الشعب المصري نحسبه شعب متدين بطبعه، يحافظ على صلاته، يغار على نسائه الملتزمات بالحجاب والاحتشام، يحب الصوم ويكثر منه، يبتهج بشهر رمضان، يهلل فرحاً برحلة حج أو عمرة، يذبح أضحيته ويقسمها بفرح وسرور، يسارع بصدقاته لبناء المستشفيات والمساجد وإغاثة الملهوف ورعاية الأرامل والأيتام والفقراء، يحفظ أبنائه القرآن الكريم ويتباهى بختم الأبناء لكتاب العزيز الحكيم، يفتخر وسط الأمم بالأزهر الشريف منارة العلم الشرعي والعلماء الثقات، ينبذ التطرف الذي يقتل فيه أحمد محمدا، أو يخرج فيه المرء على حاكمه، أو يروع الآمنين ولو كانوا كافرين، يحب الخير للجميع، يخشى ربه ويخاف عذابه ويسعى جاهداً لتطبيق شرع ربه على نفسه أولا، آملاً سيادته على كافة قطاعات مجتمعه، ويتعجب لما البعد عن شرع الله وفيه الخير للبلاد والعباد، وقت الحرب تجده خير أجناد الأرض بصيحة الله أكبر وبتوكله على ربه يدمر الله به أعتى الجيوش، وما أكتوبر عنا ببعيد. قد يغفو قليلاً وتغريه الشهوات، وتحاصره الشبهات ولكنه يتميز بأنه رجاع، إذا عرف الحق وخشع قلبه بصدق، فإنه يعود إلى ربه الغفور الرحيم سريعاً، نادماً وعازماً على ترك المعاصي، لو سألته في خلوة ماذا تريد لتمنى عيشة هنية، وميتة سوية، ومرد غير مخز ولا فاضح. يستنكر دوماً هفوات أصحاب الشهوات على الفضائيات والشواطئ والسينمات وما تحدثه فيهم من إفساد لقيم وأخلاق الأولاد والبنات، ومن طيبة قلبه لا يدعوا على هؤلاء بالهلاك، ولكنه يسأل الله أن يهديهم سبل الرشاد، ويسعد كثيراً بهداية أحدهم وتركه لتصدير الخلاعات. عندما سمع بسمكة قرش تفترس السياح في منتجع شرم الشيخ، قال كثير منهم الله أكبر إنه نذير من الله الذي أهلك النمرود ببعوضة، وقد يهلك بلدة كاملة بسمكة قرش، سمكة من شأنها أن تذر البلدة خاوية على عروشها. كثير من بسطاء مصر بكوا حال أبنائهم في شرم الشيخ، يقول لك الأب المكلوم، أبني كان يصلي وعندما ذهب لشرم علمت بأنه ترك الصلاة وزنى وشرب الخمر وحمله لزبائنه، وعرف بيتنا طريق المصائب فمرض الابن الأكبر ومات الأصغر، وصارت عيشته ضنكاً رغم دولاراته الكثيرة، وغيره أصيب بالإيدز ونقله لزوجته المصرية الساذجة، والكثير والكثير من ضحايا مفاسد "السياحة الجنسية". ولو أردنا أن نوثق تجربة شرم الشيخ الأخلاقية لاقتربنا كثيراً من تجارب القرى الانحلالية التي أهلكها الله بذنوبها، وأخشى ما أخشاه ويخشاه كل مصري أن يسلط الله جنوده على هذه البقعة التي حررها المصريون بدمائهم، ويمتد الهلاك لكل أقطار مصر فيكون الهلاك للجميع، والسبب أن ثلة من الناس أخرجت الله من حساباتها، فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فمن في مصر كان يفكر عشية الانتخابات البرلمانية وما صاحبها من تداعيات في سمكة القرش المفترسة، أو حتى في مفاسد شرم الشيخ الانحلالية؟. إن تغيير المفاسد لا يحتاج أكثر من جرة قلم من ذي سلطان، وإن شعب مصر المتدين لا يطمع في السلطة، ولا يرغب في مزاحمة أصحابها الذين هم أبنائهم، ويعلم أن لدى بعضهم نزعات إيمانية قد تحاصرها أحيانا الشهوات ومكائد الأعداء، والبطانة السوء، لكن هذا الشعب المتدين يعذر نفسه أمام ربه بتذكير ثلة من أبنائه بأن يتذكروا ربهم، وينظروا في حال الأمم السابقة التي أخرجت ربها من حساباتها، فأخرجهم الله من الدنيا بهلاك وذكرى جعلهم الله بهما آية لكل خلف، وخسروا بموقفهم من ربهم الدنيا والآخرة. إن شعب مصر المتدين المصلي المزكي المتصدق الصائم الحاج المعتمر المتعامل بالحسنى، الرافض للربا، المربي لأبنائه على الفضيلة ومكارم الأخلاق وحقن الدماء، يسأل ربه أن يجعل مصر بلداً آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً، وأن يهيئ لها أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.