على عكس ما اعتدناه على مدى سنوات طوال مضت من جانب مسئولين حكوميين -كانوا يرفضون دوماً توجيه أى انتقاد لقراراتهم أو الكشف عن أى وقائع تدينهم- جاءنى تليفون الدكتور خالد حنفى، وزير التموين، تعليقاً على تلك السطور التى نُشرت يوم الأحد الماضى فى ذات المكان تحت عنوان «رغيف حنفى.. وكفتة فيروس سى»، والتى انتقدت فيها إصرار الدكتور حنفى على عدم مصارحة الرأى العام بتفاصيل وآليات خطته لإنهاء معاناة المواطن مع «رغيف الخبز المدعم» خلال 3 أشهر، على حد تعبيره. الدكتور حنفى لم يلجأ إلى تلك المحاولات المتكررة الرتيبة الكاذبة التى اعتدناها من مسئولين سابقين كانوا يكتفون دوماً بكلمتى «لم يحدث» وإلحاقهما بعتاب رقيق كما لو كان بين أصدقاء: «ما كنتش أنتظر منك هذا النقد».. أو إرسال رد على ورق مصقول أخضر اللون يتصدره شعار «مكتب الوزير» لا يتضمن أى معلومة سوى «إن ما نُشر اليوم لا يمت للحقيقة بصلة.. أو إنه جانبه الصواب»، كما لو كان هذا التعبير يتسلمه الوزير مع «نص القسم» الذى يؤديه عند تولى مسئولية الوزارة! على كل حال فقد أبدى الوزير اتفاقه مع ما نُشر، واعترف بوجود تقصير فى إيصال فكرته للرأى العام، مؤكداً أنه سيكشف عن هذه الخطة من خلال «بيان صحفى» سيكلف مستشاره الإعلامى بإعداده وإرساله إلىّ لتوعية الرأى العام «ب«خطته» هذه، غير أن المستشار الإعلامى، وهو زميل صحفى، فاجأنى بإرساله بياناً جاءت مقدمته: «بيان أعمال معالى الأستاذ الدكتور وزير التموين والتجارة الداخلية». وبصرف النظر عن الأسلوب الذى اختار الزميل أن يقدم به وزير التموين -والذى أوهمنى بأننى تلقيت رداً من «معالى ناظر نظارة التموين» فى الثلاثينات من القرن الماضى- فإنه سرد مقدمة لهذا البيان جاءت كالتالى: «يشمل البيان الأسبوعى ما تم القيام به على مدار الأسبوع، كما يشمل خطة وبرنامج عمل الأسبوع التالى، ويتضمن أبرز الإنجازات وحل أهم المشكلات وتذليل العقبات خلال تفقد الأداء».. الغريب أن المستشار الصحفى، بعد ذلك، أخذ يعدد خطوات الوزير من «عقد لقاءات مع أصحاب المخابز.. زيارات لسوق الفاكهة فى الدقى فور أدائه اليمين الدستورية وقبل ذهابه إلى مكتبه.. زيارات لبعض الأفران فى العديد من المناطق.. ». وفات عليه أن يذكر أن «معالى الوزير قد مر على مدارس الأولاد ليصحبهم إلى المنزل أو أنه قد سدد فلوس الجمعية»..!! وهو ما لا يستحق توجيه اللوم للوزير بل لمستشاره الصحفى الذى لم يذكر تفاصيل «منظومة الخبز الذى سينهى بها الوزير أزمة توصيل رغيف الخبز المدعم لمستحقيه فى 3 أشهر فقط، وهى التى حيرت حكومات لسنوات طوال»، كما جاءت فى سطور الأحد الماضى والتى ركزت على حتمية مصارحة الرأى العام! على كل حال، كان الوزير «أكرم» من مستشاره الإعلامى فى الكشف عن جزء من هذه المنظومة فى تصريحه ل«الوطن» يوم الثلاثاء الماضى، إذ قال إن منظومته «تعتمد على تحرير سعر الدقيق»، وكان هنا ينافس أحد أسلافه القدامى فى المنصب، وهو الدكتور على المصيلحى الذى يُعد أول من اكتسب لقب «سبارتاكوس محرر الدقيق»، غير أن الوزير الجديد أراد أن يتفوق عليه بإضافة لقب «الذكى»، إذ إنه كشف عن أن «توزيع الخبز سيتم قريباً بالكروت الذكية بنفس السعر المدعم 5 قروش للرغيف». كشفُ الوزير عن جزء من منظومته يثير العديد من الأسئلة حول ما إذا كان الوزير يستهدف تحويل «فرن الأمانة لصاحبه شافعى إلى سايبر الأمانة التكنولوجى».. وإذا افترضنا نجاح تجربة «الكروت الذكية» فى المدن والأحياء الراقية فماذا سيكون عليه الوضع فى الحارات والأزقة والكفور والعزب؟! وهل ستكون هذه الكروت الخطوة الأولى فى تحديد نصيب المواطن من الخبز يومياً؟!.. ومع تصديقنا لاستمرار طرح رغيف الخبز بنفس أسعاره القديمة، 5 قروش، فماذا عن وزنه فى النظام الجديد؟! سيادة الوزير، لا نزال نطالبك بتوضيح كل شىء أمام المواطن ومصارحته بالحقائق كاملة ليشاركك فى تحمل المسئولية -باعتباره «المستفيد أو المتضرر» الأول من هذه المنظومة ليساندك وأنت تدخل برجليك «عش الدبابير»- ولكن بشرط أن يكون ذلك بعيداً عن سرد المستشار الإعلامى ل«خط سير أعمال معالى الأستاذ الدكتور وزير التموين والتجارة الداخلية»!!