رئيس الوزراء الجديد «إبراهيم محلب» اتخذ عدة قرارات بمنع نشر إعلانات التهنئة بتوليه منصب رئيس الحكومة، وقرر أن يكتفى بسيارة واحدة لتحركاته، والأهم أنه اتخذ قراراً بمنع تداول المياه المعدنية داخل مبنى الحكومة، سواء بالنسبة له أو للعاملين معه، إيماناً منه بأنه يجب أن يشرب من الحنفية شأنه شأن المواطن، ولأن الحنفية تُخرج ماءً زلالاً طهوراً! لعلك ما زلت تذكر أن رئيس الوزراء الأسبق «عصام شرف» بادر خلال الأسابيع الأولى لتوليه الوزارة إلى دخول أحد مطاعم الفول والطعمية، وظهر وهو يأكل الأكلة الشعبية الشهيرة، وأنه قام بحمل حذاء فلاحة مصرية بسيطة، بعد أن خلعته على باب مكتبه. كذلك قام «هشام قنديل» الذى ترأس الحكومة أيام الرئيس المعزول بحركات مشابهة. تشابُه البدايات قد لا يؤدى فى كل الأحوال إلى تشابه النهايات، لكن العاقل من اتعظ بغيره. على المهندس «محلب» أن يفهم أن الناس لن تفرح بهذه القرارات الدعائية، الناس ستسعد فقط حين تجيد الحكومة التعامل مع مشاكلها، وحين يشعر المواطن أن المسئول يجتهد فى تخفيف معاناته وليس زيادتها أو تعقيدها. فليشرب «محلب» مياهاً معدنياً هو وغيره من مسئولى الدولة، وليتحرك فى مواكب، الأهم من ذلك أن يحارب الفساد داخل أجهزة الحكومة، لأن الجهاز العصبى للاقتصاد المصرى لن يتحمل المزيد. «محلب» تولى المهمة فى أيام دخل فيها المصريون حالة تشبه حالات العصيان المدنى. المدارس معطلة، والجامعات مغلقة، والمستشفيات بها إضراب، وسائقو النقل العام يرفضون الخروج ب«الأوتوبيسات» من الجراجات، وهناك المزيد والمزيد. ومشاكل هؤلاء لن تُحل بتوقف رئيس الوزراء عن ارتشاف المياه المعدنية. عين المواطن ترى، ولسانه أصبح من الطول اليوم بحيث لم يعد بإمكان أحد إسكاته. عينه على الصناديق الخاصة التابعة للوزارات ومؤسسات الدولة التى تدرّ مليارات الجنيهات سنوياً تُصرف فى شكل مكافآت تُمنح للكبار ومنهم الوزراء دون أن تحرك الحكومة ساكناً، يصرخ لسانه معرباً عن سخطه على ارتفاع أسعار السلع نتيجة احتكار رجال الأعمال وعدد من جهات الدولة لكل ما يحتاجه فى حياته وتحكمها فى أسعاره، يتحدث عن أراضى الدولة المنهوبة والتى تُمنح لكل من هب ودب من المحظوظين فى الوقت الذى يعيش فيه الملايين داخل العشوائيات والمقابر. المواطن لا يريد من المهندس «محلب» أن يمتنع عن شرب المياه المعدنية، إنه يريد منه فقط أن يتصرف فى هذه الملفات الثلاثة، أن يمتلك النزاهة والتسامى بحيث يقرر ضم أموال الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة حتى يعوض النقص الحادث فيها من جيب الكبار مرة، وليس من جيوب المواطنين العاديين كما اعتادت الحكومات السابقة، أن يتحرك بقلب شجاع ويواجه مافيا الاحتكارات فى مصر ويسقط حلفاءهم الذين أدمنوا تزويج المال بالسلطة داخل مؤسسات الدولة، أن يتحرك من أجل إعادة الأراضى المنهوبة بأبخس الأثمان عبر وزارة الإسكان التى كان يتولى حقيبتها قبل أن يجلس على كرسى رئيس الحكومة! اشرب يا رئيس الوزراء ما شئت وتحرك كيفما شئت.. المهم أن ترينا أمارة إصلاح!