يحتفل مليار ونصف المليار من المسلمين حول العالم، اليوم الموافق الثاني عشر من ربيع الأول بالمولد النبوي الكريم، ويعد الاحتفال بمولد النبي شهادة على الحب والتعظيم لسيدنا رسول الله، وشكر لله تعالى على هذه المنة كما قال تعالى "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا". وأعادت دار الافتاء المصرية، نشر فتوى لها عبر موقعها الرسمي حول حياة النبي الكريم في قبره، وجاء نص السؤال الذي تلقته كالتالي: "ما مدى صحة القول بأن الرسول صل الله عليه وسلم حي في قبره ويصلي الصلوات الخمس؟، حيث وقع نزاع بين المشايخ؛ فبعضهم يؤيد مستندا إلى ما قرأه، وبعضهم ينكر ذلك بحجة أنه صل الله عليه وسلم مات وهو كباقي البشر لا يتوضؤون ولا يصلون في قبورهم. وأجاب عن هذا السؤال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق ومفتي الجمهورية الأسبق، حيث أكد أن الأنبياء أحياء في قبورهم قطعا وهم أولى بذلك من الشهداء الذين ورد فيهم النص القراني في قوله تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين". وأضاف شيخ الأزهر السابق، أن الحياة ثابتة لجميع من فارق الدنيا ولو كفارا كما يدل عليه حديث أهل القليب المروي في البخاري، وجاء في "الصحيح" أيضا أن الميت بعد دفنه يسمع قرع نعال المشيعين، وأن الروح تنادي حامل الجنازة، وأنه يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق، وقد رأى النبي صل الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج موسى عليه السلام يصلي في قبره، كما رآه في السماء السادسة، وقد راجعه مرارا في أمر الصلاة وقابل الأنبياء الاخرين في السماوات بعد أن صلى بهم إماما في بيت المقدس. وتابع: وضع البيهقي رسالة في حياة الأنبياء، وللسيوطي أيضا رسالة تسمى "أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء"، مبينا أن حياة الأنبياء في قبورهم ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع العلماء، كما ذكر القرآن الكريم نصوصا عديدة في حياة الشهداء، والإجماع على أن الأنبياء أرفع درجة من الشهداء؛ وقال الإمام ابن حزم في "المحلى": ولا خلاف بين المسلمين في أن الأنبياء عليهم السلام أرفع قدرا ودرجة وأتم فضيلة عند الله عز وجل وأعلى كرامة من كل من دونهم، ومن خالف في هذا ليس مسلما. وأما السنة ففيها من الأدلة على حياتهم؛ فمن ذلك الحديث: "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون" رواه أبو يعلي من وجه، والبيهقي من طرق متعددة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال الإمام المناوي في "شرح الجامع الصغير": رجاله ثقات، وصححه البيهقي، ومثل ذلك للحافظ السخاوي في "القول البديع"، ثم له طرق أخرى أخرجها البيهقي في حياة الأنبياء وبها يصير من الصحيح المتفق عليه، ومنها حديث الإسراء. ونص كثير من الأئمة والحفاظ -كالقرطبي في "التذكرة،" وابن القيم في كتاب "الروح"، والحافظ السيوطي في غير ما كتاب من كتبه- على أن أحاديث حياة الأنبياء في قبورهم متواترة. وقال الحافظ السيوطي في "الحاوي للفتاوى": "وتواترت بها الأخبار"، وقال في "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء" ما نصه: "حياة النبي صل الله عليه وسلم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا؛ لما قام عندنا من الأدلة في ذلك وتواترت به الأخبار الدالة على ذلك". وقال الإمام ابن القيم في كتابه "الروح": صح عن النبي صل الله عليه وسلم أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنه صل الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء خصوصا بموسى عليه السلام، وقد أخبره بأنه ما من مسلم يسلم عليه إلا رد عليه السلام، إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غيبوا عنا بحيث لا نراهم وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة؛ فإنهم أحياء وموجودون ولا نراهم. ويؤيد هذا قول الأئمة العلماء: إن الموت ليس بعدم محض، وإنما هو انتقال من حال إلى حال، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد موتهم وقتلهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء في الدنيا، وإذا كان هذا في غير الأنبياء كان الأنبياء بذلك أحق وأولى. ويحقق ما ذكره هؤلاء الأئمة من تواتر الأحاديث الدالة على حياة الأنبياء تواترا معنويا أن حديث عرض الأعمال عليه صل الله عليه وسلم واستغفاره لأمته وسلامه على من يسلم عليه ورد من نحو 20 طريقا، وحديث الإسراء ورد من طريق خمسة و40 صحابيا. ونص الحاكم والحافظ السيوطي على أن حديث الإسراء متواتر؛ وقال بعضهم: لا شك أنه يؤخذ من هذه الأحاديث أنه صل الله عليه وسلم حي في قبره، وذلك أنه محال عادة أن يخلو الوجود كله من واحد يسلم عليه في ليل أو نهار. واختتمت دار الإفتاء حديثها، قائلة: "نحن نؤمن بأن النبي محمد صل الله عليه وآله وسلم حي يرزق في قبره، وأن جسده الشريف لا تأكله الأرض، والإجماع على هذا، وهذه الحياة الثابتة للنبي محمد صل الله عليه وآله وسلم والأنبياء والشهداء حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله، ولا ينبغي الخوض في معرفة حقيقتها".