه حيث صلى على آل البيت -وهذا يروق للسنة والشيعة معاً- ثم صلى على الصحابة -وهذا لا يرضى الشيعة- فهم يتعبدون إلى الله بسب الصحابة ولكنه انتصار للمذهب السنى فى قلب إيران وهذه إشارة واضحة للتقريب بين المذاهب وقد ظهر ذلك جلياً عندما تلا قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) واللافت للانتباه أيضاًً أن الرئيس ربما تعمد أن يقول: وارضَ اللهم عن سادتنا أبى بكر وعمر وعثمان وعلى، فهو يعلم مدى حساسية الشيعة تجاه سيدينا أبىبكر وعمر ولكنه انتصار للمذهب السنى مرة ثانية مراعاة لمشاعر المسلمين السنة نظراً لحساسية الشعوب السنية من زيارة إيران الشيعية وأعتقد أن التليفزيون الإيرانى والإذاعة الإيرانيه لم يترجما هذا للشعب الإيرانى أثناء خطاب الرئيس المصرى. * إشارة الرئيس مرسى إلى جمال عبدالناصر بالثناء الجميل فى القمة وإبراز دوره فى تأسيس حركة عدم الانحياز فيه دلالة واضحة على نبل الرجل ووطنيته وأنه قد ترفع عن الخلاف الأيديولوجى ونحّاه جانباً. * أشار السيد الرئيس إلى المبادرة الإقليمية التى طرحتها مصر للحوار بين السعودية وإيران وتركيا ومصر لوقف شلال الدم فى سوريا الذى تمخض عنه أكثر من مائتى ألف لاجئ ووصل القتل فى يوم واحد لنحو أربعمائة قتيل ولكننى كنت أرجو أن يوضح ما أسفرت عنه هذه اللجنة الرباعية من نتائج ومدى التوافق بين أعضائها. * عدم ذكر الرئيس مرسى للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية (خامنئى) أثناء خطابه له دلالته الواضحة فى استنكار الرئيس لولاية الفقيه وعدم إيمانه بها. * عندما قال الرئيس مرسى إن الأمر فى سوريا يحتاج إلى تدخل خارجى، أعتقد أنه قد جانبه الصواب فى ذلك -مع حسن ظننا به- لأن هذا ربما يفهم خطأً منه إعطاء الضوء الأخضر لتدخل حلف الناتو فى سوريا والذى كنت أرجوه أن يقول تدخلا عربيا وإسلاميا؛ لأن الغرب لا يأتى بخير لا سيما أن واشنطن تدير الآن مخططاً قذراً لتفتيت المنطقة وليس تقسيمها فحسب. هذا وأرى أن السيد الرئيس كان موفقاً إلى حد كبير فى الصدع بالحق وتحسب له شجاعته عندما انتقد النظام السورى وهو على أرض أكبر حليف لها!