يتساءل المصريون متى ينتهى سلسالُ الإرهاب اليومى فى أرض مصر ويتوقف نزيفُ الدماء؟ ويتساءلون عمّ يريد الإرهابيون؟ وعما إن كان ثمة طائلٌ وراء كل هذا الخراب! يتساءلون هل تأمل الجماعة الإرهابية بالفعل فى عودة المعزول الخائن؟ وهل أنهار الدماء اليومية هذه ستجبرُ الشعبَ المصرى السيّدَ أن يخضع لابتزاز الدم فيعيد الخونةَ إلى كراسى الحكم بعدما ركلتهم عنها مصرُ؟ نتساءل كل يوم: أليس فيهم رجلٌ رشيد يخبرهم بأن الفجوة بينهم وبين الشعب تزداد هوّة واتساعاً مع كل نقطة دم جديدة تُراق من جسد مصرى برىء على أيديهم السوداء؟ وأخيراً يتساءلون: لماذا لا يثوبُ «مرسى» إلى رشده فيدركُ أن أحداً لم يعد يريده، وأنه لا طائل مما تفعل ميليشياته الدموية التى تضرب خاصرة مصر كل فجر جديد، فيقول لعصاباته الإرهابية: «قُضى الأمر، رُفعت الأقلامُ وجفّت الصحف، فكفّوا أذاكم عن الأبرياء، كيلا نُغضب اللهَ أكثر ربما سامحنا على خطايانا، وربما سامحَنا هذا الشعبُ الطيب الذى وثق فىَّ يوماً فلما خذلته لفظنى»؟ الإجابة هى: يفعل «مرسى» هذا حينما يطمئن. ومتى يطمئن؟ قسّم المتصوفةُ مستويات النفس البشرية إلى مراتبَ سبعٍ؛ أدناها «النفس الأمّارة»، التى من أوصافها الجهل، والكِبر، والشهوة، والغفلة، والبغض، والكلام دون علم، وغيرها من قبائح النفوس، وهى التى تأمر صاحبها بارتكاب المعاصى وبغض الآخر. تليها «النفس اللَّوامة»، التى تحثُّ صاحبها على المعاصى وتلومه على الزهد فى الشهوات والمغانم. فإن جاهدها الإنسانُ وكبحها ولم يستجب لها، تنصاع له صاغرة، ثم تتبدل فتبدأ فى لومه على ترك الفضائل حتى يترقى إلى المرتبة الثالثة وهى «النفس المُلهمة»، التى تتسم بالمحبة والقناعة والتحضّر والإيمان بأن الله وحده آخذٌ بناصية جميع المخلوقات، فلا يبقى لنا حق إدانة أحد. بعدها يترقى الإنسان إلى «النفس المطمئنة»، التى تمنح المرء صفات حسنة، مثل الجود والشبع وعدم اللهاث وراء المغانم والنفور من إيذاء البشر، وغيرها من كرائم النفوس. ويبدو أن «مرسى» وإخوانه الإرهابيين واقفون عند مرتبة «النفس الأمارة بالسوء»، وأن المشوار إلى «النفس المطمئنة» طويلٌ كالدهر بالنسبة إليهم؛ ذاك أنه الجهاد الأكبر والماراثون الشاقُّ لمكافحة الهمجية المستوطنة داخل الإنسان الكسول عن تهذيب نفسه وتخليصها من أدران بُغض الناس واستصغار قيمة أرواحهم، فى مقابل استكبار المغانم واستهوال المناصب فيُهرقون على أبوابها الدمَ الطاهر غير عابئين بغضبة الله الذى لا يسامح فى قطرة دم بشرىّ. ومن العسير هنا أن نحلم بأن يستأنف الإرهابيون رحلة تهذيب النفس والترقّى بها، ليدرجوا فى المراتب، هذا إن وصلوا إلى درجة «النفس المطمئنة» التى لا يدركها إلا الأتقياء الأنقياء الأصفياء، ثم يتخطّونها إلى بقية المراتب السبع: مقام «النفس الراضية» التى تجعل صاحبها غارقاً فى الأدب مع الله، ثم مرتبة «النفس المرضية» التى تأمر صاحبها بحسن الخلق واللطف مع الخلق وحب البشر والميل إليهم، والجمع بين حب الخلق وحب الخالق، وهو ما لا يتيسر إلا لأصحاب هذا المقام الرفيع، وسُميت بالمرضية لأن الله (تعالى) قد رضى عنها، ثم يدرجون فى المراتب حتى يدركوا المرتبة السابعة «النفس الكاملة» وهى أطهر المقامات، والكمال لله، وحده. الشُّقّة واسعةٌ شاسعةٌ بين النفس التى تأمر بالقتل والحرق والتدمير، وبين النفس المطمئنة التى تجعل قلب المرء لا يتحمل إيذاء كائن حى، أو نبتة ضعيفة.