محظوظة «دهب عبدالله»، تلك الفتاة التى وجدت فى الإعلام طوقاً للنجاة من أجل حُضن لمولودتها «حرية»، لكن ماذا عن الآخرين الذين يتلطم ذووهم يومياً بين ساحة قسم وباحة نيابة، أملاً فى قرار بإخلاء السبيل ينهى كابوس «القبض العشوائى»؟. ماذا عن مُحتجزين وثّقت المنظمات الحقوقية عددهم داخل السجون منذ تظاهرات الذكرى الثالثة للثورة ب1300 فرد؟ ماذا عن انتهاكات فى استخدام القوة مع المحتجزين ترفض وزارة الداخلية تسميتها ب«التعذيب»؟ بل وتؤكد أن ذلك لم يحدث مطلقاً، ومن معه دليل إدانة فليقدمه إلى النيابة للتحقيق. «الوطن» تعرض شهادات متنوعة، لمحامٍ قضى 17 يوماً متنقلاً ك«سجين» ما بين «طرة وأبوزعبل» بتهمة إثارة الشغب. ■ أحمد هُليل يكتب: 17 يوماً فى «طرة وأبوزعبل».. والتهمة محامٍ أن يصلك خبر وفاة صديقك «سيد وزة» فى اشتباكات مع الشرطة بالتأكيد خبر سيئ.. لكن الأسوأ ألا تحضر جنازته، ألا تودعه، إنها الخامسة مساء السبت 25 يناير 2014، أتجه بصحبة زميلى «معتز» إلى مستشفى أحمد ماهر لمتابعة إجراءات تشريح جثمان «وزة» بصفتى محامياً، فى محيط قصر عابدين يظهر بضعة مخبرين لا أتذكر عددهم، بكل حدة يخاطبون زميلى «يا كابتن.. معاك إيه فى الشنطة دى»، يطلبون منه الدخول إلى داخل القصر لتفتيش الشنطة، أظهر لهم بطاقة الانتساب إلى مهنة المحاماة، طالباً منهم ترك «معتز»، لا يعبأون بالحديث، أجد نفسى مضطراً إلى الدخول معهم داخل القصر خوفاً من أى مكروه، بالداخل وجدت نقطة أمنية مدعومة بسيارات للأمن المركزى، سرعان ما بدأت حفلة الضرب الأولى من لكمات مصحوبة بسب وقذف للأب والأم، بعدها انتزعوا منى هاتفى المحمول ووضعوا الكلابشات فى يدى، لأجد نفسى داخل البوكس متجهاً إلى قسم عابدين. العبارة الأولى لضباط القسم المصحوبة بأصوات صراخ فى الخلفية من جراء حفلة الاستقبال ب«الضرب على القفا» جاءت «انسى إنك محامى.. انت هنا متهم.. مالناش دعوة بالكارنيه اللى معاك»، قائمة اتهامات فكاهية مدونة بمحضر التحريات «إثارة الشغب.. الاعتداء على موظفين عموميين.. حيازة أسلحة نارية»، مصحوبة بحرز فوارغ طلق خرطوش وقناع واقٍ من الغاز، فى الليلة ذاتها وجدت نفسى بصحبة 77 فرداً داخل غرفة لا تزيد مساحتها على 70 متراً داخل معسكر الأمن المركزى بطرة. حاولت أن أوصل تلك المعلومة إلى المحققين من أصحاب الملابس المدنية الذين استقبلونى فى معسكر طرة لكن تساؤلاتهم كانت تنصب فى اتجاه واحد «انت إخوان، ولا 6 أبريل؟، كم تمنيت أن أجد مقعداً للجلوس عليه أثناء التحقيق فى هذه الليلة الطويلة، لكن الخيارات كانت محدودة وفقاً للحالة المزاجية للمُحققين، إما وضع «القرفصاء»، وإما الجلوس على الأرض، الإهانات أيضاً كانت متباينة ما بين سب وقذف وسخرية وتجاهل، فى النهاية وجدتهم يؤكدون أن التحقيق سيبدأ غداً حينما تحضر النيابة للمعسكر. حاولنا جاهدين فى صباح 26 يناير أن نوصل للنيابة المعاناة والإهانات التى لحقت بنا، وصولاً لمضايقات تعرض لها المحامون على أبواب المعسكر من قوات الشرطة وهم آتون للدفاع عنا، لكن القرار كان الحبس لمدة 15 يوماً، داخل سيارة الترحيلات نحو طرة قررنا الدخول فى إضراب جماعى عن الطعام، بدءاً من صباح 27 يناير، ساعات تريّض محدودة داخل ذلك السجن، النزهة اليومية بالكاد لا تتعدى ال10 دقائق، قبل أن يتم إبلاغنا فى 8 فبراير بالاستعداد للمغادرة، بعد قبول إخلاء السبيل. ينفتح باب سيارة الترحيلات، المفاجأة أننا وصلنا سجن أبوزعبل وليس قسم عابدين، استقبال السجن يخبرنا بأن خطأً حدث فى إبلاغنا بالقرار الصحيح وهو رفض الاستئناف ووجوب استكمال مدة الحبس المقررة من النيابة، سابقاً كنت أستمع من المعتقلين عن وجوب حصولك على حفلة «الاستقبال» فى السجن، الآن أصبحت جزءاً منها، بمجرد دخولنا طلب منا مخبرو السجن خلع ملابسنا