"ما أجدر هذا أن يكون كاتبًا بعدُه"، عبارة نطق بها الإمام محمد عبده، والذي يعد أكبر شخصية إسلامية في العالم العربي، عندما كان في زيارة لمحافظة أسوان وزار المدرسة الابتدائية التي كان يدرس بها عباس محمود مصطفى العقاد، المفكر والأديب والصحفي والشاعر، ودار بينهما نقاش حول "المفاضلة" بين الأشياء مثل الحديد والذهب، والسلم والحرب، وكان العقاد يختار الدفاع عن أضعف الطرفين بغرض إظهار القدرة على الدفاع عن الضعيف وتقوية حجته ليقوى، وهو لم يتجاوز من العمر 14 عاما. وُلد "العقاد" في أسوان في 29 يونيو 1889، والتحق بالكتّاب وحفظ القرآن الكريم وعمره سبعة سنوات وتخرج من المدرسة الابتدائية وهو في الرابعة عشر من عمره، واقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط؛ لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان، واعتمد العقاد على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهي أبدًا، ليس بالعلوم العربية فقط وإنما العلوم الغربية أيضًا. ولقب محمود عباس ب"العقاد" نسبة لجده الأكبر إبرهيم العقاد، والذي كان يشتغل بصناعة الحرير في محافظة دمياط ثم انتقل إلى المحلة الكبرى، ومن هنا جاء لقب العقاد، وكاد أن يتحول لقب العقاد إلى "الصراف"، حيث كان جده متميزًا بالحساب فعمل بالصرافة، ولكنه اختار في نهاية الأمر لقب العقاد. وبدأ العقاد، عمله في الصحافة في صحيفة "الدستور اليومية" عام 1907 مع المفكر فريد وجدي، واشترك في تحرير مجلة "البيان" عام 1913، وكان يكتب هو وإبراهيم المازني وعبدالرحمن شكري فصولًا نقدية في مجلة "عكاظ"، وهي الفترة التي توطدت فيها العلاقة بين الثلاثة، وتقاربت وجهات النظر في النقد الأدبي ليشتركوا معًا عام 1922 في تأليف كتاب "الديوان"، في فن الأدب والنقد في نقد شعر "أحمد شوقي"، في الوقت الذي كان فيه شوقي ملء الأسماع، وأسس هذا الكتاب للمدرسة الشعرية المعروفة ب"الديوان" التي انتهجت النهج الرومانسي في شعرها واتسمت بالدعوة إلى التجديد الشعري في الموضوعات، والاستفادة من الأدب الغربي، والإطلاع على الشعر العربي القديم والإستعانة بمدرسة التحليل النفسي. عُين العقاد عضوًا في المجمع اللغوي في عام 1940، وله عدة دواوين منها "وحي الأربعين، وهدية الكروان، وعابر سبيل.. وغيرها"، ومنذ عام 1945 قدم العقاد فيضًا رائعًا من مؤلفاته الخالدة منها: "أبوالشهداء الحسين بن علي، وداعي السماء، وبلال مؤذن الرسول، وعبقرية خالد بن الوليد، والتي كانت بداية سلسلة "العبقريات" للعقاد، فعندما قامت ثورة يوليو 1952 بدأ العقاد يكتب سلسلة العبقريات الإسلامية وأهمها "عبقرية محمد، وعبقرية المسيح، وعبقرية عمر"، وفي عام 1956 عين العقاد عضوًا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ومقررًا للجنة الشعر، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960. وفي 12 مارس 1964 رحل العبقري العقاد بعد أن ترك ثروة أدبية ضخمة بعد أن دافع بقلمه وفكره عن الإسلام والمسلمين. وبعد مرور خمسين عامًا على رحيل العقاد، يكاد يعجز المتتبع لتاريخ المفكر الراحل، عن ملاحقة المحطات العديدة في حياته، من عمله مع عبدالقادر حمزة في صحيفة "البلاغ"، ثم انتخابه عضوًا في مجلس النواب، أو حبسه لمدة تسعة أشهر في عام 1930 بتهمة العيب في الذات الملكية؛ بسبب كتاباته الجريئة.