أكمل هنا بقية الحوار الذى أجراه معى الأستاذ حاتم رجائى ووجدت أنه قد يكون من المفيد لقارئ «الوطن» أن يطلع عليه: * ألفت كتابين فى النقد الأدبى، حدثنا عن هذه التجربة ما الذى دفعك إليها وما الجديد الذى أردت أن تطرحه من خلالها؟ - أسعى دائماً ألا أكتفى بقراءة أعمال الآخرين وإنما أيضاً أتناولها نقدياً، وذلك تلبية لطلب بعض الصحف والدوريات الأدبية وكذلك الندوات. وفى كتابى «النص والسلطة والمجتمع: القيم السياسية فى الرواية العربية»، وهو أطروحتى للدكتوراه، حاولت أن أبحث عن قيم الحرية والعدالة والمساواة فى الرواية السياسية العربية من خلال نماذج اخترتها بعناية وفق معايير محددة متأثراً بما ورد من مضامين عميقة فى علم اجتماع الأدب وعلم اجتماع الرواية. أما كتابى «بهجة الحكايا: على خطى نجيب محفوظ» فقد وضعت فيه بعض تصوراتى عن أدب نجيب محفوظ إلى جانب ما كتبته من مقالات نقدية عن بعض الأعمال الروائية والقصصية التى ظهرت فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين متتبعاً منهجاً يمزج بين قراءة النص من داخله دلالياً ومن خارجه عبر رصد وتحليل تأثير السياق الاجتماعى عليه. * كتبت رواية «سقوط الصمت» عن ثورة يناير، فهل كنت تحتاج إلى وقت أطول للتأمل قبل أن تكتب عن حدث لم يكتمل؟ - خفت أن تضيع منى طزاجة الحدث ويفتر انفعالى به بمرور السنين وتسقط من ذاكرتى بعض مشاهده الإنسانية المشهودة، فأردت من خلال رواية سقوط الصمت أن أجسد البطولة الجماعية والجوانب النفسية والجمالية التى لا يلتفت إليها المحللون السياسيون والمؤرخون لا سيما أننى كنت فى قلب الحدث وتفاعلت معه وتماهيت فيه بشكل كامل، ورغم أننى كتبت التجربة الذاتية فقط فى كتابى «عشت ما جرى.. شهادة على ثورة يناير» فإننى أردت فى الرواية أن أسجل بشكل جمالى ما عاشه الآخرون. * ذكرت أن الأدب وإن كان لا يصنع الثورة ولكنه يلعب دوراً فى التغيير السياسى، فإلى أى مدى ساهم الأدب فى نقد الواقع الاجتماعى وتحريك المياه الراكدة قبل ثورة يناير؟ - أنا أعتقد أن الأدب برسمه ملامح عالم مواز أو متخيل وانتصاره للحرية الفردية وفضحه للقبح الناجم عن الفساد والاستبداد ساهم فى تعميق الوعى، وهذا يشكل مقدمة ضرورية لأى رغبة فى التغيير، ربما كان دور الأدب فى ذلك غير مباشر ولكنه عميق وأصيل. * كيف يرى الأديب عمار على حسن أسباب انتحار جماعة الإخوان؟ - من زاوية الأديب أستطيع القول إن أحد الأسباب الأساسية لإفلاس الإخوان وانتحارهم هو افتقادهم للخيال الذى يملكه الأدباء؛ ففضلاً عن أن المشروع الإخوانى لم يُنتج لمصر أديباً بارزاً فإن طريقة التربية داخل الجماعة تقتل القدرة على الإبداع والتخيل وتصنع أنماطاً بشرية أشبه بما ينتجه مصنع الصابون، وأتصور أن ما يملكه الأدب من مساءلة وما يخلقه من عقل نقدى وإشباع وجدانى هو ما يفتقده مشروع الإسلام السياسى كله ويُبعده عن الإنسانية ويلقيه فى جب الجمود والنمطية والتجهم، وهذا ما يصيب الفكر الإخوانى والسلفى أيضاً فى مقتل. * يعتقد البعض أن المثقفين الآن لا يقومون بدورهم الطليعى فى قيادة المجتمع وأنهم كغيرهم يتأثرون بما يجرى وكل فعلهم هو فى الحقيقة رد فعل، فهل تتفق مع هذا الطرح؟ - المثقف الحقيقى هو الذى يمشى أمام السلطان ليقوده ويرشده وليس خلفه ليبرر له ويحميه ولا حتى إلى جانبه ليقول ليس فى الإمكان أبدع مما كان، والمثقف منحاز إلى الناس يحمل أشواقهم الدائمة إلى التقدم والحرية والعدل، وهو معارض بطبعه ليس حباً فى المعارضة، وإنما لأنه يجب أن يتمسك بالأفضل والأمثل لمجتمعه وبالتالى تتحول الثقافة إلى قاطرة تسير إلى الأمام، وهذه الخصال افتقدها أغلب المثقفين المصريين لا سيما فى العقود الأخيرة فخسروا دورهم وتضاءلت ثقة الناس فيهم، ولا خروج من مأزقنا الراهن إلا بعودة المثقف ليؤدى دوره ويملأ الفراغ الذى تمدد فيه فكر يدعو إلى الجهل والجمود والصراع. * نحن مجتمع مضرب عن القراءة، فى رأيك كيف يمكن أن نجعل رجل الشارع العادى يُقبل على القراءة ويحترم المثقفين؟ - يجب ابتداءً أن نستغل المدارس للتحريض على القراءة الحرة وأن نحل مشكلة توزيع الكتاب التى تعيش معنا منذ الأربعينات حسبما طرح توفيق الحكيم فى كتابه «البرج العاجى» وهذه مسئولية وزارة الثقافة ومؤسسات المجتمع المدنى ودور النشر الخاصة والمؤسسات الصحفية الكبرى، ويجب على هذه الجهات جميعاً أن تتعاون فى إطلاق قوافل تجوب المدن والقرى ليصل الكتاب إلى كل دار، وعلى موظفى وزارة الثقافة، لا سيما العاملين فى أكثر من 500 قصر ثقافة فى مصر، أن ينزلوا بالكتاب إلى الناس، ويجب على الكتّاب أن يخرجوا من العاصمة إلى الأقاليم ومن القلب إلى الأطراف، فلا يزال لدينا ملايين يمكن أن تدمن القراءة المستديمة شرط أن نصل إليهم.