هنا، فى الجيزة وسقّارة والأقصر، وإدفو، وكوم أمبو، وأسوان، وغيرها من مدن أرض طِيبة، كيميت، الأرض السوداء، هبة النيل، مصر، ترقد أجسادُ أجدادى العظام فى لفافات الكتّان الخالدة، يشهدون على فجر الضمير الإنسانى الذين صنعوه بعبقريتهم ومواهبهم التى خصّهم بها الُله قبل غيرهم من أجناس الأرض، من أجل أن يُعلّموا بقية الأمم معنى الحضارة بما تحمل من قيم إنسانية رفيعة، من شأنها أن تحقق فكرة الله فى الأرض ورغبته فى تعمير الكون بالنور والعلم والمحبة والسلام والترقّى يوماً بعد يوم على سلّم التحضر. هنا أجدادى يرقدون فى سلام، وصمت. لكننى أكاد أسمع زفرات حزنهم يتردد صداها بين جدران المعابد والقبور. نقرأ على إحدى الجداريات رمسيس الثانى يقول: «أنا ابنُ مصرَ العظيم، أنا ملكُ أعظم أمة على وجه الأرض. سأقاتل وأمحو من الوجود كلَّ من يفكر أن يعتدى على بلادى مصر، وكلَّ من يقترب منها ليؤذى شعبى العظيم. سأذلُّ أعدائى وأعداء بلدى ومملكتى، لتظل مصرُ الأعلى والأقوى والأغنى والأعظم على وجه الأرض». كنتُ فى رحلة نيلية بين الأقصر وأسوان قبل شهر. البواخرُ راسيةٌ فى صمتٍ وحزن فوق صفحة نهر النيل الخالد، لا أحد يقربُها من سياح أجانب ومصريين. محالُ التراث الفرعونى مغلقةٌ. المتاحفُ خاويةٌ على عروشها. البازاراتُ لا تجد من يعمُرُها. المعابد والمقابر تكاد تسمع جدرانها تتكلم وتقول: «لمن شيّدنا كل هذا المجد؟ للصمت والخواء؟» لو علم أجدادُنا أن أصلابهم النبيلة ستنجبُ أقزاماً يدفعهم قِصَرُ قاماتهم لمعاداة الحضارة، لقتلوا أنفسَهم قبل أن يتناسلوا. ولكن، هل الإخوان من إرهابيى مصر وزبانيتهم من أصلاب أجدادنا الفراعين حقًّا؟! يبدو أن التاريخ سيثبتُ عكس هذا. معازيل مرسى من الجهاديين والتكفيريين والإرهابيين يُهلكون الأرواح البريئة من مصريين وأجانب لكى يخربوا السياحة ويدمروا اقتصاد مصر الذى أرهقوه بطمعهم وغبائهم على مدى عامين كئيبين. منظمة الإخوان الدولية تشكّل ميليشيات لاستهداف الفنادق والسياح الأجانب. ثم يخرج الإخوانى الجهول علاء صادق شامتاً فرحاً فى إزهاق أرواح الأبرياء فيكتب بركاكته المعهودة على حسابه الرخيص فى تويتر: «العشرين سائح اللى موجودين فى مصر، والأربعين اللى ناويين ييجوا مصر، بح خلاص بح كلهم راحوا بح، بعد الانفجار بتاع طابا». بارك الإخوانى، الذى يخطئ فى الإملاء كما أخطأ أبواه فى تعليمه الجمال والتحضر، باركَ حادثَ طابا الذى نفذته ميليشيات أنصار بيت المقدس، وبارك موت الأرباء وبارك تدمير السياحة فى مصر! لكن قدراته الذهنية المحدودة بفقرها وضيق أفقها لم تمكّنه من طرح سؤال بديهى: «لماذا لم يطلق أربابُه فى تنظيم القاعدة وطالبان وأنصار بيت المقدس وأنصار السُّنّة والجهاديين والمقدسيين الأحرار طلقةَ رصاص واحدة أو قنبلة يتيمة نحو صدر إسرائيل؟» ربما لأنه يعلم أن أربابه مُوالون لصهيون الذى يعزّز وجودهم بمباركة أمريكا راعية الإرهاب فى الشرق الأوسط الذى يودّون أن يحققوا فيه نبوءة «أودينون»، المفكر الصهيونى، الذى قال قبل عشرين عاماً إن انتصار إسرائيل على العرب لن يكون إلا بتفتيت الدول الكبرى إلى دويلات متناحرة على أسس طائفية. اللهم عليك بمصاصى الدماء، أعداء الحياة الحاقدين على مصر، الرافضين سلامها وأمنها. اللهم اِهدِهم أو امحهم.