عدا الداخلية منها، قبل أن يأمرونا بالزحف على بطوننا ومن يرفع رأسه لا يجد إلا «الشلوت» ليعيده مجدداً إلى الأرض، ملابسنا الجديدة باتت ملكاً لهؤلاء المخبرين يتشاجرون عليها، خلال مدة سجنى بأبوزعبل أصوات الصراخ القادمة من زنازين لصيقة لا تنقطع، قبل أن أخرج إلى النور أخيراً فى 12 فبراير بعد قبول الاستئناف بصحبة 54 فرداً، تاركاً داخل الزنازين 173 آخرين. ■ كمال أحمد.. مريض الصرع الذى قضى 60 يوماً بين طرة وأبوزعبل «ابنى لن يتحدث فى الإعلام.. كفاية اللى حصله جوه.. حالته اتأخرت أوى»، هكذا قرر العم أحمد والد «كمال الدين» أن يمنع ابنه صاحب ال20 عاماً أحد أعضاء قضية «معتقلى القهوة» من الحديث إعلامياً بعد خروجه بقرار من النيابة العامة لظروف صحية فى 10 فبراير الماضى، بعد 60 يوماً داخل السجن، بتهم حيازة أسلحة نارية، والإخلال بالأمن العام، والإتلاف العمدى لسيارات الشرطة فى أحداث جامعة الأزهر فى 10 ديسمبر، رغم شهادة شهود العيان خلال تحقيقات النيابة أن كمال كان جالساً على مقهى يبعد عن أحداث الأزهر أكثر من 500 متر. الأب يتحدث: «ابنى مصاب ببؤر صرعية بالمخ، ويعانى من عدم انتظام ضربات القلب.. وخلال مدة حبسه ساءت حالته الصحية بشكل كبير.. وكلما يتذكر ما كان يحدث داخل طرة.. تصيبه حالة من التشنّجات»، مؤكداً أنه رغم كل شىء فلا بد من شكر النائب العام، لأنه وافق على الإفراج الصحى، مشدداً فى الوقت ذاته على أنه واجه صعوبات فى التعامل مع إدارة سجنى «طرة وأبوزعبل» بسبب رفضهم تسلم الدواء المخصص لابنه. ■ «محمد ومحمود».. هيا نمارس الرياضة فى السجن محمد إيهاب ومحمود فوزى ومحمود أحمد.. ملاكم وبطل جمهورية، معه لاعب كرة بنادى الزمالك ثم اتحاد الشرطة، معهما ممثل مسرحى عرضت مسرحياته بأماكن عدة أهمها ساقية الصاوى. أعمارهم على الترتيب 17 و17 و20. قُبض على الثلاثة من قِبل لجنة شعبية فى وسط البلد بعد أن كانوا فى طريقهم إلى مطعم بوسط البلد، وسلمتهم اللجنة للجيش الذى بدوره سلمهم للشرطة. 15 يوماً احتياطيا لم تكن كافية لهم، فأخذوا 15 يوماً أخرى، حتى جاء الفرج بإخلاء سبيل القُصر. ■ فادى سمير.. مسيحى «إخوانى» إنه الأربعاء 8 يناير، يسرع الخُطى فى شوارع وسط البلد لإنجاز حاجاته، فمسيرة مناهضة لقانون التظاهر فى ميدان طلعت حرب والشرطة توشك على فضها كونها دون تصريح، الفضول يؤدى دوره بنجاح حينما أقنع فادى سمير ذلك الطالب صاحب ال19 عاماً بأنه لا مانع من إلقاء نظرة على اشتباكات الشرطة والمتظاهرين، والنتيجة تدفع ثمنها الآن تلك الأسرة التى على وشك تأجيل عرس ابنتها الكبرى، لغموض موقف الشقيق الأصغر. الأب يتحدث عن الاتهامات الموجّهة إلى ابنه من حيازة سلاح نارى، ومقاومة السلطات، فضلاً عن انتمائه إلى تنظيم الإخوان المحظور، قبل أن تكتشف النيابة ديانته المسيحية ليرد وكيل النيابة، حسب تعبير والده: «خلاص تبقى 6 أبريل»، الأزمة أن السنة الدراسية ل«فادى» الذى يدرس فى مدرسة «الساليزيان الدومبسكو» الثانوية بشبرا، توشك على النهاية بالنسبة له، فالمدرسة الخاضعة لإشراف السفارة الإيطالية بالقاهرة وجّهت إنذاراً مكتوباً للأسرة بأن استمرار انقطاعه عن الحضور والمشاركة فى امتحانات العملى تعنى أنه لن يُمكّن من دخول امتحانات نهاية العام. الأب يوجّه رسالته هذه المرة إلى المشير عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، قائلاً: «إحنا معاك، ونزلنا يوم التفويض وقلنا نحارب الإرهاب.. لكن اللى بيحصل دلوقتى ده اسمه الحرب على الشباب». أخبار متعلقة محام: نواجه خلع الملابس والزحف على البطن.. و«الشلوت» لمن عصى «مساعد الوزير لحقوق الإنسان»: «القسوة» ليست تعذيباً.. ونتعرض ل«تشويه» «الوطن» تجرى المواجهة بين الطرفين.. التاريخ ضد الوزارة.. والحاضر «العنيف» يعادى الثوار